مصطفى حمارنة .. أكاديمي غيّر قواعد اللعبة الانتخابية في (العبدلي)
نيسان ـ نشر في 2015/09/13 الساعة 00:00
ابراهيم قبيلات
في معاركه الفاصلة، تتفق مع أفكار الرجل أو تختلف معها. تحبه أو تكرهه أو حتى تقف على الحياد، إلا إنك لا تستطيع إلا أن تعترف بأنه قدم حالة برلمانية تستحق الوقوف عندها ملياً.
رجل مختلف. مركّب من ألف حكاية وحكاية. ليس من السهل قراءته. نعم ليس من السهل قراءة الدكتور مصطفى حمارنة.
حمارنة من قدم نموذجا جديدا في بناء تحالفات سياسية على مستوى البرلمان إلى جانب تأسيسه شراكات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في سياق برامج واضحة ومعلنة.
حمارنة بنى إجماعات بين النخب حول القضايا المركزية، وليس أدل من مشروع النقل أو إدارة المياه، أو تنظيم مدينة مادبا، والطاقة، والبيئة والتعليم العام وقطاع الزراعة على ذلك.
لم يكن الرجل ينجّم في ذلك، بل اعتمد على سلسلة من خيرة الكفاءات من اكاديميين وخبراء وسياسيين من داخل وخارج جهاز الدولة المدني.
في العناوين السابقة لم يسبق لنائب أن رفع رؤية متكاملة لها. لعل ذلك مرده الى بيروقراطية الدولة التي كانت جزءا أساسيا في صياغة سياسات غلب عليها طابع الفزعة بعيداً عن حاجة الناس التنموية أو التنظيمية. لكن حمارنة رفض أن يكون ذلك قدره.
من قال إن الأفكار الجدلية ستلقى حتفها؟. الأفكار الجدلية تحوّل التحديات إلى فرص وأهداف قابلة للتحقيق.
لم يصل الدكتور مصطفى الحمارنة لكنه يكاد. على الأقل زرع نبتة أفكاره في الرؤوس، عندما أصرّ على مواصلة رعايتها منذ عودة الحياة الديمقراطية في المملكة في العام 1989، موقناً أن الولادة الطبيعية لكل الأفكار الحضارية لن تكون إلا من رحم "العبدلي".
هناك شكل حمارنة حالة فريدة، حين حوّل العمل النيابي الخدمي من مفهوم الهبة والأعطيات إلى مكافأة للعمل الجاد.
راح حمارنة يرتب أوراقه ويعد نفسه لكتلة برلمانية ستنجز الكثير بعد أن تكون قد غيّرت قواعد اللعبة البرلمانية.
بقي بجعبة حمارنة الكثير ليقدمه، صناعة سياسية يستثمر فيها أفكاره في عمل خلاق ليؤسس للرواد القادة حالة مختلفة في العمل السياسي، الذي يجيد بناء التحالفات والتوافقات على مشاريع وطنية تتجاوز كافة الاصطفافات والاختلافات التقليدية في المجتمع.
هذا هو. نائب قدم نموذجاً برلمانياً رغم جدليته. هذا هو من لم يغرق بتفاصيل خدمية طائفية كانت أم جهوية، بل أصر وما زال يصر على صهر جميع الهويات الفرعية البدائية في هوية مدنية تنويرية جامعة.
يبدو ذلك منطقيا وحمارنة ينبت في معسكر للجيش صبيحة يوم 26 من شباط 1953 من أب ضابط عسكري وأم بدوية (شيخة تبيض الوجه) كما كان يقول والده عنها.
حمارنة نشأ نشأة بالضرورة عسكرية. وهو يعيش طفولته بين أشقاء أربعة و أربع شقيقات. حمارنة راح يتشكل على نغمة أبيه الضابط الذي كان أحد أبطال حرب 1948م.
طفولة سعيدة تلك التي عاشها مصطفى في بيت مستقل في محافظة الزرقاء، وفرت له رتبة أبيه العسكرية ومزاياها أسباب الراحة له ولأخوته. عن ذلك يقول الرجل: "درسنا كويس".
تشبه عائلة مصطفى كل العائلات الكلاسيكية التقليدية من الطبقة الوسطى التي يكون فيها الأب منارة في تنوير أبنائه.
فما يفعل مصطفى ذاك الشاب المختلف في هذه البيئة الخصبة؟ كان مختلفا، فصنع من اكتمال أسرته كيانا أضاف له بُعدا آخر.
في بيته تعلم كيف تنصهر كل أسباب التمييز بين الرجل والمرأة في تناغم أسري يعكس مدى مساهمة الأفكار التنويرية في بناء مجتمعات متكاملة.
مصطفى لم يكن يوماً صاحب نفس ذكوري، علمته الأسرة معنى الرجولة حيث تحتضن الجميع في عباءتها، مشكلة حاضنة تحمي، وتحوي، وتمد يدها لطالبها.
يستحضر أصدقاؤه وزملاؤه في الجامعة الأردنية قصصا له حين كانت تدخل سكرتيرة قسم التاريخ وتناديه مصطفى حاف من دون أية ألقاب.
المشهد بقي على حاله طوال عقود. هو مصطفى لا يُعنى بألقاب إذا لم تحمل في جعبتها معانيها كلها.
هو ذاك مصطفى الذي يتذكر كيف أثر المثقف الفلسطيني هشام الشرابي في تكوينه الأكاديمي والثقافي. يومها كانت قد اختفت لديه كل عناوين الوجاهة الزائفة لصالح بناء شخصية منسجمة مع ذاتها.
ومن تلاميذ د. مصطفى الحمارنة؛ د. إبراهيم سيف حمل حقيبة الطاقة والتخطيط والسياحة. و د. فارس بريزات الذي عين مستشاراً رئيسياً للدراسات الاستراتيجية في مكتب الملك عبد الله الثاني أوائل العام 2012.
أما "جينفر" عشيقة مصطفى وزوجته، فقد تعرف إليها في تشرين أول- أكتوبر من عام 1973 في أسبانيا، واستمرت جينفر الزوجة والعشيقة حتى توفيت أواخر نيسان من 2015.
يتذكر السياسيون من محبي الحمارنة أيضاً فترة خدمته مع الملك الحسين الراحل، لفترة قصيرة والتي كانت سبباً في ولادة أسباب الغيرة لدى بعضهم ممن كانوا يرددون : "علاقة مصطفى بالملك: خوش بوش".
خلال عمل حمارنة "سرا" مع المرحوم الملك حسين بن طلال سأله مرة الملك عما سيقولوه للناس إذا عرفوا انه يعمل معه، فأجاب: "عادي بحكي إلهم سيدنا تغير".
نيسان ـ نشر في 2015/09/13 الساعة 00:00