عن الكتابة و أسئلة الكلام !! (بقلم ماجد شاهين)

نيسان ـ نشر في 2015/09/10 الساعة 00:00
( 1 ) في درب النص ّ ! إذا قرأنا نصـّاً ً / كتابة ، و رغبنا في أن ننبهر بالنص ّ و نقترب منه و يقترب منّا أو لكي نجد فيه كائنات حيّة تتنفّس ، فـ ينبغي مع " النصّ / الكتابة " أن : __ نُعيد إنتاج و صوغ أسئلة الحياة / من مثل سؤال الحبّ او سؤال الحريّة أو سؤال الخبز و تفرعاتها . __ أن نجد إجابة أو فكرة أو مقاربة أو صورة أو تلميحاً عن سؤال أو عن حكاية أو عن وجع فينا . __ أن نقرأ في النص ّ أو في جواره أو قريباً منه و جوهنا أو ملامح حاراتنا و شوارعنا و سيرة من غابوا أو رحلوا او سيرة العائدين من الخسارات أو الذاهبين إلى الخسارات . ... لا نريد من النص ّ أن يجد إجابة محدّدة عن أسئلة الحياة جميعها ، لكننا نسعى إلى أن نرى في النص ّ أسئلة دائمة عن الحياة . ... النص ّ المكتظ ّ بالتزويق لا يكفي ولا ينفع و إن ْ بدا مُبهرا ً ! و النص ّ الذي يخلو من أسئلة الوجع والبلاد والحريّة والخبز ، بالضرورة سيكون نصـّا ً بلا طعم وبلا روح وبلا فاكهة ، حتى و إن ْ بدا مُباغتاً في القراءة الأولى ! ... هكذا قلت ، و قريبا ً من ذلك ، حين رمت إلي ّ امرأة سؤالها عن الكلام . ( 2 ) والحكايات ! جـَرّبت ُ أن أكتب على طريقتهم ، فصادفت ُ فشلا ً ذريعاً و خسارة ً فادحة ! .. أفضل ُ الذين كتبوا عن " طحين المؤن " ، هم أولئك الذين تعفّرت وجوههم بالطحين حين كانوا في طابور الانتظار لكي يحصلوا على حصصهم من المعلّبات والصابون و العدس و الطحين . .. و أجمل الذين كتبوا عن " حمّص و فول " هاشم ، هم أولئك الذين اندلقت كاسات الشاي فوق بناطيلهم أو قمصانهم جرّاء محاولات للحصول على كرسيّ فارغ جوار طاولة في المطعم . .. و أروع الذين كتبوا عن " قيعان المدن " ، هم أولئك الذين " حرثوا المكان " و جالوا في شوارع المدن العتيقة و قرؤوا الحجارة والأرصفة . .. الاستماع ومشاهدة خبر عن الجوع والفقر في إحدى العواصم أو القرى ، ذلك أمر لا يكفي لكي يكتب أحدهم رواية أو قصة أو سيرة أو خبراً عن أحوال الجوع . و مشاهدة " برامج في محطّات فضائيّة " لا تكفي لكي يذهب كاتب ٌ في الوجع إلى أقصى و أقسى مداه و يجعل من دفتره الصغير مساحة حبر مخلوط ببكاء . و الجلوس في فندق لا ينفع لكي نكتب عن مياه عادمة تسيل في شوارع المدن و تلوّث بيئة الناس و تجلب إليهم المرض . و لا ينفع ، بالمرّة ، أن يكتب أحدهم عن " تغميس " في صحن طبيخ شعبيّ في وسط البلد ، فيما هو يتناول طعامه بالشوكة والسكّين في صالون مغلق بعيداً عن الضجيج . .. أشياء كثيرة لا تنفع ، و كثير من الحزن يقع في باب الافتعال ، و عديد الذين يكتبون عن " مخاطر النفايات " و فداحة الخسائر جرّاء انتشار " الجراذين والفئران " ، هؤلاء لم يروا حاوية قمامة في حياتهم و لم يتعثروا بــ ِ مجرد قطة بائسة . .. أشياء عديدة لا يمكن خوض الحديث عنها من دون اقتراب أو معاينة ، و الحكايات كثيرا ً ما تكون تالفة لأنّ الرواة مزوّرون أو لم يعاينوا الحكاية عن قرب . ( 3 ) و رحلة الكلام ! نصّي / كتابتي ، القصة أو القصيدة أو الخاطرة أو القطعة من السيرة ، أفضّل أن يظلّ كائناً حيّا ً ، و قبل أن يخرج إلى العلن وقيبل أن يتشكّل بصورته النهائيّة يروح لكي يحتسي قهوته عند الرصيف و يتناول شايه هناك حيث يلعب الناس الورق أو يلعب النرد بهم ، و النص ّ يراقب النصّ حركة العابرين ويتفقّد أحوالهم فيرى الشحادين و راكبي العجلات و المشترين و أصحاب المحالّ الذين أضجرتهم الاحوال البائسة . .. و يروح النصّ إلى مدارس الأولاد الصغار ، فيرى كيف يمزّق الأولاد أوراق امتحاناتهم أو يركلون حقائبهم المدرسيّة لكي يتخلّصوا منها و لكي ينالوا حقائبهم المُشتهاة . .. و يتحرّك النصّ في اتجاه مدارس البنات فيرى كيف تتهامس بنتان حول ولد ٍ طائش اعتاد أن يهرب من مدرسته و يقترب من شبابيكهنّ ، و تضحكان . .. و يدخل النصّ إلى متجر للخضار والفاكهة فتعلق به رائحة البصل والجوّافة والليمون والبطاطا والبقدونس و قد يصادف النص ّ ُ هناك امرأة تبيع المفتول بأكياس أو تبيع الميرمية . .. و يصعد النصّ إلى داخل باص متجه إلى قرية مجاورة ، فيرى كيف يحشر المسافرون أنفسهم في الباص بغية الوصول إلى منازلهم قبل غروب الشمس ، وكيف يفرض السائق إيقاع أغنية صاخبة على أذواق و أسماع المسافرين . .. وفي الأغلب الأعم ّ أترك النصّ يتجه إلى مشاويره الأثيرة منفرداً أو رفقة من يحبّ ، يدندن فيها ما يشتهي أو ما كانت شدّت انتباهه صبيّة إليه . ... نصّي ، لا ينفع إلا ّ أن يظلّ قريبا ً من شارعكم / شارعنا / شارعه / شارعها ، و لا ينفع أن يخرج من رحم البوح إلا ّ حين يكتمل بكم . نصّي ابن الرصيف و حارسه نصّي ابن الشارع و رفيق تعبه نصّي ابن فوضاكم و فرحكم و تعبكم و حزنكم و جلجلتكم . ... النصّ ، أنا و أنتم و المكان و الرصيف و الحافلة والمقهى و الرغيف والوجع . 2015
    نيسان ـ نشر في 2015/09/10 الساعة 00:00