المفتاح الروسي
نيسان ـ نشر في 2015/09/28 الساعة 00:00
قبل توجُّهه إلى الأمم المتحدة لمخاطبة العالم اليوم ولقاء باراك أوباما، رمى فلاديمير بوتين حجراً كبيراً في بحيرة الدم السورية. حجر يوازي في أهميته الحجر الذي شكّله صدور بيان «جنيف 1»، ولا يقل أهمية عن حجر «الاتفاق الكيماوي». التدخُّل العسكري المباشر للجيش الروسي على الأرض السورية يرسم عملياً حدوداً لمسار الحرب ومسار الحل. إنه الخط الأحمر الروسي. المشهد غير عادي. كيلومترات فقط تفصل الضابط الروسي المتدخّل لإنقاذ النظام عن المقاتل الشيشاني الوافد لإسقاطه. يطوي بوتين اليوم صفحة «العزلة الأوكرانية» ويفرض نفسه كلاعب كبير، لا يمكن تجاوزه في سورية والمنطقة.
لا بد من الانتظار لاستكشاف حقيقة نوايا موسكو. الأكيد هو أن الخطوة الروسية بدّلت المشهد والمعطيات، ما يسمح بتسجيل مجموعة من الملاحظات.
- حَسَمَ التدخُّل العسكري الروسي هوية المفتاح الذي لا بد من اللجوء إليه في أي محاولة جدّية لإنهاء الحرب في سورية. إنه المفتاح الروسي الذي انتزع الصدارة من المفتاح الإيراني. بات العنوان واضحاً. إنه مكتب القيصر لا مكتب المرشد، من دون أن يعني ذلك أن الدور الإيراني غاب أو تعطّل. ولتقدُّم المفتاح الروسي على المفتاح الإيراني آثار لن تتأخّر في الظهور غربياً وعربياً وإقليمياً. الصفقات الكبرى تُبرم مع اللاعبين الكبار.
- فَرَضَ التدخّل العسكري الروسي المباشر ما يمكن اعتباره «منطقة آمنة» للنظام السوري الذي يقيم حالياً على مساحة لا تزيد على ربع مساحة البلاد. وهذا يعني عملياً أن روسيا لن تسمح للمعارضات السورية بإسقاط النظام بالضربة القاضية. وجود الجيش الروسي يرسم حدوداً صارمة لطموح المعارضات السورية التي سجَّلَت في الأسابيع الماضية تقدُّماً في اتجاه المعقل الحسّاس للنظام.
- في موازاة حصوله على «المظلة الآمنة» سيضطر النظام السوري إلى دفع ثمن الرعاية الروسية. يمكن أن تشارك روسيا في قتال «داعش»، ولكن يصعب الاعتقاد بأنها جاءت لطحن المعارضة السورية وإعادة النظام إلى ما كان عليه قبل الأحداث. سلوك من هذا النوع يُنذِر بولادة أفغانستان عربية ويجعل روسيا «الشيطان الأكبر» في العالم الإسلامي، وهو سنّي في غالبيته.
- يوفّر التدخّل الروسي مظلة قوية للجيش السوري الذي بدت عليه في الشهور الماضية امارات التعب والإنهاك. يمكن هذا التدخُّل أن يعيد ترميم موقع هذا الجيش في النزاع. يمكنه أن يحسّن موقعه حيال الفصائل المسلحة التي تقاتله، ويخفّض في الوقت ذاته حاجته إلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. أسلحة الجيش روسية أصلاً، وتدريباته روسية.
- يوفّر التدخُّل الروسي للنظام استمرار الحماية الديبلوماسية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. يعرف النظام أن الفيتو الروسي المتكرر في مجلس الأمن هو الذي حال دون تعرّضه لهجوم قاتل، بغطاء من الشرعية الدولية.
- يوفر التدخل الدولي «بوليصة تأمين» للأقليات التي تعتقد بأن سقوط النظام قد يؤدي إلى اقتلاعها وفي مقدّمها الأقلية العلوية. والتتمة المنطقية أن تدفع الأقليات ثمن هذه البوليصة بموقف أقل تشدُّداً إزاء موقع الرئيس في الحل وصلاحيات الرئيس في سورية الجديدة.
- حرصت روسيا على توفير مظلة قبول إقليمي لتدخُّلها العسكري. طمأنت إسرائيل إلى أن تدخلها لن يخل بميزان القوى، ولن يوفر غطاء لأي عملية ضدها.
- واضح أن روسيا تراهن على قيامها بدور إيجابي في إنهاء الحرب في اليمن، على أمل الحصول في المقابل على مرونة خليجية حيال تصورات الحل في سورية. حَرصَ بوتين قبل إلقاء كلمته على الاتصال بالملك سلمان بن عبدالعزيز.
- يشكّل التدخل الروسي اختراقاً كبيراً لما كان يسمّى «الهلال الإيراني» أو «الهلال الشيعي»، والذي تعرّض قبل ذلك لاختراق دموي كبير على يد «داعش» وصل حد إعلان «الخلافة» على أجزاء من العراق وسورية. من المبكّر الجزم بأننا نشهد بدايات تراجع للدور الإيراني ومعه المجال الحيوي لـ «حزب الله» بسبب حرص موسكو على أمن إسرائيل. ومن التسرُّع الاعتقاد بأن روسيا انضمت عملياً إلى «حلف الممانعة» الذي يشمل بغداد واستناداً إلى قاموسه ومفرداته.
رمى بوتين حجراً كبيراً في بحيرة الدم السورية. استخدام المفتاح الروسي للحل في سورية له أثمان تتخطى قبول نتائج البلطجة الروسية في أوكرانيا. بتدخُّلها في سورية حجزت روسيا موقعاً بارزاً في أي مفاوضات مقبلة حول النظام الإقليمي الجديد الذي لا بد أن يولد من رحم الاشتباك الكبير الدائر الآن على مسارح المنطقة. لكن السؤال هل يمكن رئيساً أميركياً أن يبرم صفقة بهذا الحجم وهو يستعد للدخول في شيخوخة السنة الأخيرة من ولايته؟
غياب أميركا عن مقعد القيادة في الأزمة السورية وفّر لبوتين فرصة ذهبية. سرق من الرئيس الأميركي المتردِّد شعار مكافحة الإرهاب. وسرق من المرشد الإيراني مفتاح الحرب والحل في سورية. أغلب الظن أن العرب المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد يفضّلون رؤية طرطوس روسية على رؤية طرطوس إيرانية. يمكن قول الشيء نفسه عن تركيا وإسرائيل. للنجاح الروسي ثمن داخل «الهلال» وخارجه، وللفشل الروسي أثمان محلية وإقليمية ودولية.
لا بد من الانتظار لاستكشاف حقيقة نوايا موسكو. الأكيد هو أن الخطوة الروسية بدّلت المشهد والمعطيات، ما يسمح بتسجيل مجموعة من الملاحظات.
- حَسَمَ التدخُّل العسكري الروسي هوية المفتاح الذي لا بد من اللجوء إليه في أي محاولة جدّية لإنهاء الحرب في سورية. إنه المفتاح الروسي الذي انتزع الصدارة من المفتاح الإيراني. بات العنوان واضحاً. إنه مكتب القيصر لا مكتب المرشد، من دون أن يعني ذلك أن الدور الإيراني غاب أو تعطّل. ولتقدُّم المفتاح الروسي على المفتاح الإيراني آثار لن تتأخّر في الظهور غربياً وعربياً وإقليمياً. الصفقات الكبرى تُبرم مع اللاعبين الكبار.
- فَرَضَ التدخّل العسكري الروسي المباشر ما يمكن اعتباره «منطقة آمنة» للنظام السوري الذي يقيم حالياً على مساحة لا تزيد على ربع مساحة البلاد. وهذا يعني عملياً أن روسيا لن تسمح للمعارضات السورية بإسقاط النظام بالضربة القاضية. وجود الجيش الروسي يرسم حدوداً صارمة لطموح المعارضات السورية التي سجَّلَت في الأسابيع الماضية تقدُّماً في اتجاه المعقل الحسّاس للنظام.
- في موازاة حصوله على «المظلة الآمنة» سيضطر النظام السوري إلى دفع ثمن الرعاية الروسية. يمكن أن تشارك روسيا في قتال «داعش»، ولكن يصعب الاعتقاد بأنها جاءت لطحن المعارضة السورية وإعادة النظام إلى ما كان عليه قبل الأحداث. سلوك من هذا النوع يُنذِر بولادة أفغانستان عربية ويجعل روسيا «الشيطان الأكبر» في العالم الإسلامي، وهو سنّي في غالبيته.
- يوفّر التدخّل الروسي مظلة قوية للجيش السوري الذي بدت عليه في الشهور الماضية امارات التعب والإنهاك. يمكن هذا التدخُّل أن يعيد ترميم موقع هذا الجيش في النزاع. يمكنه أن يحسّن موقعه حيال الفصائل المسلحة التي تقاتله، ويخفّض في الوقت ذاته حاجته إلى الميليشيات التي تقاتل إلى جانبه. أسلحة الجيش روسية أصلاً، وتدريباته روسية.
- يوفّر التدخُّل الروسي للنظام استمرار الحماية الديبلوماسية والسياسية على الصعيدين الإقليمي والدولي. يعرف النظام أن الفيتو الروسي المتكرر في مجلس الأمن هو الذي حال دون تعرّضه لهجوم قاتل، بغطاء من الشرعية الدولية.
- يوفر التدخل الدولي «بوليصة تأمين» للأقليات التي تعتقد بأن سقوط النظام قد يؤدي إلى اقتلاعها وفي مقدّمها الأقلية العلوية. والتتمة المنطقية أن تدفع الأقليات ثمن هذه البوليصة بموقف أقل تشدُّداً إزاء موقع الرئيس في الحل وصلاحيات الرئيس في سورية الجديدة.
- حرصت روسيا على توفير مظلة قبول إقليمي لتدخُّلها العسكري. طمأنت إسرائيل إلى أن تدخلها لن يخل بميزان القوى، ولن يوفر غطاء لأي عملية ضدها.
- واضح أن روسيا تراهن على قيامها بدور إيجابي في إنهاء الحرب في اليمن، على أمل الحصول في المقابل على مرونة خليجية حيال تصورات الحل في سورية. حَرصَ بوتين قبل إلقاء كلمته على الاتصال بالملك سلمان بن عبدالعزيز.
- يشكّل التدخل الروسي اختراقاً كبيراً لما كان يسمّى «الهلال الإيراني» أو «الهلال الشيعي»، والذي تعرّض قبل ذلك لاختراق دموي كبير على يد «داعش» وصل حد إعلان «الخلافة» على أجزاء من العراق وسورية. من المبكّر الجزم بأننا نشهد بدايات تراجع للدور الإيراني ومعه المجال الحيوي لـ «حزب الله» بسبب حرص موسكو على أمن إسرائيل. ومن التسرُّع الاعتقاد بأن روسيا انضمت عملياً إلى «حلف الممانعة» الذي يشمل بغداد واستناداً إلى قاموسه ومفرداته.
رمى بوتين حجراً كبيراً في بحيرة الدم السورية. استخدام المفتاح الروسي للحل في سورية له أثمان تتخطى قبول نتائج البلطجة الروسية في أوكرانيا. بتدخُّلها في سورية حجزت روسيا موقعاً بارزاً في أي مفاوضات مقبلة حول النظام الإقليمي الجديد الذي لا بد أن يولد من رحم الاشتباك الكبير الدائر الآن على مسارح المنطقة. لكن السؤال هل يمكن رئيساً أميركياً أن يبرم صفقة بهذا الحجم وهو يستعد للدخول في شيخوخة السنة الأخيرة من ولايته؟
غياب أميركا عن مقعد القيادة في الأزمة السورية وفّر لبوتين فرصة ذهبية. سرق من الرئيس الأميركي المتردِّد شعار مكافحة الإرهاب. وسرق من المرشد الإيراني مفتاح الحرب والحل في سورية. أغلب الظن أن العرب المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد يفضّلون رؤية طرطوس روسية على رؤية طرطوس إيرانية. يمكن قول الشيء نفسه عن تركيا وإسرائيل. للنجاح الروسي ثمن داخل «الهلال» وخارجه، وللفشل الروسي أثمان محلية وإقليمية ودولية.
نيسان ـ نشر في 2015/09/28 الساعة 00:00