الليبرالية العربية في مواجهة التحديات

إبراهيم غرايبة
نيسان ـ نشر في 2021/11/09 الساعة 00:00
عقد في عمان مؤتمر للمفكرين الليبراليين العرب، وقد جرى نقاش غني كما قدمت مقاربات حول تحديات الليبرالية في الدول العربية بما هي التيار السياسي والأيديولوجي الوسطي (على يمينها المحافظون وعلى يسارها الاشتراكيون) وباعتبارها أهم ضمانة للتوازنات والمبادرات السياسية والاجتماعية التي تحمي من الجنوح إلى التطرف اليميني والديني أو التهور اليساري والفوضوي.
أثقلت الليبرالية العربية تجارب وشبهات اقتصادية وأيديولوجية ودينية، وربط بها كثير من الفشل والعداء للدين والأخلاق، برغم أن تجارب الخصخصة على سبيل المثال أدارها المحافظون وإن شاركهم أو أيدهم في ذلك الليبراليون العرب، وبالطبع فإن الخصخصة تجربة يمكن أن تطلق الإبداع والعدالة والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية لكن صاحبها في الدول العربية حالات كثيرة من الفشل والاحتكار والإفقار والحرمان، ولم تصحبها سياسات تنافس عادلة على الفرص وتشريعات كافية للأجور وحقوق العمل.
وبالطبع فإن الفكر المحافظ سياسيا واجتماعيا ودينيا هو صاحب الغلبة في والدول العربية، وتحتاج الليبرالية إلى عمل طويل ومتراكم لأجل قيم الحرية والعدالة والمساواة والفردية برغم أنها قيم ألهمت الأمم على مدى التاريخ والجغرافيا لتسعى نحو الحرية والازدهار. ولم تكن المكاسب القائمة اليوم بما في ذلك مكاسب المحافظين واليساريين وجميع خصوم الليبرالية سوى محصلة نضال طويل ودؤوب لليبرالية في العالم، فالمساواة وتمكين المرأة والفئات المستضعفة ومواجهة الاتجار بالبشر وإجراءات السلامة في العمل والمؤسسات وحماية البيئة والتنوع البيئي والثقافي وقيم العيش معا وتقبل الآخر والتسامح وغيرها من المكاسب العالمية اليوم ابتدأت أفكارا ونضالات ليبرالية ثم اقتبسها العالم واستمتعت بها جميع الأمم والفئات.
إن الأيديولوجيات العقلانية ومنها الليبرالية بطبيعتها وتكوينها تكون غير يقينية ولا تحشد الأنصار والمؤيدين المتحمسين وليس لها فرصة سوى التحالف مع النخب والحكومات والمصالح والطبقات التي تجد في الحريات والفردانية غطاء يحميها ويحقق مصالحها، أو قيما عليا وتجد رسالتها ومعناها في بث قيم الحرية والعدالة لتلهم الشباب والأمم والمجتمعات، كما تطور الحركة الفنية والثقافية.
هناك شعور خاطئ بالتناقض بين الليبرالية وبين الدين والأخلاق والقيم، ولم يتبلور بعد في عالم العرب كما حدث في الغرب خطاب فكري وفلسفي يؤشر إلى جوهر الدين والأخلاق في الليبرالية. ولم تتبلور الليبرالية العربية بعد في مؤسسات وتيارات ناضجة وواضحة تعرف نفسها ويعرفها الناس، وتقدم خطابا فكريا وبرامجيا تتجادل حوله التيارات والأجيال.
وهناك تغيرات اقتصادية واجتماعية تربك قدرة الليبرالية على تمثيل الطبقات الوسطى والفئات المتضررة من هيمنة وسياسات الأغلبية، وأفقدها ذلك رصيدها التاريخي في التأثير والعمل. فقد ارتبطت الليبرالية تاريخيا بالطبقات الوسطى التي قادت التقدم الاقتصادي والعلمي، وكما يقول اريك هوبزباوم عن تداعيات الثورة الصناعية: "اجتمعت العناية الإلهية والعلوم والتاريخ لتمنح الأرض لقمة سائغة للطبقة الوسطى" لكن الطبقات الوسطى اليوم تواجه تحديات كبرى، كما أنها مرتبكة في تقدير أولوياتها وتحالفاتها بل وفي وعي تراثها ووجودها، وفي ذلك فإن الطبقات الوسطى لم تعد حاضنة اجتماعية لليبرالية، وهي على الأرجح حالة مؤقتة حتى تتضح التشكلات الاجتماعية والسياسية الجديدة المصاحبة للعولمة وتكنولوجيا الحاسوب والشبكات، لكن من المؤكد أننا سوف نشهد ليبرالية جديدة مختلفة عن الليبرالية السائدة اليوم كما سوف نشهد طبقات وبنى اجتماعية جديدة ومختلفة عن الطبقات السائدة اليوم، وهكذا تتشكل أفكار وقيم جديدة
    نيسان ـ نشر في 2021/11/09 الساعة 00:00