بوتين وحلم أوراسيا

د. محمود مشارقة
نيسان ـ نشر في 2022/03/01 الساعة 00:00
يسعى القيصر بوتين جاهدا إلى تحقيق حلم قيادة أوراسيا العظمى وتكوين جغرافيا جديدة للعالم بإستغلال التخبط الأمريكي وعودة عصر الحرب الباردة والساخنة أيضا.
حلم أوراسيا ليس روسيا بإمتياز ويتداخل معه الحلم الصيني عبر مشروع طريق الحرير ( مبادرة الحزام والطريق)، وهناك كتلة اقتصادية سياسية آخذة بالتبلور قد تمتد من اوروبا ثم آسيا إلى الشرق الأوسط على إمتداد البحر الأبيض المتوسط، وما الحضور الروسي في الجمهوريات السوفياتية السابقة والهيمنة على بحر قزوين ومفاتيح البحر الأسود وصولا إلى سوريا إلا جزء من تحقيق الحلم الأوراسي .
روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفياتي عملت منذ اللحظة الاولى لسقوط نظريات الاشتراكية واعادة البناء (البرسترويكا ) على تأسيس رابطة الدول المستقلة، قبل أن تفشل الفكرة لتكون بعدها الاتحاد الأوراسي وهو اتحاد سياسي اقتصادي يضم بالاضافة إلى روسيا كلا من بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان ويهدف الاتحاد إلى تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية ويضمن حرية نقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأيدي العاملة بين الدول الاعضاء فيه.
وفي حال جمعنا روسيا والصين وقربنا الهند وتمت اعادة أوكرانيا الى حضن الدب الروسي البارد شكلا والدافئ مضمونا على المدى الطويل عبر ضمان حياديتها الجغرافية وإبعادها عن سياسة الأحلاف ، سنتحدث هنا عن منطقة أوراسيا تضم ثلاثة أرباع سكان الكرة الأرضية وتمتلك معظم ثروات الطاقة في العالم ، إضافة الى اكثر من نصف الدخل القومي العالمي.
الصين والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي تقوده روسيا شرعا في بناء شبكة فعالة من التجارة محورها الطاقة بشقيها النفط والغاز وتبادل السلع الاستراتيجية ، وتشييد بنى تحتية وسكك حديدية وموانئ مغلقة ومفتوحة من الصعب على أمريكا وأوروبا القديمة السيطرة عليها أو خنقها.
ماكرون كان صريحا وواقعيا عندما قال يوما ان عملة اليورو ليست بديلة للدولار وان اليوان الصيني قد يشكل خطرا في المستقبل لكنه لا يزال عملة منطقة جغرافية معينة .
التفكير الروسي المستقبلي بقيادة فلاديمير بوتين الذي ينتمي الى فئة القادة الطموحين الذين يتمتعون بالجرأة والتنافسية والثقة بالنفس والمخاطرة المحسوبة التي تمزج بين الاصرار والمجازفة ، ربما سيكون باتجاه إنهاء حقبة الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي بمساندة صينية وإنهاء حقبة الدولار في تسعير مشتقات الطاقة والسلع الاولية بعملات بديلة يشكل تمهيدا لتغيير قادم ، وربما نشهد ميلاد العملة الأوراسية بعد أن تهدأ وتيرة الصراع العسكري في شرق أوروبا وتضع الحرب أوزارها.
المنافسة العالمية لن تكون عسكرية في المرحلة المقبلة كما هو حاصل الآن، ولن نعود الى الحروب التقليدية ،فاليوم ورغم الحرب الأوكرانية تبدلت أدوات الصراع في العالم لتصبح حروبا الكترونية وإقتصادية بالدرجة الاولى أدواتها الذكاء الاصطناعي والقدرات السيبرانية.
وبعيدا عن الكياسة في السياسة فإن مصلحة الغرب والولايات المتحدة الدولة الأقوى في العالم وأد فكرة أوراسيا قبل تحويلها الى واقع اقتصادي وسياسي وجغرافي جديد ، والمصلحة الاستراتيجية لواشنطن استدراج الدب الروسي وزجه في آتون حروب وأزمات أمنية واقتصادية لا تنتهي .
في ظل هذا المشهد، تحتاج منطقتنا التي تعاني من إحتلال لفلسطين جاثم على صدر شعوبها منذ ٧٤ عاما ان تنتهي من عقلية القبيلة والتقوقع والسلبية والتفكير بآفاق ارحب .. لذلك أتحمس كثيرا الى الفكرة التي طرحت أخيرا بالعمل على تحويل الشرق الأوسط الى أوروبا جديدة ، ولكن بصياغة عربية وبإستغلال الثروات الكامنة وهذا يعني إستقلالنا الفعلي اقتصاديا عن الغرب وطموحات الشرق الأقصى القادمة.
    نيسان ـ نشر في 2022/03/01 الساعة 00:00