مصر هبة إسرائيل!
نيسان ـ نشر في 2015/09/26 الساعة 00:00
يخجل القلم من كتابة هذه السطور، فما أكتبه الآن عار لكل مصري نصيب فيه، وسيسجله التاريخ كحدث من أحداث حياتنا، وعلينا مسؤولية غسل هذا العار، ولولا أننا نملك أملا كبيرا في غسله في يوم قريب لكان بطن الأرض خيرا لنا من ظهرها.
جرائم النظام المصري في سيناء وغزة ليست إلا امتدادا لجرائم العميل محمد حسني مبارك، أول من حاز لقب (كنز إسرائيل الاستراتيجي) من القادة المصريين، والحقيقة أن أول كنوز إسرائيل كان الرئيس السادات، وعهد مبارك بكل ما فيه ليس إلا امتدادا له، بل إن سائر الترتيبات التي نراها الآن في مصر (وخصوصا في سيناء) هي في الحقيقة رواية حزينة كتب فصولها الأولى أنور السادات.
يقول تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الصادر هذا الشهر (سبتمبر 2015):
(في الفترة من يوليو 2013 إلى أغسطس 2015 وعلى مدار أكثر من عامين هدمت القوات المسلحة المصرية 3255 مبنى على الأقل، تنوعت بين مبان سكنية وتجارية وإدارية ومجتمعية (مدارس ووحدات صحية)، وطردت بالقوة عدة آلاف من المصريين القاطنين في “رفح المصرية”، عملية تمت على ثلاث مراحل وتم فيها تدمير 685 هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة (ما يوازي 1692 فدان تقريبا)، والأسر التي هُجرت أصبح عدد لا بأس به بلا مأوى بعد نسف منازلهم التي توارثوها أجيالا عن أجيال، والبعض الآخر في خيام أو أكواخ أو في أراض مفتوحة مع تفرق آخرين بين مدن سيناء وقبائلها أو إلى القاهرة).
أمامك طريقتان للتعامل مع هذا التقرير، الأولى: أن تشكك فيه، وأن تلعن المنظمة التي أصدرته، وأن تتهم سائر الذين يصدقونه بالعمالة.
في هذه الحالة أنت "دولجي" أصيل، ولكن هل تعلم أن بعض الذين أخرجوا من بيوتهم في رفح المصرية كانوا يصرخون (حرام عليكم... أنا نزلت 30 يونيو... أنا نزلت فوضت السيسي... أنا مش إرهابي)، وهذا الصراخ لم يمنع "خير الأجناد" من تنفيذ الأوامر، تلك الأوامر التي ستجعل مصر (قد الدنيا).
هذه الملحوظة أقولها للاعتبار، ولا أقصد بها أي شماتة، بل إني أتعاطف وأتضامن مع سائر المصريين الذين أخرجوا من ديارهم ولا أقيم لميولهم السياسية هنا أي اعتبار، وأقولها لمن يشككون في هذا التقرير لعلهم يعلمون أن ما طال غيرهم من المؤيدين سوف يطالهم بشكل أو بآخر، طال الزمن أو قصر.
والطريقة الثانية أن تقرأه بعناية، وأن تشاهد الدلائل الكثيرة على صدق غالبية المعلومات الواردة فيه، إنه تقرير محكم، ونسبة الخطأ فيه قليلة جدا.
جاء في التقرير أيضا إن "السلطات المصرية قدمت للسكان النزر اليسير أو لا شيء على الإطلاق على سبيل الإنذار بالإخلاء، ولم توفر لهم الإسكان المؤقت، وقدمت تعويضات كانت غالبا غير كافية عن منازلهم المدمرة ـ ولم تعوضهم على الإطلاق عن الأراضي الزراعية ـ ولم توفر سبلا فعالة للطعن على قرارات الإخلاء أو تهديم المنازل أو مبالغ التعويض. وكل هذه الأفعال تنتهك تدابير الحماية المتاحة للسكان الذين يتم إخلاؤهم قسرا والمبينة في اتفاقيات أممية وأفريقية دخلت مصر طرفا فيها، وربما تكون قد انتهكت قوانين الحرب أيضا".
فماذا كان الرد على هذه الاتهامات؟
أكد محافظ شمال سيناء "عبد الفتاح حرحور" : (أن عملية الإخلاء تمّت "بعد استطلاع لآراء سكان المنطقة" وذلك قبل صدور قرار إقامة المنطقة العازلة، مؤكدا على "وجود وثائق تثبت ذلك).
أي أن السيد المحافظ مصمم على أن هدم المنازل كان تلبية لمطالب أصحابها، تماما كما طالب الشعب المصري برفع سعر تذاكر المترو!
وشدد السيد المحافظ أيضا على أن تلك الأسر "لم تغادر أيا منها منزلها رغما عنها"، وأشار إلى أن "غالبية" الأسر حصلت على تعويضات "كاملة" عن منازلها وأراضيها على أن تقوم هي بالبحث عن سكن بديل بحيث لا تلتزم الدولة بذلك، وأن "قيمة التعويض تمّ تحديدها بناء على أسعار العقارات المتعارف عليها في العاصمة على الرغم من وجود هذه المنازل في منطقة حدودية حيث تتراجع الأسعار".
لقد هدمت الدولة بيوتهم، وجرفت مزارعهم، وأخرجتهم من ديار سكنوها عشرات بل مئات السنين، بينما السيد المحافظ يرى أن ما حصل كان تلبية لمطالبهم، وأنهم أخذوا أكثر مما يستحقون!
هذه الجريمة التي ارتكبتها القوات المسلحة المصرية تعتبر جريمة حرب، جريمة ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، وكل من تورط فيها من أكبر رأس إلى أتفه ذنب مجرم حقيقي، وسوف يحاسب الجميع قريبا بإذن الله، وهي جريمة طبقا لدستور العسكر، دستور لجنة الخمسين (طرطور) الذي جاء في المادة 63 منه:
"يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم"، ولكن من قال إنه تهجير قسري؟
لقد أخبرنا السيد المحافظ أن ما حدث كان بناء على طلب المواطنين أنفسهم!
تتساءل هيومان رايتس ووتش في تقريرها عن سبب عدم استخدام الجيش المصري للتقنيات المتوفرة للاستدلال على أماكن الأنفاق وتدميرها؟
والإجابة واضحة: قيادة النظام المصري لا تريد تدمير الأنفاق، بل تريد خلق منطقة عازلة من أجل الخنق الكامل لغزة، هذا هو مطلب إسرائيل القديم، وهذا النظام لا حياة له ولا وجود له إلا بإرضاء إسرائيل إرضاء كاملا غير منقوص.
لذلك فاجأنا نظام السيد "سيسي" بجريمة أخرى، جريمة دنيئة، قذرة، لو رآها إبليس لسجد لمن يرتكبها قائلا (سبحانك... لا شريك لك في الوضاعة، أنت مثلي الأعلى)!!!
لقد خلقت المنطقة العازلة لكي تحمي إسرائيل، وها هو الجيش المصري يضخ كميات كبيرة من مياه البحر في أنابيب عملاقة، تم مدّها في وقت سابق على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، في محاولة لتدمير أنفاق التهريب أسفل الحدود، عبر إغراقها.
تدمير الأنفاق مطلب إسرائيلي قديم، ومن ينفذه إسرائيلي، صهيوني... لا فرق بين صهيوني وصهيوني، كل الصهاينة سواء، العربي منهم والأعجمي، العسكري منهم والمدني!
هذه الجريمة الجديدة تعتبر أيضا جريمة حرب، ضد الإنسانية، لا تسقط بالتقادم، من يفعلها يتسبب في تلويث خزان المياه الجوفية الذي يشرب ويزرع منه مليونا مواطن في غزة بالإضافة لمئات الآلاف من أهل سيناء، بالنسبة لأهل سيناء (خلصنا منهم) بالتهجير، ولأن أهل غزة لا يمكن تهجيرهم... إذن فلنقتلهم عطشا لكي ترضى عنا إسرائيل.
انهيار المباني في رفح الفلسطينية بسبب خلخلة التربة حدث عنه ولا حرج!
تقول السلطات المصرية إنها مضطرة لذلك، فلا بد من إغلاق الأنفاق التي تنقل الأسلحة إلى المنظمات الإرهابية في سيناء، وتلك الإجراءات لحفظ الأمن القومي المصري، ولكن تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش الذي تحدثنا عنه يقول : (إن السلطات المصرية لم توفر إلا أدلة قليلة جدا لإثبات هذه الادعاءات، ونقلت عن مسؤولين مصريين وإسرائيليين قولهم إن الأسلحة الثقيلة التي بحوزة المسلحين جاءتهم من ليبيا على الأرجح أو غنموها من القوات المصرية ذاتها).
تقول الحاجة زينب (من سكان رفح المصرية):
(كنت أعد الطعام والشاي للجنود بيدي، وكانوا يأتون للجلوس في ظل زيتونتنا عندما تقسو عليھم الشمس... قالت لي أمي : "الشجرة مسؤوليتك أنت، لقد أطعمتك منھا وربيتك من خيرھا، حتى في زمن الحرب، كنا نعيش من زيتھا عندما كان الجميع عاجزين عن العثور على طعام"... والآن لا أجد ما أفعله سوى أن أحتضن الشجرة وأقبلھا وأقول : "سامحيني يا أمي، ماذا بيدي أن أفعل؟").
مشهد احتضان الحاجة زينب لزيتونتها لم يحدث في الدنيا كلها إلا في فلسطين، حين احتضنت سيدات فلسطين أشجار الزيتون حين هجمت الجرافات الإسرائيلية على الحقول لاقتلاع أشجار الزيتون لبناء مستوطنات اليهود القادمين من أقاصي الدنيا!
كل من يقتلع أشجار الزيتون إسرائيلي، وكل من يعادي الزيتون صهيوني، وكل كتيبة تداهم حقول الزيتون قوة احتلال، وإن تَسَمَّوْا بأسمائنا، وإن ارتدوا ملابسنا، وإن صلوا صلاتنا، وإن صاموا صيامنا... لا صلاة ترفع لمن يهدم بيوت الناس، لا صيام يقبل لمن يقلع البشر من أراضيهم، كل من يفعل ذلك (كوهين) وإن ادعى أنه محمد أو محمود، كل من يشارك في ذلك (نتنياهو) وإن زعم أنه عبدالله أو عبدالرحمن!
إنها ممارسات صهيونية بامتياز، لقد بدأ تنفيذ مخطط التهجير منذ الأيام الأولى للانقلاب، في يوليو 2013.
قيل قديما (مصر هبة النيل)، ولكن العملاء الذين وصلوا للسلطة اليوم يحكمونها بمنطق (مصر هبة إسرائيل)، فبها يستطيعون أن يستمروا في السلطة، وبرضاها يدخلون الأمم المتحدة، وبعلاقاتها يعقدون صفقات السلاح لتحييد الدول، وبنفوذها يتم إخراس كثير من الألسنة والمنظمات الدولية.
إذا سكتنا... سوف نرى قريبا سلاح الجيش المصري يضرب إخواننا في غزة، وسوف نرى طائراتنا تقصف الآمنين فيها... ومن قصف المصريين في سيناء لن يتردد لحظة في قصف الفلسطينيين في غزة!
سيزول هذا الكابوس قريبا بإذن الله، وسيحاسب كل الصهاينة المصريين مهما كانت مواقعهم... أقول ذلك بيقين كامل، فنحن أمام جيل جديد، لن يقبل بأن يحكمه إسرائيليون صهاينة، حتى لو طبعت زبيبة الصلاة على صلعاتهم، وحتى إذا رأوهم بملابس الإحرام!
عربي 21
نيسان ـ نشر في 2015/09/26 الساعة 00:00