هذا سؤال الدولة .. ومشروعها أيضا
نيسان ـ نشر في 2022/01/29 الساعة 00:00
صحيح أن أغلبية الأردنيين فقراء، لا يمتلكون إلا الكفاف، لكنهم أغنياء بأخلاقهم، حين تدقق بتاريخهم تكتشف ذلك، وحين تدقق بواقعنا تجد أن مفتاح “سر” صمود بلدنا، على الرغم مما واجهه من عواصف، هو الخلق الأردني، فصبر الأردنيين على معاناتهم خلق نبيل، وحكمتهم في “ابتلاع” قصص الفساد التي سرق أصحابها أموالهم وأعمارهم خلق أيضا، ليس خوفا من هؤلاء، ولا ضعفا أمامهم، وإنما للحفاظ على وطنهم الذي تتربص به العاديات.
هذه الرسالة يجب أن تصل لطرفين، الأول من يتصور أن ترويض الأردنيين على الطاعة، وقهرهم بالقرارات، ومحاصرتهم بالفزاعات، هو الطريق الأقصر لإدامة الوضع القائم، وحماية المصالح والامتيازات، فيما الحقيقة أن أخلاق الأردنيين كانت وراء ما حققناه من إنجازات، وأسهمت بمواجهة ما مر بنا من أزمات، وحافظت على أمن البلد واستقراره، وبالتالي فإن الاستثمار فيها هو “رأسمالنا” الوطني، كما أن التهوين منها، أو جرحها سيكون دليلا للخراب.
أما الطرف الآخر، فهو من يتصور أن العبث بأخلاقيات الأردنيين، ودفعهم لإفراز أسوأ ما فيهم، أفضل وصفة لشيطنتهم وتحطيم معنوياتهم، والإجهاز على حيوية مجتمعهم، وتجريده من أهم ما لديه من عناصر القوة، هذه الوصفة الخبيثة التي يطرحها البعض، ويتبناها آخرون بالدعم والتنفيذ، لن تحرمنا، فقط، من آخر “رأسمال وطني” نمتلكه، وإنما ستحولنا الى “مجتمع كراهية”، ومجاميع من الأعداء، وستفقدنا مناعتنا الوطنية، تماما كما حصل في بلدان مجاورة، داهمتها حروب الطوائف والسماسرة.
أعرف تماما أن منظومة القيم والأخلاق في مجتمعنا تعرضت، على مدى السنوات الماضية، لحملات استهدفتها، سواء باسم السياسة التي غيبت موازين العدالة والمساواة، وأشرعت الأبواب لحملة المباخر والواسطات وأهملت الكفاءات، أو باسم الفنون التي خدشت الحياء العام، وتجرأت على التقاليد والتعاليم والفضائل، أو باسم الثقافة أو باستغلال حالة المعيشة الصعبة، أو بغيرها من الأدوات، لكن ما أعرفه أيضا أن مجتمعنا قاوم وما يزال يقاوم، صحيح أنه استغرق أحيانا بالسلبية وانكفأ على نفسه، لكنه لم يخسر أخلاقه رغم كم الضغوطات.
سؤال الأخلاق، أصبح اليوم، أو هكذا يفترض، سؤال الدولة بامتياز، ليس فقط لأنه آخر “رأسمالنا الوطني” كما أسلفت، وإنما أيضا لأنه أساس بناء الدولة، دولتنا، وعنوان هويتها وشرعيتها، والحارس الأمين لاستقرارها واستمرارها، وبالتالي فإن الإجابة عنه، بصراحة وحكمة، أصبح مطلوبا وضروريا، بما تقتضيه الإجابة من اعتراف بالإصابات التي طرأت على أخلاقنا، وأسبابها ومن يقف وراءها، فإصلاح الأخلاق يجب أن يتقدم على إصلاح السياسة والإدارة والاقتصاد، أو أن يتوازى معها على الأقل.
لا يكفي أن نستنكر حالة “التسفل” الاجتماعي والسياسي التي وصل اليها بعضنا، ولا أن نترصد مجتمعنا لنحصي أخطاءه وما يطفو على سطحه من إساءات وإشاعات، إصلاح الأخلاق العامة يجب أن يكون مشروعا للدولة، وأن يبدأ من الطبقة السياسية، حيث أخلاقيات الوظيفة العامة، وآداب الخصومات السياسية، وأخلاقيات التدين والتعليم والإعلام والقطاع الخاص والبنوك.. إلخ، وحيث حضور “السلطان” الذي هو القانون، باعتباره أداة لإصلاح من لم ينفع معه أي وسيلة للإصلاح.
الأهم من ذلك، هو استدعاء أخلاقيات الدولة، بما تأسست عليه من قيم السماحة والعفو، والحكمة والاعتدال، هذا الاستدعاء أصبح ضروريا للرد على سؤال الأردنيين وأخلاقياتهم وعافية مجتمعهم، وسؤال الدولة التي تقف على عتبة التحديث السياسي لتدخل مئويتها الثانية، بشكل جديد وبصورة أحسن.
(الغد)
هذه الرسالة يجب أن تصل لطرفين، الأول من يتصور أن ترويض الأردنيين على الطاعة، وقهرهم بالقرارات، ومحاصرتهم بالفزاعات، هو الطريق الأقصر لإدامة الوضع القائم، وحماية المصالح والامتيازات، فيما الحقيقة أن أخلاق الأردنيين كانت وراء ما حققناه من إنجازات، وأسهمت بمواجهة ما مر بنا من أزمات، وحافظت على أمن البلد واستقراره، وبالتالي فإن الاستثمار فيها هو “رأسمالنا” الوطني، كما أن التهوين منها، أو جرحها سيكون دليلا للخراب.
أما الطرف الآخر، فهو من يتصور أن العبث بأخلاقيات الأردنيين، ودفعهم لإفراز أسوأ ما فيهم، أفضل وصفة لشيطنتهم وتحطيم معنوياتهم، والإجهاز على حيوية مجتمعهم، وتجريده من أهم ما لديه من عناصر القوة، هذه الوصفة الخبيثة التي يطرحها البعض، ويتبناها آخرون بالدعم والتنفيذ، لن تحرمنا، فقط، من آخر “رأسمال وطني” نمتلكه، وإنما ستحولنا الى “مجتمع كراهية”، ومجاميع من الأعداء، وستفقدنا مناعتنا الوطنية، تماما كما حصل في بلدان مجاورة، داهمتها حروب الطوائف والسماسرة.
أعرف تماما أن منظومة القيم والأخلاق في مجتمعنا تعرضت، على مدى السنوات الماضية، لحملات استهدفتها، سواء باسم السياسة التي غيبت موازين العدالة والمساواة، وأشرعت الأبواب لحملة المباخر والواسطات وأهملت الكفاءات، أو باسم الفنون التي خدشت الحياء العام، وتجرأت على التقاليد والتعاليم والفضائل، أو باسم الثقافة أو باستغلال حالة المعيشة الصعبة، أو بغيرها من الأدوات، لكن ما أعرفه أيضا أن مجتمعنا قاوم وما يزال يقاوم، صحيح أنه استغرق أحيانا بالسلبية وانكفأ على نفسه، لكنه لم يخسر أخلاقه رغم كم الضغوطات.
سؤال الأخلاق، أصبح اليوم، أو هكذا يفترض، سؤال الدولة بامتياز، ليس فقط لأنه آخر “رأسمالنا الوطني” كما أسلفت، وإنما أيضا لأنه أساس بناء الدولة، دولتنا، وعنوان هويتها وشرعيتها، والحارس الأمين لاستقرارها واستمرارها، وبالتالي فإن الإجابة عنه، بصراحة وحكمة، أصبح مطلوبا وضروريا، بما تقتضيه الإجابة من اعتراف بالإصابات التي طرأت على أخلاقنا، وأسبابها ومن يقف وراءها، فإصلاح الأخلاق يجب أن يتقدم على إصلاح السياسة والإدارة والاقتصاد، أو أن يتوازى معها على الأقل.
لا يكفي أن نستنكر حالة “التسفل” الاجتماعي والسياسي التي وصل اليها بعضنا، ولا أن نترصد مجتمعنا لنحصي أخطاءه وما يطفو على سطحه من إساءات وإشاعات، إصلاح الأخلاق العامة يجب أن يكون مشروعا للدولة، وأن يبدأ من الطبقة السياسية، حيث أخلاقيات الوظيفة العامة، وآداب الخصومات السياسية، وأخلاقيات التدين والتعليم والإعلام والقطاع الخاص والبنوك.. إلخ، وحيث حضور “السلطان” الذي هو القانون، باعتباره أداة لإصلاح من لم ينفع معه أي وسيلة للإصلاح.
الأهم من ذلك، هو استدعاء أخلاقيات الدولة، بما تأسست عليه من قيم السماحة والعفو، والحكمة والاعتدال، هذا الاستدعاء أصبح ضروريا للرد على سؤال الأردنيين وأخلاقياتهم وعافية مجتمعهم، وسؤال الدولة التي تقف على عتبة التحديث السياسي لتدخل مئويتها الثانية، بشكل جديد وبصورة أحسن.
(الغد)
نيسان ـ نشر في 2022/01/29 الساعة 00:00