ماجد شاهين يكتب: (ونحن ُ نعد ّ  ُ أوقات َ الرصيف!)

نيسان ـ نشر في 2015/10/12 الساعة 00:00
( 1 ) فتافيت ! القصاصات التي ندسّها في جيوب القمصان أو في مخابيء بعيداً عن أعين الناس أو في خزائن عتيقة ، تلك تحمل الكثير من أسرارنا و ذكرياتنا و مواقفنا ويوميّاتنا الفائتة و حكايات سيرتنا .. و تحمل ، أكثر ما تحمل ، أوجاعنا التي كانت والتي صارت والتي تركت ندوباً في ملامحنا أو علامات مؤثرة في حياتنا . .. القصاصات ، دائماً عناوين ومحطات وجع ، إضافة إلى كونها دفاتر ذاكرة . .. القصاصات التي عليها " نتف كلامنا و حروفنا " تشكل و جهاً حقيقياً لرواية الحياة و فيها رائحتنا و أشياء تشبهنا . .. القصاصات نحن بما نحمل من تقلّبات و أحوال و أسرار . ( 2 ) في القبور ! الحقائب التي نحملها ، منفردين ، إلى قبورنا ، لا تشبه تلك الحقائب التي يحملها المسافرون أو تلك التي يحملها العائدون من الأسواق ومن الأشواق ومن الرحلات المترفة ومن البنوك ومن البحار ومن منازلات في الديار والأمصار ! .. الحقائب التي نحملها إلى القبور و قد لا يراها أحد من المشيّعين أو الأصدقاء الذين غابوا أو الحاضرين ، تلك لا تشبه حقائب يدسّ فيها الناس نقودا ً أو مالا ً أو أوراقاً تتعلّق بالاسم والعائلة والذاكرة والتاريخ والأصل ِ والفصل والجغرافيا والسطوة والعزوة والحظوة . .. حقائبنا التي نحملها إلى القبور ، و لا يعرف عنها في العادة نفر ٌ كثير ، هذه حقائب أسرارنا التي في الروح و الخلجات والوجدان الحميم ، هذه لا تشبه دفاتر الأرقام ولا دفاتر الأحلام ولا تشبه العلامات الفارقة التي كان أحدهم يضعها سمّة ملازمة لنا . .. الحقائب التي نحملها إلى القبور ولا يراها أحد ، تلك لا تحمل أوراقا ً ثبوتية لساكن القبر حول أحقيّته في أن يُدفن هنا . .. حقائبنا التي نحملها إلى القبور ، نحملها منفردين ولا نحمل فيها شيئاً عن المرحوم جدّنا التاسع ولا عن مخارج الحروف في ألسنتنا . ... الحقائب ، تلك التي لا تشبه الحقائب ، و نأخذها إلى القبور ، فيها أسئلة عميقة ، و حين نُسأل هناك : )لا نُحاسب ُ فيها على لهجاتنا ولا على مواعيد ولاداتنا و لا على مطارح الصبا ( . . ( 3 ) أزمة ! في الأزمات الكبرى ، و الانشطارات العميقة و فصول الدم ، كما الأحوال الآن : ينشغل المثقفون العرب والمحليّون و كل من يشتغل في ميدان ومجالات الثقافة بأدوارهم التقليديّة التي تقوم على ترويج الفعل الاجتماعيّ بديلا ً عن الثقافيّ المعاضد والمساند لأحوال الناس و أوجاعهم . المثقفون و من يلتحقون بركب الثقافة و من يحاولون الاقتراب من عناوين ومسارح الثقافة أو ممن يزعمون أنهم مثقفون وعارفون ، أو من الذين اشتغلوا في " الفزعة الثقافية " و نأوا بعد ذلك ، كلهم انتهجوا درب الاكتفاء بالفرجة أو بالتصفيق الاجتماعيّ أو البرامجيّ أو الإداريّ المرتبط بأعمال تنموية محليّة لا تقترب من الثقافة في العمق ، بل تحاول ملامسة عناوينها . نقرّ بوجود أزمة كبرى في الشأن الثقافيّ و أحواله و يتبدّى الأمر جليّا ً في انقسامات و انحيازات المثقفين و أعوانهم و أصدقائهم ، حيال المشهد العربيّ برمّته جميعها . المثقفون العرب ، الآن و في الحالة الملتهبة للمشهد ، نأوا بأنفسهم واكتفوا بالفرجة ، أو هاجروا .. أو انشغلوا برغيف الخبز ! .. لا أريد القول أن ّ كثيرا ً منهم بانت سوءته و انكشف عن فراغ ٍ و وهم . ( 4 ) مؤامرة ! المحارب ُ القديم ، حين خاض حربه الأخيرة ، لم يخسر مثلما يحدث للمقاتلين المدججين بالنياشين والأسمال ! .. المحارب القديم ، فقد رأسه و احتفظ بــ ِ خوذته مانعة الصواعق والصدى .. فقد ثلاثة أرباع ساقه واحتفظ بحذاء ثقيل .. فقد قفصه الصدري و أحشاءه واحتفظ بسترة واقية . .. المحارب القديم ، لم يخسر كثيراً ، ولا نزال نحتفي بــ ِ نياشينه و رصاصات بندقيّته و علية سجائره التي ظلّت على حالها . .. المحارب القديم ، ترك لنا بزّته العسكرية و بصطاره و خوذته و علبة سجائر و راتباً تقاعدياً ينفع لشراء رطلين من البندورة و أرغفة . .. المحارب القديم ذاته الذي عاد بلا ملامح من معاركه الضارية كلّها ، رجع و لم يخسر شيئاً ، فكلّ ما في الأمر أنه ترك لنا حذاء أنيقاً و صورة له مع بندقيّته و ذهب بعيداً في الموت . المحارب القديم ، ترك لنا الحجارة على حالها والشجر و الأسمال والأحذية و رسائل عتيقة كانت تصل إليه من خطيبته .. المحارب القديم مات . المحارب القديم مات ولا يزال يقول في قبره : إنّها مؤامرة !
    نيسان ـ نشر في 2015/10/12 الساعة 00:00