أزمة أوكرانيا وخبز العرب

محمد حسن التل
نيسان ـ نشر في 2022/02/27 الساعة 00:00
كلما انفجرت أزمة عالمية، تكرست حالة العرب العاجزة والهامشية اكثر على الساحة الدولية، وتبين كم أن وزنهم خفيف في الميزان العالمي وليس ذو قيمة.
الحرب الروسية الاوكرانية كشفت الصورة على حقيقتها، إذ يحتدم العالم على جبهات القتال والديبلوماسية في سبيل الوصول إلى حل للازمة، وتستعرض دول الشرق والغرب قدراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلا هم، فهم غارقون في التفكير في كيف سيؤمنون قمحهم الذي يستوردونه من أوكرانيا، كما أن بعضهم "يستعد لاستقبال الاوكرانيات كلاجئات" .
العرب قوة اقتصادية ضخمة، ولو كان هناك قيادات تسعى للصالح العام، لتطورت هذه القدرات إلى قدرات سياسية وعسكرية، ولكن للأسف، أغرق العرب أنفسهم في خلافات دونكيشوتية، وداروا في فلك غيرهم من محاور الشرق والغرب، ولم يجعلوا لأنفسهم محورا، وبددوا ثرواتهم في نمط استهلاكي جردهم من كل ارادة، ومن كل فرصة، لأن يكونوا على البوصلة العالمية، وجعلهم مرتهنين في طعامهم وشرابهم لغيرهم
قرن ويزيد، ومنذ رواية الاستقلال وهم لا يملكون من أمرهم شيئا، حتى ثرواتهم لا يملكون قرارها، وارتهنوا لمن لا يريد لهم أن يكونوا كباقي الدول والأمم تقرر مصيرها بيدها. ووجهوا إلى الاستثمار الذي لا يبني دولًا ولا يصنع قرارا مستقلا، بل على العكس، فإن معظم ثرواتهم تستثمر خارج الحدود، ولا تستفيد منها الشعوب العربية.
الازمة الروسية الاوكرانية كنا أشرت وضحت بصورة كاملة الأبعاد كم أن العرب يعيشون على هامش الأحداث، مع أنهم لو أرادوا لكانوا من صناع القرار الدولي البارزين، ولكن الخلافات والصراعات فيما بينهم والارتباطات خارج الحدود جعلتهم على هذه الصورة التي لا تعكس ما يملكون من أسباب قوة وقرار مستقل.
نحن كعرب الآن لا نتحدث الا عن البدائل في استيراد المواد الاستهلاكية التي ربما يتعثر وصولها إلى دولنا اذا اتسعت رقعة الحرب، وتعمقت الازمة، وغيرنا يتحدث عن دوره في تغيير خارطة العالم.
من الحرام ان مساحة كمساحة الوطن العربي لا تستطيع أن توفر الاكتفاء الذاتي من القمح وغيره من المواد الغذائية لأهلها الذي لا يتجاوز عددهم 350 مليون نسمة، ويملكون من الامكانيات ما يفوق إمكانيات دول كثيرة، ولكن الانقسامات والخلافات التي لا اساس حقيقي لها، وتمسك كل واحد بمصالحه الضيقة، أدت إلى هذا الواقع المرير.
حتى مراكز الفكر والدراسات والإعلام العربي تقف عاجزة عن العمل والمشاركة في التفكير والاقتراح لإيجاد دور حقيقي للعرب على الساحة الدولية، لأنها تدور في معظمها في فلك دولها وينطبق عليها ما ينطبق على "شيوخ السلاطين" الذين يفتون كما يريد السلاطين..
إننا اليوم كشعوب عربية مطالبين بأن نقف وقفة حقيقية صادقة لتحليل الوضع العربي الراهن، والخروج بحلول واقعية والضغط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فلا يجوز لنا أن نبقى نقوم بدور المتفرج على ما يمضي في مصير أمتنا التي ربما تملك ثلث ثروة العالم، كما يحب على كل المفكرين والسياسيين أن يقولوا كلمتهم في هذا الواقع الرديء، وينفضوا عنهم غبار اليأس الذي يختبئون تحته بحجة عدم قدرتهم على إحداث تغيير في واقع أمتهم حتى تذكرهم شعوبهم بخير عندما يمضوا ولا يلعنهم التاريخ، عندما تنتهي هذه المرحلة المقيتة من تاريخ الأمة باعتبارهم كانوا شركاء في الجريمة..
ويبقى السؤال الكبير عند الكثير من الحكومات العربية وبعض المواطنين العرب: هل سيصل القمح "وتصل الجميلات" من أوكرانيا؟!!
    نيسان ـ نشر في 2022/02/27 الساعة 00:00