كارثة العقبة.. (عوروها) وهم يحاولون تكحيلها فاتسع الفتق على الراتق

نيسان ـ نشر في 2022/06/28 الساعة 00:00
إبراهيم قبيلات..
إذا كانت البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فإن ما جرى في العقبة كان متوقعاً والغموض كان في التوقيت.
قلنا لهم ولم يستجيبوا لنا، وأبلغونا أن كل الامور على ما يرام، ونحن نرى انها ليست بخير، منذ ان سقط أحد عمال الميناء العام الماضي خلال عمله.
هذا ما قاله رئيس اللجنة النقابية لادارة وتشغيل الموانئ أحمد سعود العمايرة، إذن، العاملون في الميناء كانوا فقط في انتظار الإجابة عن سؤال متى ستقع الكارثة وليس هل ستقع؟.
نحن أمام حصيلة أخطاء وقصور لم تنكشف في لحظة، بل كانت هناك ترتيبات واعية لها منذ البدء ثم خطفت أرواح بريئة.
ولأننا أمام مسؤولين بنكهة أردنية سيواصل الرسميون التصريحات عن تشكيل لجان تحقيق، وأنهم سيفعلون ويقومون ووو. وهم يعلمون اننا سننسى كما نسينا حوادث لن تصل خيوطها لرؤوس كبيرة، ولن يتحمل وزر (الخطيئة) سوى صغار الموظفين .
العارفون ببواطن الأمور ومنهم العمايرة وآخرون كشفوا أن الميناء الذي شهد سقوط وانفجار صهريج غاز سام، أمس الاثنين، في ميناء العقبة غير مجهز بالمعدات الوقائية، ولا بالمواد اللازمة لمكافحة الكلورين، كما لا توجد خطة طوارئ معدة مسبقاً للتعامل مع أي حادث من هذا النوع، ولم ينفذ المعنيون تمريناً وهمياً واحداً للتدرب على التعامل مع حادث تسريب غاز الكلورين.
المكان الوحيد المجهز للتعامل مع هذه الحوادث في العقبة هو ميناء الحاويات (ACT)، وهو الميناء المزود بفريق طوارئ ومعدات وقائية ومواد مكافحة يمكن استخدامها، كما انه الميناء الوحيد الذي نفذ تمارين وهمية لتسريب غازات من نفس النوع.
إنهم يقومون بالتمارين في المكان الآمن.
هذا النوع من المواد الخطرة في القانون الأردني يحتاج لمرافقة أمنية، فالقانون يلزم الجميع بعدم تحريك أي سيارة تنقل وتحمل صهاريج مواد خطرة دون مرافقة أمنية، لكننا في كارثة العقة لم نر شيئاً من ذلك، بل إننا رأينا حالة من الهلع تسيطر على المكان.
ويضم مجمع الصناعات في (الجنوبي) الكثير من الشركات التي تتعامل مع المواد الكيميائية، ومنها البوتاس والفوسفات وكيمابكو ومصفاة البترول وجوتكو، ومن المفترض أن يكون هناك خطة طوارئ وفريق محترف، ومدرب، ومؤهل للتعامل مع مكافحة تسرب المواد الكيميائية داخل التجمع، لكن الأمس عرّى كل ذلك، وظهر الجميع متخبطاً لا يعلم أين يضع قدمه، وكيف يتعامل مع الحادثة.
ليس هذا الحادث الأول في هذه المنطقة، فذاكرة (قوقل) تقول أن مصفاة البترول شهدت حريقا قبل عام تقريباً، فماذا فعلنا؟.
شكلنا لجنة تحقيق وأنشأنا (مجموعة) واتساب للطوارئ.
تخيلوا!!
مجموعة واتس أب لمكافحة الحوادث؟ ويا ليتهم تواصلوا من خلاله يوم أمس وضبطوا إيقاع مشهدنا المنفلت.
ثم ألا يعلم المسؤولون أن بعض الشركات مجهزة ومعدة وتمتلك فرق طوارئ للتعامل مع المواد الخطرة، من هذا النوع، لماذا لم نستعن بشركة (برومين الأردن)، وبخبراتهم أثناء الحادثة وبعدها؟.
بالأمس رأينا الفرق ترش الماء على الصهريج لكن الخبراء يقولون إن الماء يتفاعل مع الكلورين وينتج حمض الهيدروكلوريك الذي يسبب تآكل لجسم الصهريج ويزيد من شقوق التسرب.
هذا يعني عوروها وهم يحاولون تكحيلها؟
ثم ألا يعلم قومنا إن هذه الروافع غير مخصصة لمناولة حاويات من هذا النوع ؟! وألا يعرفون ان هناك روافع خاصة (جرنتي) في ميناء الحاويات تستخدم لتحميل البواخر؟! .
المسؤولون منهمكون في تفاصيل السلك (السلنغ واير)، وسيخبروننا أنه مهترئ، لكن ما عليهم الالتفات إليه هو ما يقوله أيضاً الخبراء في هذه الجزئية.
الخبراء يقولون حتى لو كان السلك في حالة الوكالة، فلا يجوز أن يحملوا فيه هكذا حاويات، بل إن الصحيح يكون بالاستعانة بروافع خاصة اسمها؛ الروافع الجسرية ( ship-to-shore cranes) أو الروافع الجسرية المسيرة على اطارات (rubber tire gantry) RTG).
نحن أمام جريمة مكتملة العناصر، جريمة كشفت ظهور مؤسساتنا وإدارات لا هم لها إلا رواتبها وامتيازاتها فيما تغرق مؤساتنا برمال الحسرة وخيبة الآمال.
رحم الله الضحايا، وعافى كوادر مؤسساتنا الأمنية التي عملت كل ما بوسعها، وعوضنا عن هؤلاء المسؤولين فقد اتسع الفتق على الراتق.
    نيسان ـ نشر في 2022/06/28 الساعة 00:00