وجدان الجمعاني .. لِمَ عليك أن تقلق وأنت تكتب عنها؟
نيسان ـ نشر في 2022/03/08 الساعة 00:00
صحيفة نيسان_فلحة بريزات
في يوم المرأة ... تكتب عنها، فتكاد أناملك ترتجف. ليس خوفاً بل احترام وقلق.
أما الاحترام فلسيرة سيدة راحلة مكتظة بالأحداث؛ نظراً لحجم المتناقضات في التفاصيل على مدى تسعة عقود من التعب والترقب.
أما القلق فخوفاً من غياب الإنصاف لتجربتها الثرية،والألم من حجم المعاناة التي رافقت حياتها تحديداً في فترة سجن زوجها، المعارض الوطني، ضافي الجمعاني أبو موسى في سوريا أوائل سبعينيات القرن الماضي .
تجربة الراحلة وجدان سليمان الجمعاني ( أم موسى ) والتي لملمت جراحها بعد سجن الراحل المناضل ضافي الجمعاني على مدى ثلاثة عقود ونصف عاشها في المعتقلات السياسية، كانت الوفرة فيها لسجن المزة في دمشق بربع قرن بلا محاكمة، إلى جانب اعتقالات متناثرة في سجن المحطة والجفر رافقها الكثير من معاناة حملت من سموم رياح الغربة والتضييق أشواكا كثيرة.
أم موسى سيدة من سيدات الوطن لم يرمش لها جفن وهي تقدم الدعم لزوجها الذي كان حاضراً أو غائباً في غياهب السجن، إحتراما لخيارات ابن عم جمعهما رباط مقدس صاغته خيوط الجغرافيا ووشائج الدم في العام 1950.
رافقت وجدان زوجها في العام 1957 للعيش في معسكرات الجيش بمدينة الزرقاء حيث كان ضابطا في صفوف القوات المسلحة بعد أن أكمل دراسته الثانوية من مدرسة المطران .
لكن وجدان عادت إلى مسقط رأسها إثر اعتقال سياسي لزوجها، فتفرغت لرعاية أطفالها الأربعة (موسى، مريم، عبدالله، وكفاح) حتى أفرج عن أبو موسى في عام 1962 ، لكن فترة الافراج لم تستمر سوى لعام واحد، أعتقل ضافي مرة أخرى في أذار عام 1963 فأمضى 14 شهرا في السجن .
عمل ضافي بعد الافراج عنه في وظائف إدارية في مجلس الإعمار وشركة الفوسفات ، والتي غادرها طوعا ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية.
أحداث أيلول كانت مرحلة فاصلة في حياة الأسرة، فقد غادرت المقاومة الأردن، وخرج زوجها مع رفاقه إلى سورية، حيث اعتُقل عام 1971 ، وبقي ضافي في السجن حتى الإفراج عنه عام 1994.
في هذه المرحلة كان لدى السيدة وجدان خمسة من الأبناء ناضلت من أجل تربتيهم وتعليمهم حتى لا يشعروا بغياب الأب الطويل، فقد كان أكبرهم في الثامنة عشرة وأصغرهم في الخامسة وجميعم كانوا على مقاعد الدراسة، وطور التشكيل .
عاشت التي ارتدت ثياب القومية منذ نعومة اظفارها ظروفاً صعبة جراء غياب زوجها في السجن على غير إرادة منه، وقد فرضت عليها ظروف الزيارة اعباءً جديدة مالية ومعنوية في رحلة شبه شهرية إلى دمشق. وما رافق ذلك من خطورة على الطريق الممتد بين عمان ودمشق لسيدة كانت تحمل الأبناء لرؤية والدهم ،وتخفي الأوجاع حتى لا تفسد فرحة اللقاء.
انعكست محطات حياة الراحل (أبو موسى ) الذي أصبح عضواً في اللجنة العسكرية التابعة للقيادة القُطرية لحزب البعث بعد انضمامه إليه في شهر أذار 1956 ، على مسيرة الأسرة جراء سجنه إثر الإنقلاب الذي نفذه الرئيس حافظ الأسد واعتقل فيه قادة الحزب .
فعلى امتداد سنوات الغياب تأقلمت وجدان الجمعاني مع غياب أبو موسى فتدبرت أمور الأسرة المعيشية من عوائد ما تملكه العائلة من مزرعة في الوالة ،أمنت لهم دخلا مستقراً إلى جانب مردود سيارة ضافي وقد حولتها ( أم موسى) إلى وسيلة نقل عمومية ساهم مردودها المادي في تأمين متطلبات العائلة .
ولدت السيدة وجدان في عام 1933 في حي من أحياء مدينة مأدبا -أوما يعرف بالحي الشرقي لأب له حضوره العشائري في المدينة ومنطقة بني حميدة الممتدة.
والدها الشيخ سليمان الجمعاني أحد وجهاء بني حميدة، ووالدتها شامية الجذور، علاقتها بوالدها كانت متميزة، وقد رافقته في رحلات علاجه إلى الضفة الغربية حيث كان يعاني من أزمة ربو .
حرص والدها على إلحاقها في المدرسة فقد كان ميسور الحال، حيث أكملت الصف الرابع، وأعادته طوعا لأن مدرستها لا تتوفر فيها صفوف أعلى ، في أمل صامت أن تتوسع المدرسة في العام القادم لتتمكن من إكمال مراحل دراستها .
لم يبخل عليها الوالد فألحقها بالمدرسة الأهلية للبنات لكن البيئة الإجتماعية ضجت عليه، كيف يرسلها للمطران؟ فاضطر مكرهاً إلى القفز عن هذه المهمة تحت وطأة متطلبات الظروف الإجتماعية آنذاك .
لكن مهمتة وجدان في التعلم استمرت فهي تعلم إنه بغير ذلك لن تقدرالأم على التواصل مع أبنائها في غربتهم ، وبحسب العائلة :كانت تكتب كل أسبوع رسائل: لموسى ومريم في بغداد، وعبد الله في إيطاليا، وكفاح في الإسكندرية، وسليمان في بلغاريا.
أحبت وجدان الرياضيات والجغرافيا والتاريخ ، وحفظت أجزاءً كثيرة من القرأن الكريم، وأتقنت العزف على العود، وأدمنت سماع "صوت العرب" الإذاعة التي كان لها حضور في تلك الفترة نظرا لدقة المرحلة ..ولا غرابة أن تكون هذه الإذاعة رفيقة أم موسى .
لا تحتاج أم موسى إلى ختم العشيرة حتى يكون لها دور في الوقوف إلى جانب سيدات المنطقة اللواتي أجبرتهن ظروف الحياة إلى الإحتماء بظل بيت العائلة فانحازت لهن دون تردد أو منة .
أحداث كثيرة ألمت بها وكان لموت أبنتها الصغيرة (أسمى) عن عمر العام ونصف بالحصبة حمل كبير اثقل كاهلها، فكيف ستخبر الأب الغائب بذلك، لكنها أخيرا فعلت ولكن على مراحل .
مما يروى عنها أنها كانت تدفع أجرة المرافق الخفي لها عند مغادرة الباص في إشارة ذكية منها إلى أنها تعي حجم المراقبة التي كانت ترافقها في حلها وترحالها.
تشير العائلة إلى أن والدتهم كانت توازن ما بين الصرامة والرأفة في التربية كما إنها لم تبخل على مظهرهم الخارجي حتى لا يقال: أن غياب الأب أحوجهم وأثقل عليهم .
يحمل كل من عرف أم موسى الود والاحترام لشخصها الأصيل، كما بادلت المحيط الود بالود.
ظلت دائمة التذكر والامتنان للمرحوم الدكتور سميح الزوايدة الذي كان يقدم لهم الخدمة الطبية دون مقابل .
عملت متطوعة في جمعية الهلال الأحمر الأردني ، وهي أبنة الخامسة عشرة لجهة القرب من الناس وخدمتهم، وقد شغلت موقع نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر الأردني فرع مأدبا ،وبقيت عضواً فاعلاً فيها حتى مراحل حياتها الأخيرة، وقبل أن يتوفاها الله في الثامن عشر من شهر شباط من عام 2018 .
ساعة من الوقت تقضيها في زيارة تقطع لها مئات الكيلومترات تٌجمل للزوج تفاصيل الأسرة الصغيرة وأخبار أبناء العمومة، والعشيرة وغيرها من أمور يحرص أبو موسى في السؤال عنها .
يذكر أبناؤها أن والدتهم كانت تحمل الطعام لزوجها ولرفاقه السبعة عشر من مطعم أبو كمال في دمشق في كل زيارة .
زيارة سجن المزة تحمل في طياتها حقائق كانت تتخطاها عن قصد، فما بين إحضار إذن الزيارة من القابون على طريق حمص، والعودة لسجن المزة هناك كبير من التفاصيل لم ترغب في سردها طيلة سنوات سجن زوجها .
حافظت الجمعاني على ثباتها طيلة فترة سجن زوجها في دمشق، وأيقنت أن محطة جديدة في حياة أسرتها المؤلفة من خمسة أفراد ( ثلاثة أولاد وأبنتان ) جميعهم حصلوا على شهادت علمية مرموقة، وخدموا في مواقع متقدمة في الدولة الأردنية ، وهذا كله نتاج إصرارها في أن يحظى أبناؤها بتعليم عال .
فقد حصل المهندس موسى على شهادة الهندسة المدنية ، والماجستير في إدارة مصادر المياه ثم تولى حقيبة وزارة المياه والري كما عمل أميناً عاما لسلطة وادي الأردن، في حين يعمل عبدالله، طبيباً مختصاً في النسائية والتوليد، ودرست أبنتها الثالثة، مريم، المحاسبة ، وتخرّجت الرابعة، كفاح، طبيبة أسنان ،حيث شغلت نائب رئيس الجامعة الأردنية لشؤون الكليات العلمية، وقبلها موقع عميدة لكلية طب الأسنان بالجامعة الأردنية، فيما يحمل سليمان شهادة الهندسة في الحفر والتنقيب وعمل في كبرى الشركات الوطنية .
بلا شك أن الجمع والتوفيق بين رعاية الأبناء وزيارة السجن المتواصلة على مدى 24 عاما هي من أصعب محطات حياة الراحلة أم موسى ، لكن إصرارها وقوة إرادتها وحكمتها مكنت أبنائها من الدراسة والتفوق وتكوين أسر مستقرة تحلم بمستقبل آمن.
في يوم المرأة ... تكتب عنها، فتكاد أناملك ترتجف. ليس خوفاً بل احترام وقلق.
أما الاحترام فلسيرة سيدة راحلة مكتظة بالأحداث؛ نظراً لحجم المتناقضات في التفاصيل على مدى تسعة عقود من التعب والترقب.
أما القلق فخوفاً من غياب الإنصاف لتجربتها الثرية،والألم من حجم المعاناة التي رافقت حياتها تحديداً في فترة سجن زوجها، المعارض الوطني، ضافي الجمعاني أبو موسى في سوريا أوائل سبعينيات القرن الماضي .
تجربة الراحلة وجدان سليمان الجمعاني ( أم موسى ) والتي لملمت جراحها بعد سجن الراحل المناضل ضافي الجمعاني على مدى ثلاثة عقود ونصف عاشها في المعتقلات السياسية، كانت الوفرة فيها لسجن المزة في دمشق بربع قرن بلا محاكمة، إلى جانب اعتقالات متناثرة في سجن المحطة والجفر رافقها الكثير من معاناة حملت من سموم رياح الغربة والتضييق أشواكا كثيرة.
أم موسى سيدة من سيدات الوطن لم يرمش لها جفن وهي تقدم الدعم لزوجها الذي كان حاضراً أو غائباً في غياهب السجن، إحتراما لخيارات ابن عم جمعهما رباط مقدس صاغته خيوط الجغرافيا ووشائج الدم في العام 1950.
رافقت وجدان زوجها في العام 1957 للعيش في معسكرات الجيش بمدينة الزرقاء حيث كان ضابطا في صفوف القوات المسلحة بعد أن أكمل دراسته الثانوية من مدرسة المطران .
لكن وجدان عادت إلى مسقط رأسها إثر اعتقال سياسي لزوجها، فتفرغت لرعاية أطفالها الأربعة (موسى، مريم، عبدالله، وكفاح) حتى أفرج عن أبو موسى في عام 1962 ، لكن فترة الافراج لم تستمر سوى لعام واحد، أعتقل ضافي مرة أخرى في أذار عام 1963 فأمضى 14 شهرا في السجن .
عمل ضافي بعد الافراج عنه في وظائف إدارية في مجلس الإعمار وشركة الفوسفات ، والتي غادرها طوعا ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية.
أحداث أيلول كانت مرحلة فاصلة في حياة الأسرة، فقد غادرت المقاومة الأردن، وخرج زوجها مع رفاقه إلى سورية، حيث اعتُقل عام 1971 ، وبقي ضافي في السجن حتى الإفراج عنه عام 1994.
في هذه المرحلة كان لدى السيدة وجدان خمسة من الأبناء ناضلت من أجل تربتيهم وتعليمهم حتى لا يشعروا بغياب الأب الطويل، فقد كان أكبرهم في الثامنة عشرة وأصغرهم في الخامسة وجميعم كانوا على مقاعد الدراسة، وطور التشكيل .
عاشت التي ارتدت ثياب القومية منذ نعومة اظفارها ظروفاً صعبة جراء غياب زوجها في السجن على غير إرادة منه، وقد فرضت عليها ظروف الزيارة اعباءً جديدة مالية ومعنوية في رحلة شبه شهرية إلى دمشق. وما رافق ذلك من خطورة على الطريق الممتد بين عمان ودمشق لسيدة كانت تحمل الأبناء لرؤية والدهم ،وتخفي الأوجاع حتى لا تفسد فرحة اللقاء.
انعكست محطات حياة الراحل (أبو موسى ) الذي أصبح عضواً في اللجنة العسكرية التابعة للقيادة القُطرية لحزب البعث بعد انضمامه إليه في شهر أذار 1956 ، على مسيرة الأسرة جراء سجنه إثر الإنقلاب الذي نفذه الرئيس حافظ الأسد واعتقل فيه قادة الحزب .
فعلى امتداد سنوات الغياب تأقلمت وجدان الجمعاني مع غياب أبو موسى فتدبرت أمور الأسرة المعيشية من عوائد ما تملكه العائلة من مزرعة في الوالة ،أمنت لهم دخلا مستقراً إلى جانب مردود سيارة ضافي وقد حولتها ( أم موسى) إلى وسيلة نقل عمومية ساهم مردودها المادي في تأمين متطلبات العائلة .
ولدت السيدة وجدان في عام 1933 في حي من أحياء مدينة مأدبا -أوما يعرف بالحي الشرقي لأب له حضوره العشائري في المدينة ومنطقة بني حميدة الممتدة.
والدها الشيخ سليمان الجمعاني أحد وجهاء بني حميدة، ووالدتها شامية الجذور، علاقتها بوالدها كانت متميزة، وقد رافقته في رحلات علاجه إلى الضفة الغربية حيث كان يعاني من أزمة ربو .
حرص والدها على إلحاقها في المدرسة فقد كان ميسور الحال، حيث أكملت الصف الرابع، وأعادته طوعا لأن مدرستها لا تتوفر فيها صفوف أعلى ، في أمل صامت أن تتوسع المدرسة في العام القادم لتتمكن من إكمال مراحل دراستها .
لم يبخل عليها الوالد فألحقها بالمدرسة الأهلية للبنات لكن البيئة الإجتماعية ضجت عليه، كيف يرسلها للمطران؟ فاضطر مكرهاً إلى القفز عن هذه المهمة تحت وطأة متطلبات الظروف الإجتماعية آنذاك .
لكن مهمتة وجدان في التعلم استمرت فهي تعلم إنه بغير ذلك لن تقدرالأم على التواصل مع أبنائها في غربتهم ، وبحسب العائلة :كانت تكتب كل أسبوع رسائل: لموسى ومريم في بغداد، وعبد الله في إيطاليا، وكفاح في الإسكندرية، وسليمان في بلغاريا.
أحبت وجدان الرياضيات والجغرافيا والتاريخ ، وحفظت أجزاءً كثيرة من القرأن الكريم، وأتقنت العزف على العود، وأدمنت سماع "صوت العرب" الإذاعة التي كان لها حضور في تلك الفترة نظرا لدقة المرحلة ..ولا غرابة أن تكون هذه الإذاعة رفيقة أم موسى .
لا تحتاج أم موسى إلى ختم العشيرة حتى يكون لها دور في الوقوف إلى جانب سيدات المنطقة اللواتي أجبرتهن ظروف الحياة إلى الإحتماء بظل بيت العائلة فانحازت لهن دون تردد أو منة .
أحداث كثيرة ألمت بها وكان لموت أبنتها الصغيرة (أسمى) عن عمر العام ونصف بالحصبة حمل كبير اثقل كاهلها، فكيف ستخبر الأب الغائب بذلك، لكنها أخيرا فعلت ولكن على مراحل .
مما يروى عنها أنها كانت تدفع أجرة المرافق الخفي لها عند مغادرة الباص في إشارة ذكية منها إلى أنها تعي حجم المراقبة التي كانت ترافقها في حلها وترحالها.
تشير العائلة إلى أن والدتهم كانت توازن ما بين الصرامة والرأفة في التربية كما إنها لم تبخل على مظهرهم الخارجي حتى لا يقال: أن غياب الأب أحوجهم وأثقل عليهم .
يحمل كل من عرف أم موسى الود والاحترام لشخصها الأصيل، كما بادلت المحيط الود بالود.
ظلت دائمة التذكر والامتنان للمرحوم الدكتور سميح الزوايدة الذي كان يقدم لهم الخدمة الطبية دون مقابل .
عملت متطوعة في جمعية الهلال الأحمر الأردني ، وهي أبنة الخامسة عشرة لجهة القرب من الناس وخدمتهم، وقد شغلت موقع نائب رئيس جمعية الهلال الأحمر الأردني فرع مأدبا ،وبقيت عضواً فاعلاً فيها حتى مراحل حياتها الأخيرة، وقبل أن يتوفاها الله في الثامن عشر من شهر شباط من عام 2018 .
ساعة من الوقت تقضيها في زيارة تقطع لها مئات الكيلومترات تٌجمل للزوج تفاصيل الأسرة الصغيرة وأخبار أبناء العمومة، والعشيرة وغيرها من أمور يحرص أبو موسى في السؤال عنها .
يذكر أبناؤها أن والدتهم كانت تحمل الطعام لزوجها ولرفاقه السبعة عشر من مطعم أبو كمال في دمشق في كل زيارة .
زيارة سجن المزة تحمل في طياتها حقائق كانت تتخطاها عن قصد، فما بين إحضار إذن الزيارة من القابون على طريق حمص، والعودة لسجن المزة هناك كبير من التفاصيل لم ترغب في سردها طيلة سنوات سجن زوجها .
حافظت الجمعاني على ثباتها طيلة فترة سجن زوجها في دمشق، وأيقنت أن محطة جديدة في حياة أسرتها المؤلفة من خمسة أفراد ( ثلاثة أولاد وأبنتان ) جميعهم حصلوا على شهادت علمية مرموقة، وخدموا في مواقع متقدمة في الدولة الأردنية ، وهذا كله نتاج إصرارها في أن يحظى أبناؤها بتعليم عال .
فقد حصل المهندس موسى على شهادة الهندسة المدنية ، والماجستير في إدارة مصادر المياه ثم تولى حقيبة وزارة المياه والري كما عمل أميناً عاما لسلطة وادي الأردن، في حين يعمل عبدالله، طبيباً مختصاً في النسائية والتوليد، ودرست أبنتها الثالثة، مريم، المحاسبة ، وتخرّجت الرابعة، كفاح، طبيبة أسنان ،حيث شغلت نائب رئيس الجامعة الأردنية لشؤون الكليات العلمية، وقبلها موقع عميدة لكلية طب الأسنان بالجامعة الأردنية، فيما يحمل سليمان شهادة الهندسة في الحفر والتنقيب وعمل في كبرى الشركات الوطنية .
بلا شك أن الجمع والتوفيق بين رعاية الأبناء وزيارة السجن المتواصلة على مدى 24 عاما هي من أصعب محطات حياة الراحلة أم موسى ، لكن إصرارها وقوة إرادتها وحكمتها مكنت أبنائها من الدراسة والتفوق وتكوين أسر مستقرة تحلم بمستقبل آمن.
نيسان ـ نشر في 2022/03/08 الساعة 00:00