مقارنة بين حربي اكتوبر رمضان1973 و حرب جوان تموز 2006
نيسان ـ نشر في 2015/10/07 الساعة 00:00
مقدمة
بعد ثلاث حروب شهدتها المنطقة العربية بداية من الحرب الأولي سنة 1948 و الحرب الثانية سنة 1956 و الحرب الثالثة سنة 1967 وفي العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر سنة1973 شن الجيشان المصري و السوري هجوما منسقا علي جبهتين ضد الكيان الإسرائيلي في حرب دامت ستة أيام وبدعم عسكري واقتصادي عربي و إسلامي تجلي في مشاركة عدة وحدات مقاتلة لجيوش دول عربية و بدعم مالي و اقتصادي حيث دخل أول مرة ارض المعركة ما سمي حينها بسلاح النفط .
كان الهدف الرئيسي للحرب هو تحرير أراضي عربية محتلة و تحريك الجبهتين و الخروج بهما من حالة اللاّحرب و اللاّسلم تمهيدا لقرارات سياسية شهدتها المنطقة بعدها مباشرة.
لا ننسي أن نعرّج كذلك علي حرب الاستنزاف التي شهدتها الجبهة المصرية من سنة1969 إلي سنة 1973 و التي نفذت فيها عمليات نوعية أرهقت العدو.
في أكتوبر سنة 1983 قامت المقاومة اللبنانية بنسف مقر القوات الأمريكية و الفرنسية ببيروت الأمر الذي اجبر الأخيرة علي الانسحاب من لبنان.
في سنة 2000 أجبرت المقاومة الكيان الإسرائيلي علي الانسحاب من جنوب لبنان عدى مزارع شبعا بعد حرب عصابات بطولية شنّها فدائيوها علي العدو.
في شهر جوان تموز 2006 شنّت إسرائيل هجوما علي الجنوب اللبناني جوا و برا و بحرا بعد قيام حزب الله بأسر جنديين من جنودها و ذلك بغية استبدالهما بأسري لبنانيون و عرب في سجون العدو...
إستمرت الحرب ثلاث و ثلاثون يوما كبّدت فيها المقاومة "إسرائيل" خسائر جسيمة في الأرواح و المعدّات و أجبرتها علي القبول بوقف إطلاق النار بعد فشلها الذّر يع في تحقيق أي من أهدافها.
طبيعة الحربين
خاضت الجيوش النظامية العربية حربا هجومية مباغتة تميّزت بالمرونة و بكثافة النيران و بالروح المعنوية العالية التي خاض بها الجنود المعركة
كما أبدع القادة الميدانيون في استخدام وسائل السيطرة و التنسيق و الاتصال.
أرض المعركة كانت مكشوفة و شبه صحراوية في سيناء و كانت جبليّة و شبه غابيّة علي الجبهة السورية.
خاضت المقاومة اللبنانية حربا دفاعية جمعت بين تكتيكات حرب العصابات و الحرب التقليدية النظامية و حققت نجاحا باهرا في الدفاع الثابت و المستميت مع المرونة خلف الخطوط الأمامية.
أبدع قادة المقاومة في حسن استعمال الأرض تمويها و تحصينا مع قدرة فائقة في استخدام وسائل السيطرة و التنسيق و الاتصال.
تميّز المقاتلون بروح معنويّة عالية جدّا وبانضباط تكتيكي صارم حتى انك تخال المجموعة تتحرك و تنسّق و تنفّذ كأنها رجل واحد.
أرض المعركة كانت جبلية و شبه غابية مع كثرة القرى و التجمعات السكنية و المسالك الوعرة و الضيقة.
الدعم العربي و الاسلامي و الدولي للحربين
شهدت حرب رمضان 73 مشاركة فاعلة من حيث الدعم العسكري و الاقتصادي لدولتي المواجهة مصر و سوريا و قد تجلّي ذلك في:
ــ أرسل العراق فرقتين مدرعتين و ثلاث ألوية مشاة و أسراب طائرات.
ــ أرسلت الجزائر لواء مدرّع و لواء آلي و أسراب طائرات.
ــ أرسلت ليبيا لواء مدرّع و سربي طائرات.
ــ أرسلت الاردن لواء مدرّع إلي الجبهة السورية.
ــ أرسل المغرب لواء مدرّع و لواء مشاة.
ــ أرسلت السّعودية لواء ميكانيكي و فوج مدرعات وفوج مدفعية و فوج مظليين.
ــ أرسلت السودان لوائين مشاة.
ــ أرسلت الكويت لواء مدرّع و كتيبة مشاة و سرب طائرات.
ــ أرسلت تونس كتيبة مشاة قوامها ألف جندي تمركزت علي الجبهة المصرية.
ــ أرسلت باكستان لسوريا عدد من الطائرات.
ــ قامت السّعودية الكويت و الإمارات و إيران بوقف صادراتها النفطية إلي الدول الداعمة للعدو.
ــ إنفرد العراق بميزة كونه الجيش العربي الوحيد الذي خاض المعركة علي الجبهتين المصرية و السورية في نفس الوقت و كانت لقواته فضل كبير في منع سقوط دمشق.
ــ انفردت الكويت بميزة تمكن كتائبها من عبور قناة السويس مع القيام بقطع إمدادات النفط علي الغرب و هي بذلك حاربت علي جبهتي القتال و الاقتصاد.
شهدت حرب جوان تمّوز 2006 دعما عسكريا و اقتصاديا و سياسيا و إعلاميا مؤثرا و فاعلا من كل من:
ــ سوريا زوّدت المقاومة بالأسلحة ودربت المقاتلين.
ــ إيران سلّحت و درّبت عدد من المقاتلين علي أسلحة متطورة وفاعلة.
ــ القوي الوطنية اللبنانية أمّنت الخطوط الخلفيّة للمقاومة و قامت باستقبال ألاف المدنيين النازحين إلي الشمال.
ــ تحرّك الرأي العام العربي و الإسلامي لدعم و نصرة المقاومة وكان له ضغط هام علي الحكومات للتحرك سياسيّا.
ــ قامت عديد الدول في المنطقة(الخليج خاصّة) بالتّبرع ماليا من اجل اعمار لبنان بعد الحرب.
جدير بالذكر أن الأسلحة الهامة التي تزودت بها المقاومة هي صواريخ الكاتيوشا و فجر و رعد و زلزال وصواريخ مضادة للدبابات نوع ساغر و طو وصواريخ مضادة للسفن و البوارج نوع سي 802 و صواريخ مضادة للطائرات مقلدة علي صاروخ سام 7 مع عدد من طائرات دون طيار للاستطلاع نوعها مرصاد1.
نتائج الحربين
من اهم نتائج حرب رمضان المباركة:
ـــ استرداد السّيادة الكاملة علي قناة السّويس و جزء من سيناء.
ــ استرداد مدينة القنيطرة السورية.
ـــ تحطيم الحاجز النفسي بين المقاتل العربي و النصر علي العدو إذ سقطت وإلي الأبد أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم.
ـــ تمكن القوات المصرية من اقتحام خط الدفاع الأسطوري بارليف في وقت قياسي لم يتجاوز ست ساعات.
ـــ تمكن وحدة عسكرية اسرائلية بقيادة شارون من فتح ثغرة الدفرسوار في سيناء و محاصرة الجيش الثالث المصري بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي مما أثّر كثيرا علي سير الحرب.
الجدير بالذكر أن شارون طبّق خطّته دون الرجوع إلي قيادته في مغامرة ناجحة مخالفا التعليمات الصّادرة له من أركانه و السؤال الذي يطرح لماذا لم يقم سعد الدين الشاذلي بمحاولة اقتحام الثّغرة مطبّقا قناعاته التي صرّح بها بعد الحرب بأن فكّ حصاره ممكن ؟.....أين المبادرة علي الميدان كما فعل شارون؟
ـــ النتيجة المؤثرة للضربة الأولي المصرية التي قام بها سلاح الطيران و المدفعية علي الساعة الثانية ظهرا يوم السادس من أكتوبر.
ـــ نجاح فكرة تحطيم خط بارليف بخراطيم المياه و هي فكرة قدّمها ملازم مهندس مصري أثناء أداءه لواجبه الوطني.
ـــ التأثير الاستراتيجي لصاروخ سام للدفاع الجوي الذي أسقط أكثر من مائة طائرة "إسرائلية" علي الجبهتين ممّا سبّب للعدو شللا جويّا و إرباكا تكتيكيا.
ـــ الفشل الذريع للمخابرات الاسرائلية "الموساد" في الكشف عن بداية المعارك و خططها مقابل نجاح العمل التّجسّسي العربي في جمع معلومات هامّة و حسّاسة عن العدوّ ساهمت في تحقيق النّصر.
ـــ أخيرا لا يفوتني أن أشير إلي تداعيات نتائج الحرب علي القرار السّياسي المصري و السوري سواء كان خطأ أم صوابا.
من نتائج حرب تموز 2006 :
ـــ نجاح المقاومة عسكريا و سياسيا و إعلاميا حيث سيّرت المعارك بانضباط تكتيكي كبير و قدرة علي السيطرة و التواصل و اتخاذ القرار رغم صعوبة الظروف.
ـــ تمكن المقاومة من نقل المعركة إلي عمق أراضي العدو و خلف خطوطه باستعمال منظومة صواريخ متطورة وحرب عصابات تتميز بالمرونة و فاعلية الأسلحة.
ـــ نجاح المقاومة في عمليات التّمويه و التّحصين علي الميدان مما قلّل خسائرها إلي الحد الادني.
ـــ نجاح المقاومة في تأمين منظومة اتّصالات متطوّرة إستحال قطعها أو التشويش عليها من طرف العدوّ.
ـــ الفشل الذريع لسلاح الجوّ الإسرائيلي في تحطيم منصّات إطلاق صواريخ المقاومة.
ـــ القدرة الفائقة للمقاومة علي تعيين الأهداف و التّحكم في جرعات وزخّات الصّواريخ التي تساقطت بوتيرة يومية رغم طول مدي الحرب.
ـــ تمكّن المقاومة من تحييد و شلّ سلاح البحريّة للعدوّ بعد ضرب و تدمير إحدي اكبر البوارج "الاسرائلية".
ـــ اعتماد العبوات النّاسفة في الطّرق البريّة السّهلة و الأسلحة المضادة للدّبابات في الطّرق الوعرة مما أفشل خطط العدو في التسلل و الاختراق وفي الحفاظ علي الأرض.
ـــ إجبار إسرائيل علي القبول بوقف إطلاق النار بعد فشلها في فرض شروط مذلّة علي المقاومة أهمها تسليم الجنديين الأسيرين.
ـــ قبول كل الأطراف بالقرار الاممي 1701 و القاضي بنشر قوات أمميّة بالجنوب و إنشاء منطقة خالية من المسلّحين و العتاد الحربي بين الخطّ الأزرق و نهر الليطاني.
ـــ الفشل ألاستخباراتي الإسرائيلي الذّريع في اختراق مراكز القرار و التنفيذ للمقاومة رغم تواجد عدد من جواسيسه و عملائه بالجنوب.
ـــ أخيرا لا يفوتني أن أشير إلي تداعيات نتائج الحرب علي القرار السياسي للمقاومة سواءا كان خطأ أم صوابا.
قواسم مشتركة بين الحربين
ـــ أهميّة المعنويات في تحديد نتائج الحرب إذ خاض المقاتلون المعارك و هم يهتفون "الله اكبر" تلك الكلمة التي زلزلت أكثر الحصون مناعة في التاريخ.
ـــ أهمية حسن القيادة و التسيير و التّرابط العضوي بين مختلف الأفراد و الوحدات.
أجاب ضابط إسرائيلي عن أسباب انتصارهم في حرب 67 بأن الضابط الإسرائيلي كان يقول لجنوده إتبعوني في حين كان الضابط العربي يقول لجنوده تقدّموا لكن في الحربين المذكورين حدث العكس !!!
ـــ أهميّة التّكامل و التّنسيق بين السّياسي و العسكري و الإعلامي.
ــ أهمية حجب المعلومات عن العدو باتّخاذ إجراءات مانعة للاختراق و التجسّس.
ـــ أهميّة الّتعاون العربي و الإسلامي المشترك و دوره في إكساب المقاتل علي الميدان الثقة و الإصرار علي النصر أو الشهادة.
اهم المؤثرات المستقبلية في الحرب القادمة
ـــ دخول منظومة دفاع جوي متطوّرة إلى الميدان ممّا قد تسبّب في شل فاعلية سلاح الجو الإسرائيلي صاحب اليد الطويلة في كل الحروب.
ـــ إشراك صواريخ ارض ارض طويلة المدى ذات قوة تدميرية هائلة و دقة كبيرة في إصابة الهدف مما سيؤثر علي الشّارع "الإسرائيلي" ليتحوّل إلي قوة ضغط علي حكومته مع استفحال ظاهرة الهجرة المعاكسة خارج الكيان.
ـــ محاصرة "إسرائيل" من كل من غزة و لبنان سوريا بقوي ودول و تنظيمات تنسّق فيما بينها مع تنامي القدرات العسكرية الهائلة لبقية دول المواجهة.
ـــ تحطم أسطورة الحليف "الإسرائيلي" الذي لا يهزم و اعني به الجيش الأمريكي نتيجة انغماسه في وحل العراق و أفغانستان ووقوعه هناك فريسة لأعمال المقاومة التي نجحت في استنزافه و إرباكه وإلحاق خسائر كبيرة به.
ـــ سقوط نظرية الشرق الأوسط الكبير و التي كانت ستعدّ المنطقة لتكون علي مقاس "إسرائيل" و حلفاءها.
ـــ التطور الكبير لمنظومة الإعلام و التدريب لدول و منظمات المواجهة التي تعدّ الأفراد لمراحل ما قبل و أثناء و بعد المعركة.
......................................
ملاحظة : كتبت هذا المقال ذات ذكرى مجيدة لحرب أكتوبر رمضان 73.
"إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبّت أقدامكم" ... صدق الله العظيم.
نيسان ـ نشر في 2015/10/07 الساعة 00:00