الطاقة والاعتماد العربي المتبادل

د.محمد المومني
نيسان ـ نشر في 2021/09/23 الساعة 00:00
الأردن ومصر وسورية ولبنان تشاركت في تفاهم تاريخي يوصل الغاز المصري، عبر الأردن وسورية من خلال خط الغاز العربي، الى لبنان. الاتفاق قد يؤسس الى حالة من الاعتماد الاقتصادي المتبادل أساسه الطاقة، يجعل هذه الدول كافة تتشارك، وتعتمد على بعضها بعضا في تصدير، وعبور، واستهلاك الطاقة. هذه تشاركية اقتصادية نوعية سيكون لها أثر مباشر على التقارب السياسي بين هذه الدول، والأهم أن ذلك سيرسخ معادلة الاستقرار والأمن، لأن الدول الأربع ستكون معنية باستقرار وازدهار بعضها بعضا، فهي مستفيد من ذلك بسبب اتفاق تصدير وعبور الغاز، وسيغدو هجوما إرهابيا في سيناء وتفجير خطوط الغاز هناك، وكأنه هجوم على لبنان لأن لبنان يحصل على الغاز من سيناء مصر، وسيكون استقرار سورية مهما للدول كافة لأنه طريق للغاز المصري الى لبنان، وتستفيد من عبوره الأردن وسورية.
بذل جلالة الملك جهودا سياسية نوعية مهمة لإقناع الأطراف كافة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، الحاضرتين عسكريا في سورية، أن تدفق الغاز فيه مصلحة للجميع، وأن له أثرا إيجابيا على الأمن والاستقرار في المنطقة. الكل مستفيد: مصر تصدر وتبيع غازها وتستخدم خطوط أنابيب الغاز العربي، وسورية مستفيدة سياسيا وأمنيا من عبور الغاز عبر أراضيها، والأردن مستفيد لأن الاستقرار والاعتماد المتبادل وإنقاذ لبنان وإعادة سورية للحاضنة العربية مصالح استراتيجية له، ولبنان المستفيد الأكبر لأنه يحصل على غاز أرخص من سعره بالأسواق العالمية في ظل أزمة طاقة اقتصادية مست الاستقرار في ذلك البلد الشقيق. يكفي أن نرى كيف أن هذا المشروع أبعد ولو قليلا كل من لبنان وسورية عن الحاضنة الإيرانية، وقربهم من بعدهم الاستراتيجي العربي، هذا وحده مكسب مهم، وقد رأينا محاولات إيرانية لاستغلال أزمة الطاقة في لبنان، لكي تعمق نفوذها هناك، ولكي تفك الحصار المفروض عليها.
هذه النوعية من الأفكار الأردنية البراغماتية هي التي سترسخ الاستقرار في الشرق الأوسط، وتجلب الازدهار الذي سيستفيد منه الجميع. الاعتماد الاقتصادي المتبادل فكرة عبقرية اخترعتها أوروبا -فرنسا بالتحديد- لتجنب القارة الأوروبية سلسلة لم تنتهِ من الحروب، فكانت النواة هناك خلق سوق مشتركة لتصدير وصناعة واستهلاك خام الحديد، ليتطور ذلك فيما بعد ويصبح ما نعرفه اليوم بالسوق الأوروبية المشتركة، التي جعلت من أمن فرنسا وازدهارها مصلحة اقتصادية وسياسية لعدوتها التاريخية ألمانيا، والحال كذلك بين بريطانيا وغيرها من باقي الدول وهكذا. الاعتماد المتبادل على الطاقة بين الدول العربية الأربع ربما لم يرتقي بعد لسوق اقتصادية مشتركة، ولكنه أساس أولي نوعي وخطوة نحو ذلك. إسرائيل تحاول جاهدة وباستمرار خلق حالة من الاعتماد الاقتصادي المتبادل مع جيرانها، إلا أن ذلك لم ينجح بعد لأسباب سياسية مرتبطة بطرفي المعادلة الاقتصادية بين إسرائيل ومحيطها، وقد كان لنتنياهو أثر تدميري على خلق أي شكل من أشكال الاعتماد الاقتصادي المتبادل. إسرائيل تسعى لذلك لعلمها بأثر الاعتماد المتبادل على الأمن والاستقرار، وعلى التقارب السياسي المنشود.
(الغد)
    نيسان ـ نشر في 2021/09/23 الساعة 00:00