اجتماعات العشائر.. تعبير صارخ عن فشل البنى السياسية المستحدثة في الدولة الأردنية؟
نيسان ـ نشر في 2022/01/06 الساعة 00:00
محمد قبيلات
رغم أن مئة عام مضت على تأسيس الدولة الأردنية، وبعد كل هذا التطوير والتحديث الذي جرى على البنية الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، تبدو الحياة السياسية الأردنية كأنها تعود إلى مرتعها قبل الأول، حيث كانت القبائل تتنادى لاجتماعات تبحث فيها آخر المستجدات والتحديات.
حينها كانت ترسل العشائر طارشاً للعشائر الأخرى تدعوها إلى الاجتماع لبحث القضايا الأشمل وأوسع، ويا ليتها ظلت على ما كانت عليه من وعي، حيث لم تكن الهموم ضيقة ولا حتى وطنية، بل كانت النقاشات ترتقي بوعي إلى مستويات الهموم القومية، كون المواجهة كانت مباشرة مع المشروعات الاستعمارية الكبرى.
وبالفعل، فإن ردود الفعل تأتي على قدر العزائم، وعلى قدر مثيراتها، فما كان ليظهر مثل هذا المستوى من المعارضات، الذي نراه اليوم، لولا ضعف الفعل السياسي، وما نراه في مجلس الأمة، وقبله في لجنة تحديث المنظومة السياسية، وقبل قبله في الانتخابات وقانونها ومجلس النواب الذي أفرزته.
كل تلك الممارسات إضافة إلى قوانين الدفاع، وتَولّي حكومة الخصاونة، التي جعلت من المشهد السياسي الأردني أعجوبة تتناقل نهفاته وسائل التواصل الاجتماعي تندراً، وقد كان من الحريّ بالمنظومة الاجتماعية أن تبحث في جعبتها عن البدائل، التي ستكون فوضوية في الغالب، ولن تكون بالمستوى المطلوب تاريخيًا، وعلى قاعدة خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء، ومردود ذلك مفهوم منطقياً، فهو يحدث بفعل حالة الانسداد السياسي، والهيمنة المطلقة لبعض المستويات السياسية والأمنية، التي ما زالت تعرقل تَشكَّل البديل الحقيقي، أو إفساح المجال للإصلاح المتدرِّج.
ورجائي الحار للمتربصين بهذه المنهجية من التحليل، أن لا يفهمنَّ أحدُهُم أن البديل بالضرورة حزب ثوري يمثل البروليتاريا يأتي ويقلب الطاولة والمجن.
لا، فالتاريخ تجاوز تلك الأنماط الكلاسيكية للعبور من تشكيلة اجتماعية إلى أخرى، ولم تعد أنماط الانتاج منتظمة ومستقرة بانتظار تشكل العوامل التاريخية، إذ أن تطور وسائل الانتاج يزداد سرعة، بفعل الذكاء الصناعي وتسارع التطور في وسائل الاتصال والنقل، وبالتالي لم يعد نمط الانتاج يستقر لأكثر من عشر سنوات، بينما استمرت مرحلة الإقطاع مئات وربما آلاف السنين.
لقد باتت الحلول اليوم أكثر منطقية وعملية، كون إدارة الدولة أصبحت أكثر أفقية، وتستدعي الشراكة مع فئات وقطاعات اجتماعية واسعة لإحداث التغيير، فلم تعد الدولة مجرد سلطة رمزية تنحصر بالقصر الرئاسي والإذاعة وقيادة الجيش، حيث كان يمكن لأي من يحاصر القصر ويسيطر على الإذاعة إصدار البيان رقم "1" فيتسلم السلطة من دون عناء.
لا، لم يعد هذا متاحاً، بفعل اتساع وانفراج هرم السلطة وتوزع الصلاحيات، ولا حل اليوم إلا بتوافق وتضافر مصالح فئات اجتماعية واسعة، وإجراء عملية التطوير بتقديم التنازلات والصفقات بين المكونات الرئيسة من أجل إحداث التغيير، أو أن البديل الحاضر، الذي ليس لأحدٍ مصلحةً به هو الفوضى وهدم المنجزات كافة.
الفكرة ببساطة، أنه لم تعد لجهة واحدة القدرة على الإمساك بزمام الأمور كافة، وتسيير الناس جميعهم وفق مصالحها ورغائبها ومعتقداتها، ببساطة؛ وسائل التواصل تطورت وهيأت الفرصة لتعظيم دور الفرد في المجتمع، ولم يعد الناس يجلسون على طُرّاحات الاسفنج منتظرين أخبار الساعة الثامنة من قناة التلفزة الوحيدة، نعم لم تعد المعلومة محتكرة من قبل طرف معين، بالتأكيد؛ هذا ليس على وجه الإطلاق، لكن العالم تغير ولم تعد الأمور على ما كانت عليه قبل عشرين سنة.
فما الذي يقف حائلاً لمنع تطور آليات الحكم في مجتمعاتنا ودولنا؟! أقول لكم ما هو، وببساطة شديدة جدا؛ إنه تحكُّم الطبقات السياسية الحالية، الموجودة الآن في الحكم، وسابقاتها ممن حصل أعضاؤها على التقاعد والامتيازات، لأن هذه الطبقات تخاف التغيير وتوابعه الرقابية والمحاسبية، فقد أثرى أعضاؤها ثراء فاحشا، ولو أُخضع أي واحد منهم، إلّا من رحم ربي، لسؤال (من أين لك " هظاك"؟) لدخل السجن من أول جلسات المحاكمة.
لذلك هم يعطلون التحديث، ويتمسكون بالحكم برغم أنه لم يعد ممتعاً لهم، وأكثر من تمسكهم بتلابيب السلطة هم ما زالوا يحاولون تصميم المعارضة بشكلها المناسب لهم، وهندستها من خلال قوانين الانتخاب والأحزاب الممنهجة، والتعديلات الدستورية وغيرها من الإجراءات التحوطية.
لكن؛ كما قالوا، هيهات !! فهذه الزخات ستتحول في وقت قريب إلى سيول هادرة، ربما ستجرف كل شيء، لنقف جميعا حينها نبكي على أطلال وطن ضيعناه ولم نحافظ عليه.
رغم أن مئة عام مضت على تأسيس الدولة الأردنية، وبعد كل هذا التطوير والتحديث الذي جرى على البنية الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، تبدو الحياة السياسية الأردنية كأنها تعود إلى مرتعها قبل الأول، حيث كانت القبائل تتنادى لاجتماعات تبحث فيها آخر المستجدات والتحديات.
حينها كانت ترسل العشائر طارشاً للعشائر الأخرى تدعوها إلى الاجتماع لبحث القضايا الأشمل وأوسع، ويا ليتها ظلت على ما كانت عليه من وعي، حيث لم تكن الهموم ضيقة ولا حتى وطنية، بل كانت النقاشات ترتقي بوعي إلى مستويات الهموم القومية، كون المواجهة كانت مباشرة مع المشروعات الاستعمارية الكبرى.
وبالفعل، فإن ردود الفعل تأتي على قدر العزائم، وعلى قدر مثيراتها، فما كان ليظهر مثل هذا المستوى من المعارضات، الذي نراه اليوم، لولا ضعف الفعل السياسي، وما نراه في مجلس الأمة، وقبله في لجنة تحديث المنظومة السياسية، وقبل قبله في الانتخابات وقانونها ومجلس النواب الذي أفرزته.
كل تلك الممارسات إضافة إلى قوانين الدفاع، وتَولّي حكومة الخصاونة، التي جعلت من المشهد السياسي الأردني أعجوبة تتناقل نهفاته وسائل التواصل الاجتماعي تندراً، وقد كان من الحريّ بالمنظومة الاجتماعية أن تبحث في جعبتها عن البدائل، التي ستكون فوضوية في الغالب، ولن تكون بالمستوى المطلوب تاريخيًا، وعلى قاعدة خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء، ومردود ذلك مفهوم منطقياً، فهو يحدث بفعل حالة الانسداد السياسي، والهيمنة المطلقة لبعض المستويات السياسية والأمنية، التي ما زالت تعرقل تَشكَّل البديل الحقيقي، أو إفساح المجال للإصلاح المتدرِّج.
ورجائي الحار للمتربصين بهذه المنهجية من التحليل، أن لا يفهمنَّ أحدُهُم أن البديل بالضرورة حزب ثوري يمثل البروليتاريا يأتي ويقلب الطاولة والمجن.
لا، فالتاريخ تجاوز تلك الأنماط الكلاسيكية للعبور من تشكيلة اجتماعية إلى أخرى، ولم تعد أنماط الانتاج منتظمة ومستقرة بانتظار تشكل العوامل التاريخية، إذ أن تطور وسائل الانتاج يزداد سرعة، بفعل الذكاء الصناعي وتسارع التطور في وسائل الاتصال والنقل، وبالتالي لم يعد نمط الانتاج يستقر لأكثر من عشر سنوات، بينما استمرت مرحلة الإقطاع مئات وربما آلاف السنين.
لقد باتت الحلول اليوم أكثر منطقية وعملية، كون إدارة الدولة أصبحت أكثر أفقية، وتستدعي الشراكة مع فئات وقطاعات اجتماعية واسعة لإحداث التغيير، فلم تعد الدولة مجرد سلطة رمزية تنحصر بالقصر الرئاسي والإذاعة وقيادة الجيش، حيث كان يمكن لأي من يحاصر القصر ويسيطر على الإذاعة إصدار البيان رقم "1" فيتسلم السلطة من دون عناء.
لا، لم يعد هذا متاحاً، بفعل اتساع وانفراج هرم السلطة وتوزع الصلاحيات، ولا حل اليوم إلا بتوافق وتضافر مصالح فئات اجتماعية واسعة، وإجراء عملية التطوير بتقديم التنازلات والصفقات بين المكونات الرئيسة من أجل إحداث التغيير، أو أن البديل الحاضر، الذي ليس لأحدٍ مصلحةً به هو الفوضى وهدم المنجزات كافة.
الفكرة ببساطة، أنه لم تعد لجهة واحدة القدرة على الإمساك بزمام الأمور كافة، وتسيير الناس جميعهم وفق مصالحها ورغائبها ومعتقداتها، ببساطة؛ وسائل التواصل تطورت وهيأت الفرصة لتعظيم دور الفرد في المجتمع، ولم يعد الناس يجلسون على طُرّاحات الاسفنج منتظرين أخبار الساعة الثامنة من قناة التلفزة الوحيدة، نعم لم تعد المعلومة محتكرة من قبل طرف معين، بالتأكيد؛ هذا ليس على وجه الإطلاق، لكن العالم تغير ولم تعد الأمور على ما كانت عليه قبل عشرين سنة.
فما الذي يقف حائلاً لمنع تطور آليات الحكم في مجتمعاتنا ودولنا؟! أقول لكم ما هو، وببساطة شديدة جدا؛ إنه تحكُّم الطبقات السياسية الحالية، الموجودة الآن في الحكم، وسابقاتها ممن حصل أعضاؤها على التقاعد والامتيازات، لأن هذه الطبقات تخاف التغيير وتوابعه الرقابية والمحاسبية، فقد أثرى أعضاؤها ثراء فاحشا، ولو أُخضع أي واحد منهم، إلّا من رحم ربي، لسؤال (من أين لك " هظاك"؟) لدخل السجن من أول جلسات المحاكمة.
لذلك هم يعطلون التحديث، ويتمسكون بالحكم برغم أنه لم يعد ممتعاً لهم، وأكثر من تمسكهم بتلابيب السلطة هم ما زالوا يحاولون تصميم المعارضة بشكلها المناسب لهم، وهندستها من خلال قوانين الانتخاب والأحزاب الممنهجة، والتعديلات الدستورية وغيرها من الإجراءات التحوطية.
لكن؛ كما قالوا، هيهات !! فهذه الزخات ستتحول في وقت قريب إلى سيول هادرة، ربما ستجرف كل شيء، لنقف جميعا حينها نبكي على أطلال وطن ضيعناه ولم نحافظ عليه.
نيسان ـ نشر في 2022/01/06 الساعة 00:00