بين رمضانين .. الوقت ليس في صالح إسرائيل

د.محمد المومني
نيسان ـ نشر في 2022/05/21 الساعة 00:00
لافت جدا ومهم محتوى النقاش الدائر في إسرائيل حول الأحداث الأمنية والعنف المتتابع وأثره على إسرائيل سياسيا. يستعيد الإسرائيليون النقاش حول أبجديات الأمن والاستقرار، وأن الوقت ليس في صالح إسرائيل، ولذلك فعليها صنع السلام مع الشعب الفلسطيني، وأن تنهي دوامة الاحتلال وتوقف أحلام اليمين الإسرائيلي الدينية، ولا بد أن تنتهي معادلة “الدولة واللادولة” التي يعيش تحتها الفلسطينيون فهم “أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي”. اندفاع نخبوي قوي في إسرائيل باتجاه أن علينا فك الاشتباك مع الفلسطينيين، وألا تبقى إسرائيل محتلة لملايين الفلسطينيين وأراضيهم، وأن الطموح الديني لليمين الإسرائيلي ضار وخطير على معادلة الأمن الإسرائيلية. مزيد من العقلاء هناك من رسميين وقادة رأي خلصوا لنتيجة أن الوضع الحالي غير مستدام، وأنه لا بد من استدارة تعطي الفلسطينيين دورهم الكامل في إدارة شؤونهم، وهذا يتسنى عن طريق إقامة دولتهم كاملة السيادة، وأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي ضرب من ضروب المستحيل.
تطورات الأحداث التي حفزت هذا النقاش في إسرائيل بدأت في رمضان قبل الماضي، في إنتاج صورة بهية للمقاومة السلمية من قبل المقدسيين، مقاومة اقتربت من نموذج العصيان المدني الذي جلب الكثير من التعاطف الدولي غير المسبوق، عندما رأى العالم الفلسطينيين العزّل يقاومون شرطة مدججة بالسلاح طلبا لحقهم في العبادة، يتعرضون للاعتقال والضرب.
ثم تابع الفلسطينون في هذا الرمضان طريقا شبيها، فكانت صورهم يصلون ويتعبدون وصور الشرطة الإسرائيلية تقتحم المساجد وتكسر الزجاج تضرب وتعتقل. هذا الإمعان الإسرائيلي أننا هنا نفرض الأمن كانت له تكلفة سياسية هائلة أطاحت بالانطباع والأمج الذي برعت إسرائيل في رسمه عن نفسها. بات العالم يرى تجبرا للقوي الإسرائيلي على الضعيف الأعزل الفلسطيني. ثم وبعد هذه الأحداث في الرمضانين، أتى اغتيال الشهيدة شيرين أبو عاقلة، في حادثة روعت العالم، وكان حجم خسارة إسرائيل من جراء ذلك لا يقدر بثمن. تبعه الاعتداء على جنازتها في فعل لا يقدم عليه إلا الدول المارقة التي لا تعرف قيمة لكرامة الميت وجنازته، وهو خروج حتى عن أبسط مبادئ الحرب، فحتى الجيوش المتقاتلة كانت تسمح لبعضها بأخذ الضحايا ودفنهم بسلام. شيرين أبو عاقلة جلبت حجم تعاطف هائلا للشعب الفلسطيني وبدت إسرائيل القوي المتجبر الرافض إعطاء ملايين البشر حقوقهم السياسية وكرامتهم الوطنية.
دروس كبيرة نتعلمها مما جرى ويجري، فمواجهة الاحتلال باللاعنف أداة ذات أثر فعال وعميق ومؤثر على المستوى الدولي الحاسم لجهة دعم إسرائيل. إنها معركة الانطباع والأمج الذي بدأ ينتصر فيه الفلسطينيون عندما استخدموا أسلوب العصيان المدني والمقاومة باللاعنف، وبدأوا ينشرون معاناتهم في السوشال ميديا لتصل الى كل أصقاع العالم. الوقت في صالحهم وليس في صالح إسرائيل، فقيام دولتهم كاملة السيادة ونيل حقوقهم الوطنية باتا مسألة وقت ليس أكثر.
(الغد)
    نيسان ـ نشر في 2022/05/21 الساعة 00:00