قراءة أخرى للأزمة فى ليبيا
نيسان ـ نشر في 2015/09/01 الساعة 00:00
ليبيا فى الإعلام العربى غيرها على ارض الواقع، حتى يبدو وكأن الأول بلد مختلف عن الثانى. هذه محاولة لقراءة الحالة الليبية من خارج الصورة النمطية.
(1)
هى فى الاعلام ساحة يتمدد فيها الارهاب ويتوحش بدرحة اصبحت تقلق الجيران وتهدد الامن القومى المصرى ولكن الجيش الوطنى يحاول جاهدا وقف ذلك التمدد وافشال مخططاته، الا ان جهوده لا تزال قاصرة لأنه بحاجة إلى سلاح يؤدى به واجبه ويده مغلولة فى ذلك بسب الحظر الدولى.
تلك هى الصورة النمطية الرائجة فى وسائل الاعلام العربية، عالية الصوت التى تعبر عن عواصم الاقليم ذات الصلة بالوضع الليبى. احدث ما وقعت عليه فى هذا الصدد خبرا ابرزته جريدة الوطن المصرية على صفحتها الاولى (فى 22/8) ذكر ما يلى: عقد تنظيم داعش اجتماعا فى نهاية الاسبوع الماضى حضره ممثلون عن جهاز مخابرات اجنبى بإحدى المناطق الحدودية الليبية واشترك فيه 30 عنصرا من الجانبين.. واتفق الجانبان على وضع مخطط جديد للنيل من الأمن القومى المصرى من خلال تحرك داعش تجاه الحدود مع مصر، واقامة معسكرات تدريبية لإعداد عناصر مسلحة لخلق توترات على الحدود المصرية. وقد تعهد جهاز المخابرات (المشارك) بتوفير احدث الأسلحة والمعدات والاتصالات اللازمة لتنفيذ عمليتها. (2) موقف الاعلام العربى عاكس لمواقف دوله الشريكة فى الصراع الدائر على الارض. اذ لم يعد سرا ان مصر والامارات تساندان عملية الكرامة فى الشرق، فى حين ان قطر وتركيا تساندان فجر ليبيا فى الغرب. كما بات معلوما ورائجا ان جماعة الكرامة المتمركزين فى طبرق القريبة من الحدود المصرية يعتبرون خصومهم المتحصنين فى طرابلس انهم ارهابيون. اما جماعة فجر ليبيا فإنهم يصنفون مجموعة الكرامة بأنهم يمثلون الثورة المضادة، التى تسعى لإجهاض ثورة فبراير التى اطاحت بالرئيس السابق معمر القذافى. وكل منهما يطعن فى شرعية الآخر ويعتبر نفسه ممثلا للشعب الليبى. وهذه معلومات صحيحة لكنها منقوصة ــ ان شئت فقل ان تلك قراءة تختزل المشهد وتتعامل معه بتبسيط شديد ومخل لأنه مسكون بقدر هائل من التفاصيل التى منها ما يلى: • ان تنظيم داعش لا يمثل خطرا على ليبيا وابعد من ذلك بكثير ان يهدد امن مصر كما يقول الصحفى الليبى هشام الشلوى. هو مشكلة فى ليبيا صحيح لكن يصعب تصنيفه خطرا. اذ للتنظيم وجوده فى درنة التى تبعد عن مقر البرلمان فى طبرق مسافة 175 كم، مع ذلك فإن عناصر المقاومة الشعبية طردتهم من هناك خلال ساعات محدودة. واصبح لهم وجود فى بؤرة محدودة على بعد 40 كم منها. لهم بؤرة ثانية فى بنغازى حيث انضم اليهم بعض اعضاء جماعة انصار الشريعة، وهذه تبعد 1200 كم عن مقر السلطة فى طرابلس، ولهم بؤرة ثالثة أو قاعدة فى سرت التى تمددوا فيها أخيرا، بعد اشتباكات بولغ فى حجمها كثيرا فى حين ان الذين قتلوا فيها لم يتجاوزا ثلاثين شخصا. لكن هذه المدينة التى كانت اثيرة لدى القذافى، تبعد مسافة 400 كم عن طرابلس. وهى خلفية تسوغ لنا ان نقول إن وجودهم الذى لا يتجاوز المئات لا يهدد معاقل السلطة.
• ان داعش لا تحارب وحدها، ولكنها مؤيدة من عناصر النظام السابق ومن قبيلة القذاذفة التى ينتمى اليها معمر القذافى. ولا ينسى فى هذه الصورة ان أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات الخارجية فى عهده، امتدح داعش فى حوار بثته احدى القنوات الخاصة المصرية يوم 17 يناير الماضى، وقال انهم لم يجدوا احدا يدافع عن كرامة الأمة فلجأوا إلى الهروب إلى الله. ونشر كلامه صحيفة القدس العربى اللندنية الصادرة فى 18 يناير تحت عنوان نسب إلى أحمد قذاف الدم قوله: انا مع داعش وهم شباب انقياء.
• ان ما يوصف بأنه الجيش الوطنى الليبى له وجوده فى وسائل الاعلام اكبر من وجوده على الارض، ذلك ان القذافى كان قد الغى الجيش وحوله إلى مجموعة من الكتائب التى وزعها على اولاده. والعنوان الذى يجرى تسويقه الآن ينصرف إلى مجموعة من العسكريين الذين يلتفون حول اللواء خليفة حفتر لأسباب قبلية أو علاقات ومصالح خاصة، ومعهم بعض الميليشيات المحلية التى لها مصالحها المشروعة وغير المشروعة. وهؤلاء لم يحققوا انجازا عسكريا يذكر على الارض طوال 18 شهرا، لا فى بنغازى التى هى فى المنطقة الشرقية ولا فى المنطقة الغربية. ولولا الدعم العسكرى الخارجى والدعاية الاعلامية التى تقوم بها المنابر الموالية لهم لاندثر الجيش منذ شهور.
هناك اعتبار مهم يتعذر تجاهله فى هذا السياق، وهو ان قيادة اللواء حفتر «للجيش» محل خلاف بين العسكريين. وقد ظهر هذا الخلاف على السطح بعدما قرر حفتر نقل مقر مدرسة الصاعقة التى تخرج القوات الخاصة من مكانها فى بنغازى إلى مدينة المرج الواقعة فى الشرق من بنغازى، التى تعد معقلا لمجموعة الكرامة لكى يضمن ولاء خريجيها له. (3) العامل الاكثر اهمية وحسما فى المشهد ان الخريطة السياسية الليبية طرأ عليها تغيير بمضى الوقت. فلم تعد الصورة مقصورة على جبهة فى الشرق على رأسها اللواء حفتر وخاضعة لنفوذ مجموعة الكرامة ومجلس النواب وحكومة عبدالله الثنى، واخرى فى الغرب خاضعة لنفوذ فجر ليبيا والمؤتمر الوطنى وحكومة خليفة الغويل. ذلك ان الحوارات التى تمت خلال الاشهر الاخيرة خصوصا الذى جرى فى الصخيرات بالمغرب افرزت وضعا جديدا غير من معالم الاستقطاب القائم. وعلى حد تعبير احد وثيقى الصلة بالمشهد فإن التباين والانقسام ازاء الحلول السياسية أو الحسم العسكرى شمل الجميع، بحيث لم يعد هناك مكون سياسى أو بلدى أو اجتماعى فى الشرق والغرب الا وانقسم اعضاؤه وتوزعوا على المعسكرين بين فريق احدهما يؤيد الاتفاق السياسى ويحبذ الوفاق الوطنى، ويعتبر ان ذلك هو المخرج الوحيد للأازمة، والثانى لا يحدد بديلا عن الحسم العسكرى لاستئصال الارهاب فى جانب وما اعتبر ثورة فى الجانب الآخر.
فى هذا الصدد ذكر الباحث الليبى اسماعيل القريتلى انه فى المنطقة الغربية اتضح تأثير حوار الصخيرات على خارطة التحالفات الجهوية والسياسية. فنشأ تيار يقوده اعيان ورجال اعمال وقادة سياسيون من مصراتة وكان محسوبا على النظام السابق فى بداية الثورة ولكنهم شاركوا فى دعمها بحيث اصبح لهم تأثير على تشكيلات عسكرية كبرى فى المدينة. هذا التيار استطاع ان يعيد علاقة مصراتة مع المناطق التى تناهضها مجموعات فى فجر ليبيا. فعقد ممثلوه مصالحات ولقاءات فى ورشفانة والزنتان ومناطق اخرى فى باطن الجبل. ودعم عديد من محاولات الصلح بين ورشفانة والزوالية ومناطق عدة فى الجنوب الغربى. هذا التيار عارض التوقيع على مشروع الحل الذى قدمه المبعوث الدولى برناردين وليون فى مواجهة تيار آخر فى المؤتمر الوطنى ايده . وذلك لا يختلف كثيرا عن الحاصل فى معسكر الكرامة المقابل، حيث الانقسام ظاهر فى مجلس النواب بطبرق. وبالاطلاع على ما يدونه بعض اعضائه يتضح ان هناك اعادة تشكيل فى تحالفاتهم فهناك انقسام داخل الكتلة المؤيدة لتحالف القوى الوطنية وخلاف واضح بين وفد الحوار (الذى شارك فى مؤتمر الصخيرات) ولجنة المستشارين التى تم حلها من قبل رئيس مجلس النواب الذى ايد فكرة التوقيع على مشروع المبعوث الدولى. على صعيد آخر فإن الفيدراليين فى مجلس النواب (الذين يدعون إلى حكم ذاتى فى برقة) يحاولون اعادة تنظيم صفوفهم، ويسعون لطرح رؤية يصل التصعيد اليها إلى حد تشكيل حكومة لإقليم برقة، واعادة ترتيب موارده وقواته العسكرية والأمنية. (4) التباين الأخطر والأقوى تأثيرا حاصل فى مواقف الخارج وليس الداخل. ذلك ان دول الاقليم المحيطة منقسمة بدورها بين طرف يدعو إلى الحل السياسى الذى تشترك فيه كل الاطراف تقوده قطر وتركيا ومعهما الجزائر والمغرب والسودان. ودول اخرى تنحاز إلى طرف واحد يتمثل فى معسكر الكرامة الذى يقوده اللواء حفتر وتقوده مصر والامارات. وكل طرف يستخدم اوراق الضغط الدبلوماسى وغير الدبلوماسى لتعزيز موقفه. فالأولون يعتبرون التوافق الوطنى المتكافئ هو الحل والآخرون يشددون على ان مكافحة الارهاب تمثل اولوية قصوى لديهم.
خبراء الشأن الليبى الذين تحدثت اليهم يلفتون النظر فى هذا السياق إلى الملاحظات التالية: • ان حالة التفكك الحاصلة فى البلاد لم تمكن تنظيم داعش من التمدد على الارض فحسب، ولكنها اتاحت الفرصة لأنصار النظام السابق لكى يرفعوا اصواتهم فى عدة مناطق ــ طبرق وبنغازى فى مقدمتها ــ مطالبين بإطلاق سراح نجل القذافى سيف الاسلام، وتمكينه من حكم ليبيا، كما طالبوا بإطلاق سراح رموز نظام القذافى الذين يحاكمون فى غرب ليبيا بدعوى انهم من الشخصيات الوطنية، ولم تقابل تلك الدعوات بأى اعتراض. • ان الصراع السياسى يستأثر بالاهتمام الذى صرف الانتباه إلى العنف العرقى الحاصل فى منطقة الكُفرة أو الخلاف الحاصل بين شيوخ قبائل المنطقة الشرقية حول مناطق نفوذها، أو الوقيعة بين الشرق والغرب والادعاء بأن بعض سكان الغرب من اصول تركية وليسوا مواطنين اصلاء. • ان مشروع اللواء خليفة حفتر الاساسى يقوم على استبعاد الحل السياسى وتجميد المؤتمر الوطنى. ورغم اعلانه فى بداية عملية الكرامة (16 مايو 2014) انها ليست انقلابا وان الجيش لن يمارس السياسة، الا انه يسعى مع انصاره الآن إلى تشكيل مجلس عسكرى برئاسته لممارسة السلطة فى ليبيا. • ان التركيبة القبلية والعرقية توفر لليبيا وضعا شديد الخصوصية، يختلف عن أى وضع اخر فى دول الجوار. وينبه هؤلاء إلى صعوبة استنساخ النموذج المصرى الذى يحاول البعض اقتباسه ونقل صيغته وصراعاته إلى الساحة الليبية. • اخيرا يذكر اولئك الخبراء بأن الثورة الليبية التى انطلقت فى شهر فبراير عام 2011 تمثل احد تجليات الربيع العربى ومحاولات خنقها أو اجهاضها ليست بعيدة تماما عن مشروع تصفية الربيع العربى وازالة اثاره الذى حقق نجاحات مشهودة فى دول عربية اخرى. الشروق
تلك هى الصورة النمطية الرائجة فى وسائل الاعلام العربية، عالية الصوت التى تعبر عن عواصم الاقليم ذات الصلة بالوضع الليبى. احدث ما وقعت عليه فى هذا الصدد خبرا ابرزته جريدة الوطن المصرية على صفحتها الاولى (فى 22/8) ذكر ما يلى: عقد تنظيم داعش اجتماعا فى نهاية الاسبوع الماضى حضره ممثلون عن جهاز مخابرات اجنبى بإحدى المناطق الحدودية الليبية واشترك فيه 30 عنصرا من الجانبين.. واتفق الجانبان على وضع مخطط جديد للنيل من الأمن القومى المصرى من خلال تحرك داعش تجاه الحدود مع مصر، واقامة معسكرات تدريبية لإعداد عناصر مسلحة لخلق توترات على الحدود المصرية. وقد تعهد جهاز المخابرات (المشارك) بتوفير احدث الأسلحة والمعدات والاتصالات اللازمة لتنفيذ عمليتها. (2) موقف الاعلام العربى عاكس لمواقف دوله الشريكة فى الصراع الدائر على الارض. اذ لم يعد سرا ان مصر والامارات تساندان عملية الكرامة فى الشرق، فى حين ان قطر وتركيا تساندان فجر ليبيا فى الغرب. كما بات معلوما ورائجا ان جماعة الكرامة المتمركزين فى طبرق القريبة من الحدود المصرية يعتبرون خصومهم المتحصنين فى طرابلس انهم ارهابيون. اما جماعة فجر ليبيا فإنهم يصنفون مجموعة الكرامة بأنهم يمثلون الثورة المضادة، التى تسعى لإجهاض ثورة فبراير التى اطاحت بالرئيس السابق معمر القذافى. وكل منهما يطعن فى شرعية الآخر ويعتبر نفسه ممثلا للشعب الليبى. وهذه معلومات صحيحة لكنها منقوصة ــ ان شئت فقل ان تلك قراءة تختزل المشهد وتتعامل معه بتبسيط شديد ومخل لأنه مسكون بقدر هائل من التفاصيل التى منها ما يلى: • ان تنظيم داعش لا يمثل خطرا على ليبيا وابعد من ذلك بكثير ان يهدد امن مصر كما يقول الصحفى الليبى هشام الشلوى. هو مشكلة فى ليبيا صحيح لكن يصعب تصنيفه خطرا. اذ للتنظيم وجوده فى درنة التى تبعد عن مقر البرلمان فى طبرق مسافة 175 كم، مع ذلك فإن عناصر المقاومة الشعبية طردتهم من هناك خلال ساعات محدودة. واصبح لهم وجود فى بؤرة محدودة على بعد 40 كم منها. لهم بؤرة ثانية فى بنغازى حيث انضم اليهم بعض اعضاء جماعة انصار الشريعة، وهذه تبعد 1200 كم عن مقر السلطة فى طرابلس، ولهم بؤرة ثالثة أو قاعدة فى سرت التى تمددوا فيها أخيرا، بعد اشتباكات بولغ فى حجمها كثيرا فى حين ان الذين قتلوا فيها لم يتجاوزا ثلاثين شخصا. لكن هذه المدينة التى كانت اثيرة لدى القذافى، تبعد مسافة 400 كم عن طرابلس. وهى خلفية تسوغ لنا ان نقول إن وجودهم الذى لا يتجاوز المئات لا يهدد معاقل السلطة.
• ان داعش لا تحارب وحدها، ولكنها مؤيدة من عناصر النظام السابق ومن قبيلة القذاذفة التى ينتمى اليها معمر القذافى. ولا ينسى فى هذه الصورة ان أحمد قذاف الدم، منسق العلاقات الخارجية فى عهده، امتدح داعش فى حوار بثته احدى القنوات الخاصة المصرية يوم 17 يناير الماضى، وقال انهم لم يجدوا احدا يدافع عن كرامة الأمة فلجأوا إلى الهروب إلى الله. ونشر كلامه صحيفة القدس العربى اللندنية الصادرة فى 18 يناير تحت عنوان نسب إلى أحمد قذاف الدم قوله: انا مع داعش وهم شباب انقياء.
• ان ما يوصف بأنه الجيش الوطنى الليبى له وجوده فى وسائل الاعلام اكبر من وجوده على الارض، ذلك ان القذافى كان قد الغى الجيش وحوله إلى مجموعة من الكتائب التى وزعها على اولاده. والعنوان الذى يجرى تسويقه الآن ينصرف إلى مجموعة من العسكريين الذين يلتفون حول اللواء خليفة حفتر لأسباب قبلية أو علاقات ومصالح خاصة، ومعهم بعض الميليشيات المحلية التى لها مصالحها المشروعة وغير المشروعة. وهؤلاء لم يحققوا انجازا عسكريا يذكر على الارض طوال 18 شهرا، لا فى بنغازى التى هى فى المنطقة الشرقية ولا فى المنطقة الغربية. ولولا الدعم العسكرى الخارجى والدعاية الاعلامية التى تقوم بها المنابر الموالية لهم لاندثر الجيش منذ شهور.
هناك اعتبار مهم يتعذر تجاهله فى هذا السياق، وهو ان قيادة اللواء حفتر «للجيش» محل خلاف بين العسكريين. وقد ظهر هذا الخلاف على السطح بعدما قرر حفتر نقل مقر مدرسة الصاعقة التى تخرج القوات الخاصة من مكانها فى بنغازى إلى مدينة المرج الواقعة فى الشرق من بنغازى، التى تعد معقلا لمجموعة الكرامة لكى يضمن ولاء خريجيها له. (3) العامل الاكثر اهمية وحسما فى المشهد ان الخريطة السياسية الليبية طرأ عليها تغيير بمضى الوقت. فلم تعد الصورة مقصورة على جبهة فى الشرق على رأسها اللواء حفتر وخاضعة لنفوذ مجموعة الكرامة ومجلس النواب وحكومة عبدالله الثنى، واخرى فى الغرب خاضعة لنفوذ فجر ليبيا والمؤتمر الوطنى وحكومة خليفة الغويل. ذلك ان الحوارات التى تمت خلال الاشهر الاخيرة خصوصا الذى جرى فى الصخيرات بالمغرب افرزت وضعا جديدا غير من معالم الاستقطاب القائم. وعلى حد تعبير احد وثيقى الصلة بالمشهد فإن التباين والانقسام ازاء الحلول السياسية أو الحسم العسكرى شمل الجميع، بحيث لم يعد هناك مكون سياسى أو بلدى أو اجتماعى فى الشرق والغرب الا وانقسم اعضاؤه وتوزعوا على المعسكرين بين فريق احدهما يؤيد الاتفاق السياسى ويحبذ الوفاق الوطنى، ويعتبر ان ذلك هو المخرج الوحيد للأازمة، والثانى لا يحدد بديلا عن الحسم العسكرى لاستئصال الارهاب فى جانب وما اعتبر ثورة فى الجانب الآخر.
فى هذا الصدد ذكر الباحث الليبى اسماعيل القريتلى انه فى المنطقة الغربية اتضح تأثير حوار الصخيرات على خارطة التحالفات الجهوية والسياسية. فنشأ تيار يقوده اعيان ورجال اعمال وقادة سياسيون من مصراتة وكان محسوبا على النظام السابق فى بداية الثورة ولكنهم شاركوا فى دعمها بحيث اصبح لهم تأثير على تشكيلات عسكرية كبرى فى المدينة. هذا التيار استطاع ان يعيد علاقة مصراتة مع المناطق التى تناهضها مجموعات فى فجر ليبيا. فعقد ممثلوه مصالحات ولقاءات فى ورشفانة والزنتان ومناطق اخرى فى باطن الجبل. ودعم عديد من محاولات الصلح بين ورشفانة والزوالية ومناطق عدة فى الجنوب الغربى. هذا التيار عارض التوقيع على مشروع الحل الذى قدمه المبعوث الدولى برناردين وليون فى مواجهة تيار آخر فى المؤتمر الوطنى ايده . وذلك لا يختلف كثيرا عن الحاصل فى معسكر الكرامة المقابل، حيث الانقسام ظاهر فى مجلس النواب بطبرق. وبالاطلاع على ما يدونه بعض اعضائه يتضح ان هناك اعادة تشكيل فى تحالفاتهم فهناك انقسام داخل الكتلة المؤيدة لتحالف القوى الوطنية وخلاف واضح بين وفد الحوار (الذى شارك فى مؤتمر الصخيرات) ولجنة المستشارين التى تم حلها من قبل رئيس مجلس النواب الذى ايد فكرة التوقيع على مشروع المبعوث الدولى. على صعيد آخر فإن الفيدراليين فى مجلس النواب (الذين يدعون إلى حكم ذاتى فى برقة) يحاولون اعادة تنظيم صفوفهم، ويسعون لطرح رؤية يصل التصعيد اليها إلى حد تشكيل حكومة لإقليم برقة، واعادة ترتيب موارده وقواته العسكرية والأمنية. (4) التباين الأخطر والأقوى تأثيرا حاصل فى مواقف الخارج وليس الداخل. ذلك ان دول الاقليم المحيطة منقسمة بدورها بين طرف يدعو إلى الحل السياسى الذى تشترك فيه كل الاطراف تقوده قطر وتركيا ومعهما الجزائر والمغرب والسودان. ودول اخرى تنحاز إلى طرف واحد يتمثل فى معسكر الكرامة الذى يقوده اللواء حفتر وتقوده مصر والامارات. وكل طرف يستخدم اوراق الضغط الدبلوماسى وغير الدبلوماسى لتعزيز موقفه. فالأولون يعتبرون التوافق الوطنى المتكافئ هو الحل والآخرون يشددون على ان مكافحة الارهاب تمثل اولوية قصوى لديهم.
خبراء الشأن الليبى الذين تحدثت اليهم يلفتون النظر فى هذا السياق إلى الملاحظات التالية: • ان حالة التفكك الحاصلة فى البلاد لم تمكن تنظيم داعش من التمدد على الارض فحسب، ولكنها اتاحت الفرصة لأنصار النظام السابق لكى يرفعوا اصواتهم فى عدة مناطق ــ طبرق وبنغازى فى مقدمتها ــ مطالبين بإطلاق سراح نجل القذافى سيف الاسلام، وتمكينه من حكم ليبيا، كما طالبوا بإطلاق سراح رموز نظام القذافى الذين يحاكمون فى غرب ليبيا بدعوى انهم من الشخصيات الوطنية، ولم تقابل تلك الدعوات بأى اعتراض. • ان الصراع السياسى يستأثر بالاهتمام الذى صرف الانتباه إلى العنف العرقى الحاصل فى منطقة الكُفرة أو الخلاف الحاصل بين شيوخ قبائل المنطقة الشرقية حول مناطق نفوذها، أو الوقيعة بين الشرق والغرب والادعاء بأن بعض سكان الغرب من اصول تركية وليسوا مواطنين اصلاء. • ان مشروع اللواء خليفة حفتر الاساسى يقوم على استبعاد الحل السياسى وتجميد المؤتمر الوطنى. ورغم اعلانه فى بداية عملية الكرامة (16 مايو 2014) انها ليست انقلابا وان الجيش لن يمارس السياسة، الا انه يسعى مع انصاره الآن إلى تشكيل مجلس عسكرى برئاسته لممارسة السلطة فى ليبيا. • ان التركيبة القبلية والعرقية توفر لليبيا وضعا شديد الخصوصية، يختلف عن أى وضع اخر فى دول الجوار. وينبه هؤلاء إلى صعوبة استنساخ النموذج المصرى الذى يحاول البعض اقتباسه ونقل صيغته وصراعاته إلى الساحة الليبية. • اخيرا يذكر اولئك الخبراء بأن الثورة الليبية التى انطلقت فى شهر فبراير عام 2011 تمثل احد تجليات الربيع العربى ومحاولات خنقها أو اجهاضها ليست بعيدة تماما عن مشروع تصفية الربيع العربى وازالة اثاره الذى حقق نجاحات مشهودة فى دول عربية اخرى. الشروق
نيسان ـ نشر في 2015/09/01 الساعة 00:00