التكامل الاقتصادي الإقليمي

د.محمد المومني
نيسان ـ نشر في 2022/08/20 الساعة 00:00
رغم كم الفرص الاقتصادية الهائل الموجود في إقليم الشرق الأوسط، ما تزال العديد من الدول تعاني اقتصاديا بشكل كبير، من معدلات نمو منخفضة ومعدلات بطالة وفقر مرتفعة. الشرق الأوسط يعاني الأمرين من انعدام العدالة الاقتصادية، ومن وجود اقتصادات متقدمة مجاورة لأخرى فقيرة، وهذا حال لا يسر، فانعدام العدالة الاقتصادية كان السبب الأساس لكثير من الحروب بين دول العالم خاصة أوروبا، ولم تهدأ الأمور وتستقر ويعم السلم، إلا بعد أن أدركت أوروبا أنه لا بد من مواجهة اللاعدالة الاقتصادية، فأتت بالفكرة العبقرية التي تتمثل بالاعتماد المتبادل، وفيها يكون النشاط الاقتصادي تكامليا بين الدول، ويستفيد الجميع من الازدهار، ويعم السلم لأن ازدهار اقتصادات أعداء الأمس أصبح مصلحة فذلك يعود بالاستقرار على الجميع. أصبح ازدهار الاقتصاد الألماني مصلحة للعدوة التاريخية فرنسا، لأن السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد الفرنسي تسوق في ألمانيا، فإن مس ذلك الاقتصاد شيء فإنما يمس الاقتصاد الفرنسي. كذلك الحال بين اليابان وأميركا وأوروبا، فكلهم يعتمدون على بعضهم بعضا، وتراجع أو تعثر أي منهم يعود بالسوء على الجميع. الحال ذاته مع الصين الصاعدة اقتصاديا، فتراجع اقتصادات العالم سوف يؤثر على أسواق منتجاتها، لذا فهي صاحبة مصلحة بعدم تعثرهم، بل بنموهم وازدهارهم.
هذا المنطق والتفكير يجب أن يحدث في الشرق الأوسط، الذي ما يزال بعيدا كل البعد عن تبني فكرة الاعتماد المتبادل، والدول فيه ما تزال تعمل بطرق الانعزال الاقتصادي، وتفكر بطريقة الاكتفاء السيادي الذاتي، سائرة على نهج القرن التاسع عشر وبداية العشرين، ولم تتبنّ أو تقبل بعد أن لا اقتصاد يمكنه الاكتفاء ذاتيا في الزمان الذي نعيش فيه، وأن الأفضل والأولى أن تتكامل الدول بين عناصر الإنتاج والاستهلاك، وهذا يعود بالخير على الجميع اقتصاديا، فيزيد من الازدهار، ويعود أيضا بالخير على معادلة الأمن والاستقرار، فتزداد رغبة الدول بالنحو باتجاه السلم والتفاوض، وتنأى عن تهديد الآخرين، لأن ازدهارهم من ازدهارها. الشرق الأوسط يعاني الآن لأن فيه اقتصادات غنية مثل دول الخليج وتركيا وإسرائيل، وأخرى تعاني الفقر والبطالة، والأولى أن تتكامل هذه الدول لأن ذلك يزيد من الازدهار، ويحقق السلم.
ثمة قناعة متصاعدة في الشرق الأوسط، أن الدول الغنية ذات الموارد والإمكانات الاقتصادية الكبيرة لن تزدهر، ولن تنعم بالسلم، وهي محاطة بالفقر والبطالة بالدول من حولها، وأن الأولى والأفضل للجميع أن تتكامل عناصر الإنتاج، وأن يتم خلق حالة من الاعتماد المتبادل بين الدول كافة، تماما كما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فمن شأن ذلك أن يعزز الرفاه والاستقرار، ويرسخ الأمن والاستقرار، وهذا خير ومصلحة للجميع، المستفيد منها الدول الغنية الساعية لمزيد من النماء والسلام، وأيضا الدول الفقيرة التي ستسد عوزها وتنمي اقتصاداتها. البطالة والفقر قنبلتان موقوتتان ليس على الدول التي تعاني منها فقط، بل على دول الإقليم كافة وعلى معادلة الأمن والاستقرار الإقليمية.

الغد
    نيسان ـ نشر في 2022/08/20 الساعة 00:00