أفول زمان الأحزاب
نيسان ـ نشر في 2021/07/18 الساعة 00:00
كتب محمد قبيلات
ربما كان البدء في حديث عن الجدوى من الأحزاب، في هذا الوقت الذي تنهمك فيه اللجنة المَلكيَّة لتحديث المنظومة السياسية بنقاشاتها حول قانون الأحزاب، من أنسب الأوقات، وهو ما يضعنا في الأوان نفسه، أمام مفارقة تأريخية كبرى، إذ أن الأردن، مثله مثل باقي الدول العربية، كان يزخر بالعديد من الأحزاب القوية، في أواسط خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الأحزاب قوية، بمعنى أنها تتمتع بدعم شعبي كبير.
وقد وصل الأمر حدّ أن فاز بأغلبية مقاعد البرلمان تحالف مكون من ثلاثة أحزاب، هي الحزب الوطني الاشتراكي، وحزب البعث الاشتراكي، والحزب الشيوعي الأردني، إذ تمكنت من تشكيل الحكومة البرلمانية، الأولى والأخيرة في تأريخ الدولة الأردنية، بزعامة سليمان النابلسي عام 1956.
الوجه الآخر للمفارقة التاريخية هو حال الأحزاب في بلادنا اليوم، فبعد مرور أكثر من سبعة عقود على بواكير العمل الحزبي، تمثل أمامنا صورة باهتة لما آلت إليه التجربة الحزبية من ضعف وفشل، وعدم تفاعل شعبي مع برامجها، وخلو برامجها، أصلا، من أي بنود أو مهام تحظى باهتمام الشباب أو مختلف الفئات والقطاعات، وهو ما يضعها بحالة منافية لما كانت عليه قبل ما يقارب قرنًا من الزمان، فالأحزاب القوية اليوم، في عموم الدول العربية والإسلامية، ما هي إلا مجرد تنظيمات لتشكيلات تستند بالأساس إلى عصبية دينية أو طائفية أو جهوية، لا أكثر.
لكن ما يمنح هذه المفارقة معناها ومحتواها الأساسي؛ أن السلطات التي حاربت الأحزاب في ذلك الزمان، هي من يسعى لتقويتها اليوم، وتؤسس اللجان لتحديث قوانين الأحزاب والانتخاب، وتقدم الدعم المالي لإنقاذ الأحزاب وتقويتها.
فما الذي تَغيّر؟!
هل تخلت الأنظمة عن فكرة التفرد بالسلطة؟ أم تخلت الأحزاب عن فكرة الحصول على السلطة أو المشاركة فيها، أم أن دكتاتوريات الأمس، باتت تبحث لها عن شركاء، يتحملون معها وزر فشل الدولة وتعطل التنمية؟؟ أم إنه تحالف بين بنى جميعها من الماضي، وأصبحت في مواجهة مفتوحة مع دخول وسائل وأشكال جديدة وذكية للمعارضة؟
ربما كانت الحقيقة، من هذا وذاك، لكن ليس شرطا أن تنجح هذه التصورات المتخيلة للخروج من الأزمة، سواء بالنسبة للأحزاب أو للسلطة. لأنه، وكما باتت الدولة بحاجة ماسة لإعادة التعريف، وتجديد شرعيتها، فإن الأحزاب تواجه أزمة الثقة نفسها، وبات الكثير من الناس يعتقدون أن الحزب كفكرة لم تعد مجدية، وأن اللجوء للأحزاب كالمستجير من دكتاتورية السلطة بدكتاتوريات جديدة، وأن الأحزاب أصبحت مثلها مثل فعاليات الحكم، مجرد عبء على عملية التطور السياسي في البلاد.
ولعل مردود ذلك إلى القناعة بأن طريق العدالة يمكن سلوكها، من خلال تطور تطبيقات التواصل الاجتماعي، التي يمكن من خلالها حشد وتجميع الكثير من الناس على قضية مطلبية أو حقوقية بوقت قياسي، ومن غير الحاجة إلى الكثير من الخطب والجدالات، إذ يكفي أن يطلق شخص على فيس بوك أو تويتر شعارا سياسيا واحدا محددا، من ثلاث كلمات فقط، سواء كان حقوقيا أو مطلبيا، ليتجمع عشرات الآلاف من المؤيدين، مشكلين حالة ضغط كبيرة على أصحاب القرار، غالبا ما تنتهي بتحقيق مطالبهم.
هذا الحديث لا يبخس نقاشات لجنة الإصلاح، بل، ربما، يفتح أمامها أفقا جديدا، فيما يخص قوانين الأحزاب والانتخاب، كأن تكون قوائم الكتل بديلا أشمل وأوسع من القوائم الحزبية، بضمانة وجود دولة تحظى فيها المؤسسات بالاستقلالية، والقوانين بالحيادية التامة، ويُفسح فيها المجال لتشكل جماعات الضغط الاجتماعية والسياسية.
لقد لاحظنا، خلال العقدين الماضيين، كيف أن حضور المجموعات المطلبية كان أقوى تأثيرا من الأحزاب، سواء على صعيد تحركات الطلاب أو المعلمين أو عمال الزراعة، وحراكات المحافظات، والحراكات المطلبية عموما.
لعلنا اليوم؛ على وشك الدخول، أو دخلنا أعتاب مرحلةٍ تصبح فيها الأحزاب كيانات بالية، لا مقاعد فيها للشباب، بل مجرد نوادٍ يتسلى بها عجزة السياسة، ومرتادوها من كبار المتقاعدين من العمل العام، وهي فقط مكان يصلح لتبادل أحاديث مملة عن البطولات المتخيلة.
ربما كان البدء في حديث عن الجدوى من الأحزاب، في هذا الوقت الذي تنهمك فيه اللجنة المَلكيَّة لتحديث المنظومة السياسية بنقاشاتها حول قانون الأحزاب، من أنسب الأوقات، وهو ما يضعنا في الأوان نفسه، أمام مفارقة تأريخية كبرى، إذ أن الأردن، مثله مثل باقي الدول العربية، كان يزخر بالعديد من الأحزاب القوية، في أواسط خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت الأحزاب قوية، بمعنى أنها تتمتع بدعم شعبي كبير.
وقد وصل الأمر حدّ أن فاز بأغلبية مقاعد البرلمان تحالف مكون من ثلاثة أحزاب، هي الحزب الوطني الاشتراكي، وحزب البعث الاشتراكي، والحزب الشيوعي الأردني، إذ تمكنت من تشكيل الحكومة البرلمانية، الأولى والأخيرة في تأريخ الدولة الأردنية، بزعامة سليمان النابلسي عام 1956.
الوجه الآخر للمفارقة التاريخية هو حال الأحزاب في بلادنا اليوم، فبعد مرور أكثر من سبعة عقود على بواكير العمل الحزبي، تمثل أمامنا صورة باهتة لما آلت إليه التجربة الحزبية من ضعف وفشل، وعدم تفاعل شعبي مع برامجها، وخلو برامجها، أصلا، من أي بنود أو مهام تحظى باهتمام الشباب أو مختلف الفئات والقطاعات، وهو ما يضعها بحالة منافية لما كانت عليه قبل ما يقارب قرنًا من الزمان، فالأحزاب القوية اليوم، في عموم الدول العربية والإسلامية، ما هي إلا مجرد تنظيمات لتشكيلات تستند بالأساس إلى عصبية دينية أو طائفية أو جهوية، لا أكثر.
لكن ما يمنح هذه المفارقة معناها ومحتواها الأساسي؛ أن السلطات التي حاربت الأحزاب في ذلك الزمان، هي من يسعى لتقويتها اليوم، وتؤسس اللجان لتحديث قوانين الأحزاب والانتخاب، وتقدم الدعم المالي لإنقاذ الأحزاب وتقويتها.
فما الذي تَغيّر؟!
هل تخلت الأنظمة عن فكرة التفرد بالسلطة؟ أم تخلت الأحزاب عن فكرة الحصول على السلطة أو المشاركة فيها، أم أن دكتاتوريات الأمس، باتت تبحث لها عن شركاء، يتحملون معها وزر فشل الدولة وتعطل التنمية؟؟ أم إنه تحالف بين بنى جميعها من الماضي، وأصبحت في مواجهة مفتوحة مع دخول وسائل وأشكال جديدة وذكية للمعارضة؟
ربما كانت الحقيقة، من هذا وذاك، لكن ليس شرطا أن تنجح هذه التصورات المتخيلة للخروج من الأزمة، سواء بالنسبة للأحزاب أو للسلطة. لأنه، وكما باتت الدولة بحاجة ماسة لإعادة التعريف، وتجديد شرعيتها، فإن الأحزاب تواجه أزمة الثقة نفسها، وبات الكثير من الناس يعتقدون أن الحزب كفكرة لم تعد مجدية، وأن اللجوء للأحزاب كالمستجير من دكتاتورية السلطة بدكتاتوريات جديدة، وأن الأحزاب أصبحت مثلها مثل فعاليات الحكم، مجرد عبء على عملية التطور السياسي في البلاد.
ولعل مردود ذلك إلى القناعة بأن طريق العدالة يمكن سلوكها، من خلال تطور تطبيقات التواصل الاجتماعي، التي يمكن من خلالها حشد وتجميع الكثير من الناس على قضية مطلبية أو حقوقية بوقت قياسي، ومن غير الحاجة إلى الكثير من الخطب والجدالات، إذ يكفي أن يطلق شخص على فيس بوك أو تويتر شعارا سياسيا واحدا محددا، من ثلاث كلمات فقط، سواء كان حقوقيا أو مطلبيا، ليتجمع عشرات الآلاف من المؤيدين، مشكلين حالة ضغط كبيرة على أصحاب القرار، غالبا ما تنتهي بتحقيق مطالبهم.
هذا الحديث لا يبخس نقاشات لجنة الإصلاح، بل، ربما، يفتح أمامها أفقا جديدا، فيما يخص قوانين الأحزاب والانتخاب، كأن تكون قوائم الكتل بديلا أشمل وأوسع من القوائم الحزبية، بضمانة وجود دولة تحظى فيها المؤسسات بالاستقلالية، والقوانين بالحيادية التامة، ويُفسح فيها المجال لتشكل جماعات الضغط الاجتماعية والسياسية.
لقد لاحظنا، خلال العقدين الماضيين، كيف أن حضور المجموعات المطلبية كان أقوى تأثيرا من الأحزاب، سواء على صعيد تحركات الطلاب أو المعلمين أو عمال الزراعة، وحراكات المحافظات، والحراكات المطلبية عموما.
لعلنا اليوم؛ على وشك الدخول، أو دخلنا أعتاب مرحلةٍ تصبح فيها الأحزاب كيانات بالية، لا مقاعد فيها للشباب، بل مجرد نوادٍ يتسلى بها عجزة السياسة، ومرتادوها من كبار المتقاعدين من العمل العام، وهي فقط مكان يصلح لتبادل أحاديث مملة عن البطولات المتخيلة.
نيسان ـ نشر في 2021/07/18 الساعة 00:00