عيد المواسم
نيسان ـ نشر في 2021/06/22 الساعة 00:00
كان الصغار قديماً يجهلون الليل، ويجهلون ما يحدث فيه! كانت جفونهم تنطبق مع انطباق الشمس على الأفق، ويغرقون في النوم مع غرق التلال في الظلام، وقليلا ما تبقى عيونهم تراقص ضوء النار حتى تخبو، فتخمد جفونهم مع خمودها.
أكثر شيء يعجبون منه، قدر الحليب الجاثم فوق النار مع الغروب والأمهات تسوطه "تحركه" بانتظام، فيستعصي على خيالهم أن يكتشف ما سيحدث للقدر في بحر الظلام العميق.. وما أن تتفتح عيونهم مع زهور الصباح، حتى يكون الحليب قد استحال الى "هيطلية"!!! فتثور دهشتهم، كيف لليل أن يفعل هذا؟، ماذا حدث في الليل بين الحليب والنار حتى أنتجا الهيطلية!! كيف لخيال الأطفال أن يجمع المتضادات! الحليب السائل فوق النار، وحلكة الليل ثم تولد جامدة، ما الذي مزج بين الحليب والليل.
تُرى ما الحكايات التي رفرفت فوق القدر حتى جمد الحليب وصار "هيطلية"؟..
هل نامت النساء، أم بقيت تقرأ الأوراد وهي تحرك القدر طوال الليل حتى يجمد الحليب، وتتحقق المعجزة مع شروق الشمس على الأحياء المبتهجة بعيد المواسم؟.
ما أصعب أن يكتشف الطفل بعد أن يكبر ويتغير ويتغير معه كل شيء، أن تلك الاسطورة التي أتعبت عقله كثيراً، تُصنع في ربع ساعة، ولا علاقة لها أبداً بالليل، ولا حاجة لأن يتوافق على عملها كبار الحي مع الشيخ ويصدرون الأمر بانطلاق الطقوس..
فما عادت الهيطلية تنتظر الصيف والحصاد وبيادر القمح، والطاحونة، فهذه رحلت كلها بلا عودة..!
فحتى تحصل على طبق منها، كل ما في الأمر تذهب الى المتجر وتأخذ كيساً صغيراً من الحليب المجفف، وكيساً آخر من النشا، وتذيبهما في الماء، -وقد تباع جاهزة-، فقط ضعها على النار حتى تغلي، انتظر دقائق ثم ضعها في الثلاجة، وتمتع بها وحدك.. دون الحاجة الى طقوس اجتماع الحي، وانتظار الليل ورواح القطعان وحلبها، وصنع اللبن والزبدة والسمن، ودون التعب في حقول القمح وجمعها وذريها وجَرشِ القمح وصنع النشا، أنت الآن منقطع عن تاريخك وحياة أجدادك، فلا اجتماع ولا رأي موحد ولا استقلال من أي نوع، لا تنتج شيئاً ولا تملك حقلك ولا أمرك!..
في الحياة الحديثة صار الصغار يعرفون كل تفاصيل الليل، فمجانيق الضوء في الشوارع طردت الظلام من التلال والوديان، فانكشفت لهم الحياة ولكنها بلا روح ولا حميمية، فأغرقت في الوحشة، حتى صارت الغيلان التي توارت في الظلام في حكايات الجدات وأخافتهم تعيش بينهم!!
من يعيد الينا كبير الحي، والرجال المخلصين، والأمهات الصابرات، من يعيد حقول القمح، وقطعان الأغنام و قراراً كان يجمعنا في صعيد واحد نستقبل شروق الشمس حول موائد الهيطلية، لتكون عيدا للمواسم..
أكثر شيء يعجبون منه، قدر الحليب الجاثم فوق النار مع الغروب والأمهات تسوطه "تحركه" بانتظام، فيستعصي على خيالهم أن يكتشف ما سيحدث للقدر في بحر الظلام العميق.. وما أن تتفتح عيونهم مع زهور الصباح، حتى يكون الحليب قد استحال الى "هيطلية"!!! فتثور دهشتهم، كيف لليل أن يفعل هذا؟، ماذا حدث في الليل بين الحليب والنار حتى أنتجا الهيطلية!! كيف لخيال الأطفال أن يجمع المتضادات! الحليب السائل فوق النار، وحلكة الليل ثم تولد جامدة، ما الذي مزج بين الحليب والليل.
تُرى ما الحكايات التي رفرفت فوق القدر حتى جمد الحليب وصار "هيطلية"؟..
هل نامت النساء، أم بقيت تقرأ الأوراد وهي تحرك القدر طوال الليل حتى يجمد الحليب، وتتحقق المعجزة مع شروق الشمس على الأحياء المبتهجة بعيد المواسم؟.
ما أصعب أن يكتشف الطفل بعد أن يكبر ويتغير ويتغير معه كل شيء، أن تلك الاسطورة التي أتعبت عقله كثيراً، تُصنع في ربع ساعة، ولا علاقة لها أبداً بالليل، ولا حاجة لأن يتوافق على عملها كبار الحي مع الشيخ ويصدرون الأمر بانطلاق الطقوس..
فما عادت الهيطلية تنتظر الصيف والحصاد وبيادر القمح، والطاحونة، فهذه رحلت كلها بلا عودة..!
فحتى تحصل على طبق منها، كل ما في الأمر تذهب الى المتجر وتأخذ كيساً صغيراً من الحليب المجفف، وكيساً آخر من النشا، وتذيبهما في الماء، -وقد تباع جاهزة-، فقط ضعها على النار حتى تغلي، انتظر دقائق ثم ضعها في الثلاجة، وتمتع بها وحدك.. دون الحاجة الى طقوس اجتماع الحي، وانتظار الليل ورواح القطعان وحلبها، وصنع اللبن والزبدة والسمن، ودون التعب في حقول القمح وجمعها وذريها وجَرشِ القمح وصنع النشا، أنت الآن منقطع عن تاريخك وحياة أجدادك، فلا اجتماع ولا رأي موحد ولا استقلال من أي نوع، لا تنتج شيئاً ولا تملك حقلك ولا أمرك!..
في الحياة الحديثة صار الصغار يعرفون كل تفاصيل الليل، فمجانيق الضوء في الشوارع طردت الظلام من التلال والوديان، فانكشفت لهم الحياة ولكنها بلا روح ولا حميمية، فأغرقت في الوحشة، حتى صارت الغيلان التي توارت في الظلام في حكايات الجدات وأخافتهم تعيش بينهم!!
من يعيد الينا كبير الحي، والرجال المخلصين، والأمهات الصابرات، من يعيد حقول القمح، وقطعان الأغنام و قراراً كان يجمعنا في صعيد واحد نستقبل شروق الشمس حول موائد الهيطلية، لتكون عيدا للمواسم..
نيسان ـ نشر في 2021/06/22 الساعة 00:00