مأزق التعليم في الأردن
نيسان ـ نشر في 2015/09/12 الساعة 00:00
لسنا على ما يرام في جانب التعليم فنحن شئنا أم أبينا أمام الحقائق التالية:
1. المناهج الجديدة وبشهادة كثير من أولياء الأمور محشوة بمعلومات أكثر من اللازم لا يستطيع استيعابها أكثر من 10% من الطلاب كما أراد واضعوها، وبالتالي هذه المناهج وبكل بساطة تصلح فقط لهذه النسبة من الطلاب.
2. لا يزال الاهتمام بالنواحي المهنية في التربية والتعليم دون المستوى المطلوب كثيرا بدليل عدم المساواة اجتماعيا بين التعليم المهني والتعليم الأكاديمي.
3. لا يزال معظم الطلاب يقضي اثني عشر عاما في الحصول على معلومات لا تتناسب مع التطبيق العملي بالرغم من وجود المدارس المهنية.
4. الإنتاج المهني الناتج عن مرحلة المدرسة لا يزال متواضعا بما لا يبرر الاستثمار الضخم في هذه المرحلة سواء من ناحية الحكومة أو الأهالي باختصار ما أهمية الرياضيات المتقدمة على سبيل المثال لمن سينخرط في مهن لا تحتاج لهذا الكم الهائل من الرياضيات أو الفيزياء أو باقي العلوم.
5. ليس هناك دراسات احصائية لحاجة سوق العمل من التخصصات وليس هناك دراسات لحل التحديات الاجتماعية الناتجة عن وجود هذا الكم الهائل من الأطفال ومن هم في سن التعليم سواء المدرسي أو الجامعي على الرغم من الحاجة الماسة لكم كبير من التخصصات التي يزال السوق يحتاجها بشدة بدليل وجود ربما أكثر من مليون عامل وافد.
6. إذن نحن سواء اعترفنا أم لم نعترف أمام مشكلة هيكلية قطاع التعليم في الأردن وأمام مشكلة ازدحام في قطاع التعليم الأكاديمي والنظري كنا بحاجته ربما في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ولكن الأمور الآن تتغير باتجاه الحاجة لتخصصات في منتهى الدقة لم يعبأ السوق بها لغاية الآن وأمام أعداد هائلة من خريجين في تخصصات أكثر بكثير من حاجة السوق, إذن نحن نهدر أموالا في ما لا نحتاج إليه ولا نستثمر في ما نحتاج.
إننا نشتكي من ضعف خبرات في كل ما يحيطنا من حاجات. عند تصليح السيارة نشتكي من قلة خبرة أصحاب هذه المهنة, وحين نبني بيتا نشتكي من قلة خبرة الكهربائي والسباك والحداد والنجار.
لماذا لا يبنى نظام تعليم مهني يعطينا ما نحتاج اليه من خبرات, بحيث لا يصبح الفاشل أكاديميا هو الفني الذي نحتاج البه كثيرا في كل أمر حياتي حولنا, لماذا لا نبني قطاعا مهنيا بطريقة تجعل هذا القطاع ذو مكانة مرتفعة اجتماعيا بحيث يصبح النجار أو الحداد أو الميكانيكي أو الكهربائي إنسانا محترما جدا في مجتمعه, يتمتع بتأمين كل متطلبات حياته ويحصل على امتيازات تغري المتفوقين في الإقبال على ما لا يقبل عليه المتفوقين في العادة بسبب العقد الاجتماعية التي لم نفلح في التخلص منها حتى الآن, لأن التخصصات التي نحن في أمس الحاجة إليها لا يزال ينظر إليها المجتمع باحتقار والسبب هو فوضى قطاع التعليم لدينا, لا أكثر ولا أقل.
إذن ومنذ البداية يجب تعريف أدوار معادلة التربية والتعليم فالأسرة يهمها مستقبل أبنائها واطمئنانها عليه والدولة والمجتمع يهمهم دور وفاعلية هؤلاء في بناء دولتهم ومجتمعهم. إذن نحن أمام تبادل منافع مباشر وأي تجاوز أو تهاون من كلا الطرفين سيؤدي إلى خسارة الطرفين, هذا الدور يجب أن يؤطر ويعلن بشكل واضح وصريح ومباشر ولا يجب أن تترك الأمور على علاتها, فالأسر القوية المنتجة المنظمة هي مصلحة استراتيجية للدولة والمجتمع ولا نعتقد أن ما نراه يعزز الثقة بفهم هذه المعادلة بالشكل الصحيح وإلا لكان التعليم العالي والجامعي مجانيا بالكامل وعلى قاعدة التنافس الشريف المطلق وليس على أساس من يستطيع أن يدفع ثمن هذا التعليم لأن الخاسر في هذا الوضع الخاطيء كلا الطرفين, فالفرص العادلة تضيع من مستحقيها ويخرج للمجتمع والدولة خريجون ليسوا على قدر الأهلية والمستوى المطلوب, إذن لدينا خلل مرعب يجب أن لا يستمر.
نقفز الآن سريعا إلى منحى آخر وهو الإجابة على السؤال التالي: هل الاثني عشر عاما التي يقضيها معظم الطلاب في المدارس منتجة وتفهم روح العصر وتنتج ما هو ملائم للمجتمع والدولة, الجواب قطعا بالنفي لأن الدليل الأبرز هو وجود وظائف شاغرة يملؤها مليون عامل وافد في دولة بحجم الأردن, إذن هذا الخلل ليس له جواب سوى قلة إنتاجية وفاعلية النظام التعليمي, هذا النظام التعليمي جعل العمل اليدوي وضيعا بدليل عدم الإقبال عليه.
ومن هنا فإن عشرة سنوات من تطوير المناهج لم تضع اليد على الجرح في نظامنا التعليمي وبقينا قاصرين عن إدراك حاجاتنا وتطوير نظام تعليمي يلبي طموحاتنا ويتناسق مع روح العصر الذي نعيش فيه, وحين نقول نظامنا التعليمي فهو ابتداءا فشلنا أو نجاحنا, لا يمكن أن ننجح على أي صعيد إن فشلنا في تطوير نظامنا التعليمي, وحتى الإصلاح الذي ننشده لا يمكن أن يتحقق في ظل نظام تعليمي فاشل أو حتى غير كفؤ فعدم الكفاءة يعني ضياع أموال وأوقات دون النتيجة المرجوة. لقد أصبح أطفالنا المليئين حيوية ونشاطا عبئا علينا بدل أن يكونوا رديفا لنا ومستقبلا زاهرا ينتظرنا. وكأن المقصود من تربية الأولاد أن يزداد طولهم وتزداد أوزانهم لا أن يصبحوا متكيفين مع متطلباتنا قادرين على حمل أمانة المسؤولية في المجتمع والدولة, المعظم يريد الراحة والاستجمام ومتابعة برامج التلفزيون والذهاب في رحلات واللهو وبالكاد تجد منهم من يعرف ماذا يريد أو ماذا تعني ذاته في المجتمع وهذا هو القصور الهائل في نظامنا الأسري والتعليمي.
لقد تباهينا خلال سنين طويلة بأن التعليم في الأردن متميز والمشكلة أننا قد غططنا في نوم عميق على هذه الفكرة لدرجة أن يكاد الزمن يتجاوزنا ويصبح نظامنا التعليمي متأخرا عن العصر ومتطلباته على الرغم من استحداث عشرات التخصصات الجديدة. فالقصة ليست قصة مناهج وتخصصات جديدة بقدر ما هي فهم الواقع ومتطلباته بشكل تفصيلي دقيق وبقدر ما هي قصة الاستفادة من سنوات طويلة يقضيها الطلاب على مقاعد الدراسة ولا نرى لها أثرا سوى زيادة متطلباتنا الاستهلاكية على مستوى الأسرة وزيادة مصروفات الدولة على أعداد متزايدة من الطلاب معظمهم لا يفهم معظم المناهج الدراسية التي بين أيديهم.
إذن يجب علينا أن نضع أنفسنا أمام تعريف جديد للمدرسة, ولسنا كما نقول دائما في عجلة من أمرنا, المهم هو وضوح الرؤية ومعرفة المطلوب لهذا العصر, فنحن نفتقد الكثير من المطلوب فنيا ومهنيا ولدينا وفرة وإشباع فيما تم التوجه له من تخصصات لم تعد تحتمل المزيد من الخريجين, في حين أن الكثير من الأعمال توظف وافدين لعدم وجود ما يسد النقص محليا.
إذن نحن أمام حاجة ماسة لتكرار تجربة خالد طوقان ولكن هذه المرة بأسلوب مختلف أسلوب وفق المحددات التالية:
1. إشراك جميع الشركات والمصالح والمؤسسات المحلية في تحديد الكوادر المطلوبة للوطن على مدار الأعوام الثلاثين القادمة.
2. وضع أسس تطوير نظام التربية والتعليم يعنى أساسا بإشراك الناشئة في عملية التنمية والتطوير بدءا من سن العاشرة على أن يراعى أن تكون السنوات الأربع الأولى من العملية التعليمية مرحلة تعليم الأساسيات ومعرفة توجهات الطلاب وميولهم وذلك من خلال أنظمة اختبار مهنية واختبارات ذكاء تعين على تصنيف ميول الطلاب وقدراتهم.
3. وضع نظام تربوي لا يفرق بين القدرات المهنية والأكاديمية ويضع المنافسة على أساس اتقان جنس العمل وليس نوعه وذلك للارتقاء بالمجتمع ارتقاء متوازنا.
4. وضع أسس تحفيز ومراتب لكل أنواع المهن تتيح التنافس والوصول بكل مهنة عن طريق أبناء البلد إلى أعلى مسوياتها العالمية.
5. وضع نظام يسمى نظام تلبية الطموحات, حتى يصبح كل فرد من أبناء البلد طامحا سواء كان عامل وطن في مهنة التنظيفات أو كان طبيبا, بحيث يغذى في المجتمع توصيف الناس بإتقان أعمالهم فقد يكون عامل التنظيفات متميزا والطبيب مقصرا. وحتى أدلل على ما أقول فإننا نلاحظ قصورا في الأنظمة المتبعة الحالية عن معاقبة الطبيب المخطيء قياسا بمعاقبة العامل المخطيء, فالطبيب المخطيء يحتاج تبيان خطئه ربما قضية في المحكمة ويكون الضحية أحيانا إنسان بينما يسهل تعقب خطأ العامل ومعاقبته, هذه طبقية خفية في المجتمع, بحيث أصبحت فئات من أصحاب المهن تصول وتجول دون رقابة ودون مساءلة كالأطباء مثلا, فلا أقل من شكوى المواطنين وأصحاب السياحة العلاجية من أسعار العلاج الجنونية والتي ليست سوى سرقة تمررها الأنظمة المعمول بها بينما لو تجاوز بعض أصحاب المهن الأخرى لو بدينار ستقوم الدنيا ولن تقعد.
6. بطريقة أو بأخرى يجب الاعتراف أولا أننا نضيع طاقة هائلة لا يمكن الاستغناء عنها ألا وهي قوة وطاقة أكثر من مليون طالب لا تستغل حاليا بأي درجة من الكفاءة سوى في نسبة لا تتجاوز 10% من الطلاب بينما يدخل الآخرون سوق العمل بطريقة عشوائية غير منظمة وغير مخططة ولا تسعد في النهاية لا الطلاب ولا ذويهم ولا المجتمع ولا الدولة مع عدم إنكار كل التقدم الحاصل في التعليم العالي في الأردن.
نيسان ـ نشر في 2015/09/12 الساعة 00:00