أجْرَبُ المُجَرَّب
نيسان ـ نشر في 2022/02/15 الساعة 00:00
تغمدك الله بواسع رحمته يا أمّي، كان من أكثر الأمثلة جرياً على لسانك البليغ "اللي بجرّب المجرّب عقله مخرّب". سمعته منك في سنواتك الأخيرة كل يوم تقريباً. كان يغضبك، لروحك الرحمة، تجريب المجرّب، فماذا كان سيكون ردّ فعلك لو علمت أن ابنك الذي أغدقت عليه بالمحبة والحدب أجلهما وأغزرهما، وقع بمطبِّ تجريب (أجربِ المجرّب).
لطالما سعيتِ بكلِّ جهدكِ، يا غاليتي، وخبرات السنين، أن تبعديني عن طغمة لا خير فيها ولا معنى ولا عرف ولا أخلاق، ورغم ذلك، أنا ليس فقط لم أبتعد عنهم، بل أجعلكِ هنا خلال جردة الحساب بيني وبينهم، وعيب عليّ أن أفعل، وعليه، سأدعك الآن في يقين مآلاتك، بين يديّ رحيم كريم، وفي مكان هو، حتماً ودون أدنى شك، أفضل مما نحن فيه، وأجل، وأبقى.
سأتركك، أمي، في مكانك الأرفع الأجلّ قدراً، وأقول إن المجرّبين في حالتي، لن يهدأوا حتى يعمّ الخراب، ويشيع الغدر، وتستقوي الخيانة، ويسترجل الخواء، وترقص الركاكة معلنة انتصارها، ويستفحل البؤس شاهداً وحيداً أخيراً في بقعة لا نبض فيها، ولا وعي يأويها. الجهل سيد الموقف. النفاق يضحك مستبشراً. الجلافة تتراكض في أثير الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتملأ كل مقاعد الحافلات العمومية.
لستُ نبيّاً ولا أدّعي طهارتي مما يجري اليوم، ولا تطهّري من آثامه، ولكنني أملك، على الأقل، ما لا يملكون: مراجعة النفس، محاسبتها قبل أن أحاسب غيرها، وقبل أن يحاسب الجميع رب الجميع.
عندما تسقط الأقنعة مرّة، فإن حصيفاً لم أكُنْهُ أنا، لا يحتاج أن تسقط كُلَّ مرّة. يكفي أن تسقط مرّة. يكفي أن يتعرض المرء للإساءة مرّة. يكفي أن تزنّ أذن النبيه بالنميمة والتلفيق والافتراء مرّة.
حتى يومين.. ثلاثة، كنت أصرخ أن قامة المثقفين ليست واطئة، وأن صرحهم وبيت انعقاد لوائهم ليس مِطيَة، ولكنّ ما يجري من دسائس وتسيّد الأقزام واغتيال الأحلام، جعل أصحاب القامات (الواطية) يعمّمون المشهد، فإذا بالقامات الحقيقية تُعامل من أصحاب القرار بسعر الشرذمة وشذاذ الآفاق. وإذا ببيتِ التعاضد يرفع راية حمراء كما كانت تفعل بيوت الرذيلة على مدى التاريخ الأسود الوضيع.
رؤوسنا مرفوعة للذبح فقط. قاماتنا استمرأت ما لا نُشاهد غيره من تقزُّمٍ مُريع. جدران حصانتنا محطّمة. مفتوحة للشارع العام. وفي الشارع العام، والله، ما هو أكرم من بيت انكفائنا على ادعاءاتنا: هذا شاعر وذاك قاص أو قصاص أثر، ورابع موثّق تقارير بدافع التعسعسِ وتدبيرِ الدنانير.
حتى أوكار الأحزاب أجدى دلالة مما نحن فيه. حتى حانات السّهر أوفى لجهة اختصاصها. حتى بائعة الهوى أصدق في تفاصيل انحدارها.
لا يصنع الجُبْنُ أرضاً صلبة ممكن أن نورثها لأبنائنا. لا تُقيم الخِسَّةُ أَوَدَ جائعٍ شريد. لا تقبل الغابة شروط اختلافنا. تترفّع الكواسر عن آليات افتراسنا لأنفسنا ومعنانا وجوهر إنسانيّتنا.
أَجْرَبُ الجَرَبِ كادَ يمسّني في مقتل، ولكنني أملك، بحمد الله، ممكناتِ تجدّدي، وسوادي اعتدادي، وأملك قمحي وحوراني وزادي. وعهد الله يا أمي، وقد عدتُ إليك قبل العودة الأخيرة التي لا يعلم مواقيتها سوى الله جلّ في علاه، سأحارب دون هوادة أجربَ الجرب. سأنتصر للمعنى، سأنحاز لِما ينفع الناس، واتمسّك بما يمكثُ في الأرض.
نسيتُ، على هامش مقالي هذا، أن أخبر الأحبة والوازنين من الأهل والأصدقاء والأخوة والرفاق، أنني أعلن انسحابي من انتخابات رابطة الكتّاب الأردنيين.
لطالما سعيتِ بكلِّ جهدكِ، يا غاليتي، وخبرات السنين، أن تبعديني عن طغمة لا خير فيها ولا معنى ولا عرف ولا أخلاق، ورغم ذلك، أنا ليس فقط لم أبتعد عنهم، بل أجعلكِ هنا خلال جردة الحساب بيني وبينهم، وعيب عليّ أن أفعل، وعليه، سأدعك الآن في يقين مآلاتك، بين يديّ رحيم كريم، وفي مكان هو، حتماً ودون أدنى شك، أفضل مما نحن فيه، وأجل، وأبقى.
سأتركك، أمي، في مكانك الأرفع الأجلّ قدراً، وأقول إن المجرّبين في حالتي، لن يهدأوا حتى يعمّ الخراب، ويشيع الغدر، وتستقوي الخيانة، ويسترجل الخواء، وترقص الركاكة معلنة انتصارها، ويستفحل البؤس شاهداً وحيداً أخيراً في بقعة لا نبض فيها، ولا وعي يأويها. الجهل سيد الموقف. النفاق يضحك مستبشراً. الجلافة تتراكض في أثير الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتملأ كل مقاعد الحافلات العمومية.
لستُ نبيّاً ولا أدّعي طهارتي مما يجري اليوم، ولا تطهّري من آثامه، ولكنني أملك، على الأقل، ما لا يملكون: مراجعة النفس، محاسبتها قبل أن أحاسب غيرها، وقبل أن يحاسب الجميع رب الجميع.
عندما تسقط الأقنعة مرّة، فإن حصيفاً لم أكُنْهُ أنا، لا يحتاج أن تسقط كُلَّ مرّة. يكفي أن تسقط مرّة. يكفي أن يتعرض المرء للإساءة مرّة. يكفي أن تزنّ أذن النبيه بالنميمة والتلفيق والافتراء مرّة.
حتى يومين.. ثلاثة، كنت أصرخ أن قامة المثقفين ليست واطئة، وأن صرحهم وبيت انعقاد لوائهم ليس مِطيَة، ولكنّ ما يجري من دسائس وتسيّد الأقزام واغتيال الأحلام، جعل أصحاب القامات (الواطية) يعمّمون المشهد، فإذا بالقامات الحقيقية تُعامل من أصحاب القرار بسعر الشرذمة وشذاذ الآفاق. وإذا ببيتِ التعاضد يرفع راية حمراء كما كانت تفعل بيوت الرذيلة على مدى التاريخ الأسود الوضيع.
رؤوسنا مرفوعة للذبح فقط. قاماتنا استمرأت ما لا نُشاهد غيره من تقزُّمٍ مُريع. جدران حصانتنا محطّمة. مفتوحة للشارع العام. وفي الشارع العام، والله، ما هو أكرم من بيت انكفائنا على ادعاءاتنا: هذا شاعر وذاك قاص أو قصاص أثر، ورابع موثّق تقارير بدافع التعسعسِ وتدبيرِ الدنانير.
حتى أوكار الأحزاب أجدى دلالة مما نحن فيه. حتى حانات السّهر أوفى لجهة اختصاصها. حتى بائعة الهوى أصدق في تفاصيل انحدارها.
لا يصنع الجُبْنُ أرضاً صلبة ممكن أن نورثها لأبنائنا. لا تُقيم الخِسَّةُ أَوَدَ جائعٍ شريد. لا تقبل الغابة شروط اختلافنا. تترفّع الكواسر عن آليات افتراسنا لأنفسنا ومعنانا وجوهر إنسانيّتنا.
أَجْرَبُ الجَرَبِ كادَ يمسّني في مقتل، ولكنني أملك، بحمد الله، ممكناتِ تجدّدي، وسوادي اعتدادي، وأملك قمحي وحوراني وزادي. وعهد الله يا أمي، وقد عدتُ إليك قبل العودة الأخيرة التي لا يعلم مواقيتها سوى الله جلّ في علاه، سأحارب دون هوادة أجربَ الجرب. سأنتصر للمعنى، سأنحاز لِما ينفع الناس، واتمسّك بما يمكثُ في الأرض.
نسيتُ، على هامش مقالي هذا، أن أخبر الأحبة والوازنين من الأهل والأصدقاء والأخوة والرفاق، أنني أعلن انسحابي من انتخابات رابطة الكتّاب الأردنيين.
نيسان ـ نشر في 2022/02/15 الساعة 00:00