القصاصون وشغف التدوين
نيسان ـ نشر في 2021/11/13 الساعة 00:00
لعلك شاهدت على مواقع التواصل والفضائيات شيخاً يعظ الناس ويكثر من القصص والحكايات، أو قاصاً يقص على قوم جلوس قصة مشوقة، تبدأ بغرابة في أولها، وتنتهي بتدخل إلهي يجعلك تقر بأن كل شيء في هذا الكون يسير على سكة حديدية لا يمكن تغييرها، توصله الى غاية حتمية مستسلماً لها، ويدعم هذا القاص، غالباً قيمة ذاتية معينة أو خلقاً فرديً، بأسلوب مشوق، حيث يكمن تشويقه في التركيز على التفاصيل فيذكر لك المكان والزمان وصاحب القصة والراوي بل سلسلة الرواة حتى وصلت اليه، والأسماء مهمة جداً عنده وعند جمهوره فإذا غاب الاسم يتكدر الحضور ويتلعثم القاص فيضطر الى اختلاق اسماء من عنده، ليخدم جمهوره ويسكت فضولهم فحتى الحيوانات لها أسماء..
والحضور المتشوق للأخبار يعتبر كل ما يتفوه به القاص قطعي الثبوت، فينشر ما سمعه على أنه يقين خالص.
الحقيقة أن أكثر ما يتداوله الناس من قصص -وإن كانت مكتوبة في كتب تراثية- وضعت في زمنها بهذه الطريقة -سواء كانت دينية أو تاريخية أو حتى أدبية-، فما أن وصلت الينا عن طريق التدوين غير المنضبط حتى كانت حقيقة يصعب ردها حتى لو كانت كتب الحديث المعتبرة لا تقرها، فيتداولها متدينو مواقع التواصل دون تمحيص، أو تعقل، وهم يعرفون كذبها، لكن هذا الكذب محبب لأنه في مصلحة الدعوة..!!
نعود للقصاصين الذين كانوا (يشوشون) اذا رأوا تفاعل الجمهور معهم فيطير خيالهم الى عوالم لا تتصل بالواقع، فالإعجابات القديمة كانت أبلغ تأثيراً على صاحب المنشور (القاص)، حيث يرى الاعجابات والمشاعر وجاهاً، فينفعل ويجاري المشاعر التي أمامه بإضافة أحداث أكثر إثارة(يهور).. وتتراكم "التهويرات" ويتناقلها الركبان حتى تصبح متواترة (نقلها الجمع عن الجمع)، والمعضلة الرئيسة هي بُعد المسافة بين تداول القصة بين القصاصين وتطورها وبين تدوينها، فتكون ككرة الثلج بدأت من نقطة حتى صارت جبلاً، وقد لا يكون لهذه الكرة أصل...
لكن السؤال هل هذا الذي يمارسه قصاصو الفضائيات، وأسلافهم الكهنة، يوصل الى هدف لصالح الأمة؟، أو يعدل من السائد في المجتمع..؟!! الحقيقة أن القصاصين قديما وحديثاً يدعمون شغفاً نفسياً فردياً، ولا يدعمون الدين والحق في شيء ولا التحرك الجمعي للمجتمع المؤمن ليصل التحرر من الطغاة، بل يفعلون عكس ذلك تماماً، يلهون المتدينين الفرديين، ولا يدعمون حكم الله في الارض، ومهمتهم فقط إلهاء الناس عن إقامة سلطان الله في الأرض، حتى أوصلوا الأمة الى التعلق بشخص مفرد يأتي التغيير على يديه، لأن القصاصين الكهنوتيين تصرفوا حتى بالقصص الحقيقية في التاريخ الاسلامي ونقلوها بهذه الطريقة المنحرفة "إبراز الشخص الفرد البطل والباقي كومبارس".. وتثبيط الأمة التي تنتظر البطل الاسطوري، حتى اذا ظهر جلست تشاهد بطولاته أمام قوة الدول والأجهزة الامنية، فإذا اعتقل أو أعدم تأسفت وراحت تنتظر غيره، وربما لامته على اندفاعه، أو عدم ايمانه.
القصاصون قديماً، لا يختلفون عن قصاصي اليوم، في كل تفاصيلهم من الوضع والتهويل والغفلة عن الواقع، والخيال المجنح والبعد عن العقل والمنطق، ما يجعل السليقة السوية ترفضهم.. فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول: ما أخرجني إلا القُصاص ولولاهم ما خرجت..
وقال ابن الجوزي: معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاصين..
المشكلة أن القصص التي رفضها ابن عمر وابن الجوزي وغيرهم.. دونت في كتب، وصارت في عصرنا تعرض علينا في مواقع التواصل وغيرها على أنها أحداث حصلت فعلا.. حتى لو كانت لا يقرها عقل ولا دين ولا منطق، وحتى لو كانت في كتب غير معتبرة ككتب تاريخ، مثل ألف ليلة وليلة والأغاني، وغيرها من الكتب التي شغفت في تدوين أي شيء فكانت تدون كل الترهات التي سمعها المؤلف، حتى النكت التافهة التي وردت في كتبهم أصبحت في عرفنا اليوم تاريخاً حدث ولا يمكن رده..!!
والحضور المتشوق للأخبار يعتبر كل ما يتفوه به القاص قطعي الثبوت، فينشر ما سمعه على أنه يقين خالص.
الحقيقة أن أكثر ما يتداوله الناس من قصص -وإن كانت مكتوبة في كتب تراثية- وضعت في زمنها بهذه الطريقة -سواء كانت دينية أو تاريخية أو حتى أدبية-، فما أن وصلت الينا عن طريق التدوين غير المنضبط حتى كانت حقيقة يصعب ردها حتى لو كانت كتب الحديث المعتبرة لا تقرها، فيتداولها متدينو مواقع التواصل دون تمحيص، أو تعقل، وهم يعرفون كذبها، لكن هذا الكذب محبب لأنه في مصلحة الدعوة..!!
نعود للقصاصين الذين كانوا (يشوشون) اذا رأوا تفاعل الجمهور معهم فيطير خيالهم الى عوالم لا تتصل بالواقع، فالإعجابات القديمة كانت أبلغ تأثيراً على صاحب المنشور (القاص)، حيث يرى الاعجابات والمشاعر وجاهاً، فينفعل ويجاري المشاعر التي أمامه بإضافة أحداث أكثر إثارة(يهور).. وتتراكم "التهويرات" ويتناقلها الركبان حتى تصبح متواترة (نقلها الجمع عن الجمع)، والمعضلة الرئيسة هي بُعد المسافة بين تداول القصة بين القصاصين وتطورها وبين تدوينها، فتكون ككرة الثلج بدأت من نقطة حتى صارت جبلاً، وقد لا يكون لهذه الكرة أصل...
لكن السؤال هل هذا الذي يمارسه قصاصو الفضائيات، وأسلافهم الكهنة، يوصل الى هدف لصالح الأمة؟، أو يعدل من السائد في المجتمع..؟!! الحقيقة أن القصاصين قديما وحديثاً يدعمون شغفاً نفسياً فردياً، ولا يدعمون الدين والحق في شيء ولا التحرك الجمعي للمجتمع المؤمن ليصل التحرر من الطغاة، بل يفعلون عكس ذلك تماماً، يلهون المتدينين الفرديين، ولا يدعمون حكم الله في الارض، ومهمتهم فقط إلهاء الناس عن إقامة سلطان الله في الأرض، حتى أوصلوا الأمة الى التعلق بشخص مفرد يأتي التغيير على يديه، لأن القصاصين الكهنوتيين تصرفوا حتى بالقصص الحقيقية في التاريخ الاسلامي ونقلوها بهذه الطريقة المنحرفة "إبراز الشخص الفرد البطل والباقي كومبارس".. وتثبيط الأمة التي تنتظر البطل الاسطوري، حتى اذا ظهر جلست تشاهد بطولاته أمام قوة الدول والأجهزة الامنية، فإذا اعتقل أو أعدم تأسفت وراحت تنتظر غيره، وربما لامته على اندفاعه، أو عدم ايمانه.
القصاصون قديماً، لا يختلفون عن قصاصي اليوم، في كل تفاصيلهم من الوضع والتهويل والغفلة عن الواقع، والخيال المجنح والبعد عن العقل والمنطق، ما يجعل السليقة السوية ترفضهم.. فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يخرج من المسجد ويقول: ما أخرجني إلا القُصاص ولولاهم ما خرجت..
وقال ابن الجوزي: معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاصين..
المشكلة أن القصص التي رفضها ابن عمر وابن الجوزي وغيرهم.. دونت في كتب، وصارت في عصرنا تعرض علينا في مواقع التواصل وغيرها على أنها أحداث حصلت فعلا.. حتى لو كانت لا يقرها عقل ولا دين ولا منطق، وحتى لو كانت في كتب غير معتبرة ككتب تاريخ، مثل ألف ليلة وليلة والأغاني، وغيرها من الكتب التي شغفت في تدوين أي شيء فكانت تدون كل الترهات التي سمعها المؤلف، حتى النكت التافهة التي وردت في كتبهم أصبحت في عرفنا اليوم تاريخاً حدث ولا يمكن رده..!!
نيسان ـ نشر في 2021/11/13 الساعة 00:00