في الكتابة السياسيّة و انحيازات الكاتبين !

ماجد شاهين
نيسان ـ نشر في 2015/10/07 الساعة 00:00
الكاتبون اليوميّون والأسبوعيّون ، الذين يخوضون في الرأي والتحليل والقول في الأمر السياسيّ العام ، المحليّ والعربي ، يقعون وينحصرون في خانات أربع و لم تتبدّل الخانات منذ عقود ، لكن التبدلات قد تحدث بهروب كاتب من هذه الخانة إلى تلك قفزا ً و تطوّرا ً أو بانتقال أحدهم أو أكثر من خانة إلى أخرى سعياً لمواكبة مقتضيات الضرورة الفنيّة أو المجتمعيّة أو لضرورات أخرى متصلة بشخص الكاتب وعلاقاته البينيّة هنا وهناك . عديد ٌ واضح معقول من الكاتبين ، ممّن يكتبون يوميّاً أو أسبوعيّا ً أو بين هذا و ذاك ، يقعون في خانة أولى يمكن تسميتها بــ ِ " خانة المتحركين في الرأي السياسيّ " ، وهم الذين يكتبون وفق حالات وتطوّرات يوميّة للأحداث دون الاستناد إلى موقف ثابت واصطفافات مسبقة و هؤلاء أقل ّ الكاتبين حضورا ً في المشهد العام ولا يلاحقهم القاريء إلا بنسب محدودة وعند غير المثابرين على المتابعة ، بسبب من " انحيازات ذهنية ونفسيّة " باتت تحكم شرائح القارئين وفئاتهم . والخانة الثانية ، يربض فيها و يتحصّن كاتبون يوميّون ، منحازون سلفاً إلى موقف سياسيّ أو دور سياسيّ ، فيحبّرون أوراقهم ومقالاتهم للدفاع عن انحيازاتهم هنا وهناك و في الأغلب تتسم كتاباتهم بروح التصادميّة والحدّة وربّما تصل غلى مرحلة رفض الآخر و إقصاء رأيه و موقفه .. و هذه الفئة تجد حضوراً و بخاصة في ما يُعرف بالانشطارات الأفقيّة والعاموديّة فكريّا ً و مجتمعيّا ً و سياسيّا ً ، و هنا ينبغي الانتباه إلى أن هذه الفئة من الكاتبين تمتلك المقدرة على إحداث شروخات مجتمعيّة وسياسيّة إذا ما استخدمت أدواتها وانحيازاتها لمواقف محددة محليّا ً و عربيّا ً و إقليميا ً . أمّا الفئة الثالثة ، فتنحصر في باب الكتابة السياسيّة العامة التي تتشابه و لا تقدّم الكثير من الجدّة والتحليل ، ويستند كاتبو هذه الخانة إلى " أخبار الفضائيّات والأحداث السريعة و آراء محللّين وقادة فكر و رأي و خطابات هنا وهناك .. و هذه الفئة، بالمجمل ، لا تترك أثرا ً في واقع الناس ولا تُحظى بنسبة قراءة معقولة . أمّا الفئة الرابعة ، فأظنّها فئة تكتب إلى النخبة الشعبية الاجتماعيّة والفكريّة و تمارس دورا ً واضحاً في تقديم رسائل سياسيّة هنا وهناك و إطلاق بالونات اختبار تستفيد منها جهات عديدة محلية أو إعلاميّة عالمية أو سواها ، و يتميّز الكاتبون في هذه الخانة بأنّهم يملكون مفاتيح المعلومات النافعة لكتاباتهم أو أنهم يتلقون كثيراً من المعلومات من مصادر ذات صلة بالشأن السياسيّ .. و هذه الفئة لها نسبة واضحة من المتابعين شعبيّا ً و رسميّا ً و يقتربون كثيراً من القضايا الكبرى و العناوين والخطوط الصعبة . ... هناك إضافات ، فمثلا ً توجد فئة من الكاتبين الاجتماعيّين والساخرين ، يدخلون إلى خطوط الكتابة السياسيّة ، فيجدون احتضانات واضحة عن مجموعة من القارئين في المستويات العامة الشعبيّة ومستويات النخبة الفنية والثقافيّة وربّما لدى طلبة الجامعات .. و هذه المجموعة من الكاتبين تمارس دورا ً تثقيفيّاً أو ربما تنويريّا ً ، لكنه في الأغلب يقع ، أي دور كتاباتهم ، في باب التنفيس الاجتماعيّ المانع لحدوث انفجارات ذهنية مجتمعيّة نفسيّة ، هنا أو هناك . ... هل ينتقل كاتب أو أكثر ويقفز من هذه الخانة إلى تلك ؟ الإجابة ، وعلى ندرة الحالات ، تكون بــ ِ نعم ، فقد تتبدّل الأولويّات أو السقوف الممنوحة لهذا أو لذاك ، دون طرد نهائيّ ، فيضطر إلى القفز من خانة إلى أخرى أو أن الأحداث تدفعه إلى القفز . وغير ذلك ؟ غير ذلك ، لا نرى جديداً في مشهد الكتابة الإعلاميّة / الصحافيّة ، و قد نكتشف أن كثيرا ً من الكاتبين ، الذين التبست عليهم وعندهم خانات التصنيف الموجودة في الكلام السابق ، فتاهوا وخسروا مواقعهم في فئاتهم ، ما اضطرهم إلى الاتجاه إلى خانة أخرى ، يمكن أن نسمّيها " خانة كاتبي المنوّعات السياسيّة " ، و في أغلبهم نسخ متكررة متشابهة عن أنفسهم وعن آخرين محليّا ً وعربيّا ً . ... المسألة ، التصنيف والانحيازات ، لا تخلو من كاتبين منفردين تميّزوا هنا أو هناك ، لكنها تشكّلات فرديّة ، قد يتوه مجملها في خضم ّ التطوّرات والتحوّلات و التصنيفات . الآن ، الفضاءات وفـّرت فرصا ً كبيرة لكلّ المجتهدين والمبتدئين لكي يصبحوا كاتبين سياسيّين من دون قيود ، ما جعل الكتابة ميدانا ً لهدر الكلام والحبر و المواقف والانحيازات . وهل في الأمر تشاتمات ؟ قد ينفلت كاتبون إلى حالة الكتابة التشاتميّة الثأرية الضدّية ، في الوقت الذي يفقدون فيه فرص البقاء في واجهة المشهد الكتابي أو في واجهة واحدة من خانات و مربّعات الكتابة الرئيسة التي أتينا على ذكرها . ... أمّا السقوف الممنوحة فلها حديث آخر و حكاياتها عديدة ، و لا نجد أن هناك ، عندنا في الأقل ّ ، كتابة بسقف انتزعه صاحب الكتابة ، إلا ّ ربّما باستثناءات قليلة جداً أو نادرة .
    نيسان ـ نشر في 2015/10/07 الساعة 00:00