ما سر أردوغان؟
نيسان ـ نشر في 2015/09/25 الساعة 00:00
اعتقدنا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يختلف عن نظرائه في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في تقييمه لتطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وسوريا على وجه الخصوص، لأنه ابن المنطقة أولا، ووريث إمبراطورية عثمانية حكمتها لأكثر من 500 عام ثانيا، وسياسي محنك حقق معجزة التزاوج بين الإسلام والديمقراطية على أرضية التنمية الاقتصادية ثالثا، ولكن اعتقادنا هذا لم يكن في محله بعد أن جاءت تطورات الأوضاع في سوريا، وبعد أربع سنوات من تبني الرئيس التركي سياسة "متشددة"، وصلت إلى درجة الخروج عن المألوف في العلاقات الدولية في الهجوم على الرئيس السوري، والإصرار على رحيله في أي تسوية سياسية، وترجيح الحل العسكري لإسقاط النظام.
لا نختلف مطلقا في طبيعة الانتقادات الموجهة إلى النظام السوري على صعيد انتهاكات لحقوق الإنسان، واستفحال الفساد في الأوساط المقربة من الحكومة، أو حتى داخل الحكومة نفسها، لكننا في هذه الصحيفة "رأي اليوم" حرصنا دائما على التأكيد أن سوريا ليست مثل لبيبا أو تونس أو العراق أو اليمن، وإنما لها نسيج سياسي واجتماعي وطائفي خاص بها، كما أن هناك دولا تدعمها مثل روسيا والصين وإيران لن تسمح بتغيير النظام فيها، وقلنا من اليوم الأول إن الحلول العسكرية سواء تبناها النظام أو المعارضة، لن تنجح في الحسم لهذا الطرف أو ذاك، ولا بديل عن الحل السياسي.
لم يفاجئنا الرئيس التركي أردوغان الذي احتضن المعارضة السورية المسلحة، وسهل مرور الأموال والأسلحة والمقاتلين إليها، بالتراجع عن موقفه في سورية، وتأكيده هذا التراجع بشكل واضح، عندما قال "بشار الأسد يمكن أن يشكل جزءا من مرحلة انتقالية في إطار حل سياسي للأزمة في بلاده"، وهو الذي قال إنه رئيس غير شرعي وأيامه معدودة، ولا مكان له في حاضر سوريا أو مستقبلها.
نقول لم يفاجئنا لأننا كنا نتوقع هذا التراجع بعد الانقلاب الذي وقع في موقف الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، وبات يسقط "الفيتو" عن أي تفاوض مع الرئيس السوري، أو الاعتراف بدور له في عملية انتقالية، وهو اعتراف يعكس تراجع تدريجي ومبطن.
السيدة أنجيلا ميركل كانت الأكثر صراحة في إعلانها اليوم الذي دعت فيه إلى إشراك الرئيس الأسد في الحوار لحل الأزمة السورية، بعد يوم واحد فقط من تصريح مماثل لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.
الرئيس أردوغان يختلف عن حلفائه العرب في المملكة العربية السعودية ودولة قطر في كونه يتمتع بدرجة عالية من "البراغماتية"، حيث يقدم مصلحة بلاده فوق أي اعتبارات "ثأرية"، أو "شخصية" أخرى، ولا يرى أي ضير في التراجع عن مواقفه السابقة في سوريا أو غيرها، إذا كان هذا التراجع يصب في مصلحة تركيا، وهذا ما يفسر قبوله دور الرئيس السوري في عملية انتقالية ترتكز على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم شخصيات من السلطة والمعارضة.
الأمر المؤكد أن تراجع الرئيس أردوغان هذا سيشكل صدمة لحلفائه العرب، سواء في قمة السلطة أو في أوساط المعارضة السورية التي تتخذ من أنقرة قاعدة لانطلاقها، وتراهن بقوة على دعم النظام لها، ولكن هذه هي السياسة، وسياسة الشرق الأوسط ورمالها المتحركة، وخرائطها وتحالفاتها المتغيرة.
الخطوة التالية المتوقعة، أن يتوجه الرئيس أردوغان إلى دمشق، أو يوفد رئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو، هذا إذا بقى الأخير في منصبه بعد شهر نوفمبر المقبل، حيث الانتخابات البرلمانية الثانية في أقل من عام، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حظوظ حزب العدالة والتنمية الحاكم للفوز فيها بأغلبية مطلقة محدودة.
لا شيء مستبعد على الإطلاق، ومن تابع تصريحات الرئيس أردوغان في بداية الأزمة السورية حول الرئيس الأسد وحكومته، لا يمكن أن يتوقع تراجعه الذي عبر عنه اليوم (الخميس) وبعد عودته من موسكو مباشرة.
رأي اليوم
نيسان ـ نشر في 2015/09/25 الساعة 00:00