لا تفاوض في اليمن قبل استعادة صنعاء؟

سركيس نعوم
نيسان ـ نشر في 2015/09/30 الساعة 00:00
يبدو أن احتدام المواجهة العسكرية في اليمن أضعف الآمال في نجاح التحرُّكات الديبلوماسية الهادفة إلى التفاهم على حلّ سياسي لأزمته. ويُظهِر التمعُّن في الحال السائدة هناك أن على الشعب اليمني والدول الإقليمية المتحاربة على أرضه وبواسطته أن تنتظر طويلاً قبل أن تُفتح نافذة تسوية تُنهي أزمته الإنسانية المتفاقمة. هذا ما يقوله عاملون في مركز أبحاث عربي جدّي، ويضيفون أن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة وعُمان لبدء التفاوض لم تحقق تقدماً رغم الإشارات الظاهرية الخادعة والتصريحات الإعلامية التي يطلقها الوسطاء. أبرز هذه الإشارات اثنتان: الأولى تعديل روسيا موقفها من قرار مجلس الأمن الخاص باليمن، وذلك عبر رسالة رسمية وجّهتها إلى الحكومة اليمنية (الشرعية) تعلمها فيها بقبولها نصّ هذا القرار. وهي كانت اتخذت موقف الامتناع في أثناء التصويت عليه في شهر نيسان الماضي. وقد عزا باحثو المركز المذكور ذلك إلى رغبة موسكو في القيام بدور ديبلوماسي نشيط بحثاً عن مخرج من الأزمة اليمنية. والمخرج قد يكون تشكيل حكومة ائتلاف تضم ممثلين للشرعية والحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح يترأسها خالد بحاح رئيس حكومة ما قبل اندلاع "الثورة" والحرب والرئيس الحالي للحكومة اليمنية "الشرعية"، علماً أنه لا يبدو استناداً إلى الظروف الحالية أن حظوظ تنفيذ القرار جدية، وأن هذا النوع من المخارج ممكن. أما الإشارة الثانية فهي اصطدام جهود مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد بعقبات جدية حالت دون نجاحه حتى الآن في وضع آلية لتطبيق قرار مجلس الأمن. فهو يحاول ومنذ تكليفه مهمته جعل الترتيبات السياسية التي توصّل إليها أفرقاء الداخل اليمني قبل دخولهم مرحلة التقاتل أساساً للتسوية المطلوبة، ولكن بعد تعديل قسم منها. وذلك أمر تفرضه الحقائق الجديدة التي نتجت من الحرب. وهذا التعديل لا يقبله أحد طرفي المواجهة، ولذلك تدهور الوضع العسكري في محاولة من الرافض لتغيير هذه الحقائق.
هل يعني ذلك أن الحرب ستستمر وأن الفشل سيبقى ملازماً الوسطاء وفي مقدمهم مبعوث الأمم المتحدة؟
يجيب العاملون في مركز الأبحاث العربي نفسه أن الأوضاع والأمور تتغير مع الوقت، وربما يفتح ذلك الباب أمام تسوية. لكن ذلك يتطلّب الانتظار إذ إن التصعيد العسكري الكبير يعقِّد الوضع ويعوق توفير أجواء الانفتاح الضروري لإقناع المتحاربين بتبادل تقديم تنازلات. وأبرز مظاهر التصعيد استعادة اليمن بمساعدة "التحالف العربي" خمس محافظات جنوبية وبدؤها تقدماً في اتجاه المحافظات الأخرى ولا سيما العاصمة صنعاء، وفي الوقت نفسه نجاح الحوثيين و"جيش" صالح في قتل عشرات الجنود السعوديين والإماراتيين بصاروخ بعيد المدى أو أكثر. ودفع ذلك "التحالف" إلى الإصرار على تصعيد العمل العسكري لإحراز مزيد من الانتصارات، وخصوصاً بعدما وصلهم كلام للرئيس اليمني السابق يفيد "أن مدن أبها وجدة والرياض أهداف مشروعة". وهذا الواقع يعقِّد مهمة المبعوث الدولي. ذلك أن المدن اليمنية الرئيسية لا تزال في منطقة صالح والحوثيين، والحملات العسكرية لاحتلالها مستمرة وذلك يُصعِّب الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ومن الدلائل على ذلك، التوقُّف عن متابعة مبادرة كانت اقتُرحت في دوائر يمنية عدة تقضي بتعيين عبد المجيد الارياني رئيساً لحكومة جديدة، بعد ترفيع رئيس الحكومة الحالية بحاح إلى منصب نائب رئيس. والدافع إلى هذا الاقتراح قدرته على التواصل مع الأطراف كلهم وعلى التوصُّل إلى تسويات.
في أي حال لمحت مواقف يمنية غير رسمية أن لا مفاوضات مع الحوثيين وصالح قبل استعادة صنعاء، أي عملياً قبل القضاء على كل أسباب التفاوض. ذلك أن استعادة هادي صنعاء ستكون هزيمة كبيرة لأعدائه الأمر الذي يجعل التفاوض بلا معنى. وأي نوع من المصالحات الرمزية يُتوصل إليها في هذه الحال سيكون هدفها الوحيد تفادي عصياناً وتمرُّداً.
وفي هذا المجال يجب عدم إغفال التأثير السلبي على مساعي جلب الفريقين اليمنيين إلى طاولة المفاوضات، والذي تسببت به وفاة حوالى 800 مسلم كانوا يحجّون في السعودية بينهم مئات الإيرانيين. فحرب اليمن وحرب سوريا صارتا أيضاً ومن زمان حرباً بين الرياض وطهران. ومأساة التدافع في مِنى ستؤجج نار حربهما بالوكالة وستؤخِّر إلى وقت طويل التفاوض والحلول. رحم الله ضحايا الحج الأخير وضحايا استغلالها في الصراعات المذهبية والسياسية شكلاً وجوهراً. النهار
    نيسان ـ نشر في 2015/09/30 الساعة 00:00