اللويبدة
نيسان ـ نشر في 2022/09/16 الساعة 00:00
ذكرياتي في جبل اللويبدة محدودة، تجولت فيه عدة مرات، كنت اسارع إلى الهرب منه، لم أكن استسغ تحوله إلى مقاهي للاراجيل والقهوة والشاي والمطاعم وإعادة استثمار الاموال - كذبة كبيرة أن تجد مقهى يعج بالزوار في داخله مكتبة لا يقرأ كتبها أحد لكن وجودها استكمال للديكور والبرستيج - إذ يروجُ لدى جيل الشباب أن المنطقة تمتلك من الحرية وعدم الرقابة ما لا تملكه غيرها كمكان " حر " للشرب والتعاطي مثلاً أو للقاء العشاق، البعض ربما يغضب، لكن هل يمكن إنكار هذا ؟ هذا القصد لا يشمل أهل وسكان المنطقة، بل ما احتل وحل بهم من مقاهي وزوار ثقلاء دم، اسألوا أهل المنطقة عن ذلك.
زرت الحي للقاء ناهض حتر أكثر من مرة، كان يملك بيتاً جميلاً هناك، زرته للقاء عدد من الصديقات والأصدقاء، زرته للقاء باسم سكجها وأخذ عدداً من مجلة اللويبدة هو يستأجر بيتاً جعله مقر للمجلة، التقيت مع أحمد حسن الزعبي، وغسان مفاضلة، موسى حجازين ويوسف غيشان، حضرت عدد من فعاليات، لم " أحتسي القهوة " ولم امثل دور اليساري أو العدمي الذي يهدد الدولة، درست بدايات اللغة الإنجليزية هناك، التقيت بالكثير قبل أن انقلب على " ذاتي " لكنني لم أكن من عشاق المكان بكل تشوهاته وغلاء اسعاره، مكان صار شبيها بالارجيلة!
لهذا لا تربطني بالمكان قيم حقيقية كما وسط البلد الأقرب إلى ذهني، أقرب لأنه انعكاس للبساطة، لا البرجوازية المغلفة برداء التراث والمال المعاد تدويره.
هل اللويبدة ترتبط بالزمان والمكان " العماني " هذه الإجابة قاسية على البعض، إن قالوا ( لا ) تعرضوا للانتقاد، وإن قالوا ( نعم ) تتفجر الأسئلة بوجه الجميع، اقلها لماذا جعلوا من الجبل مقهى كبير جدًا وأسهموا في تشويه هدوءه وقيمته كمكان؟ لماذا اختفت رائحة الياسمين الدمشقي ليحل مكانها رائحة الاراجيل، لماذا سقط الزمان ليبدأ من مشاريعهم فقط؟ لماذا لم تلتفت الحكومة إلى إعادة الترميم والتأهيل من جديد؟
لنتحدث بعيدًا عن العواطف المرهفة قليلاً، في الأشهر الماضية كثر " الهرج " عن حي " الطفايلة " وقبلها بسنوات أُعيد استثمار منطقة العبدلي لتصير خارج " الزمان و المكان الأردني هذا الخروج وبحكم " سطوة المال " عاجلًا أم اجلًا لابد أن يتمدد، ليبتلع اللويبدة المتاخمة للعبدلي سيما وأن لا قرار حكومي يمنع ذلك.
المنطقة ربما يرونها بعين التاجر " عشوائية " محاصرة بغابات من الأسمنت تحول دون تطوير العاصمة، كما لا تضم في جنباتها مواقع أثرية كما وسط البلد، ذكرياتها ترتبط بفترة زمنية معاصرة، لا تاريخية ضاربة في العمق، لذا يصير إعادة تشكيلها لتصير حي راقي أولوية في أفكارهم.
هنا تتحول مشكلة مثل إنهيار عمارة سكنية إلى وسيلة لتحقيق الغاية، وخدمة مجانية للعقل الذي يخطط لعمان وفق نظريات " أيام الأردن الأجمل لم تأت بعد " وكأن العبارات " الفلسفية الطوباوية " اعتراف أن أيام الأردنيين من السوء والسواد والحزن والوجع ما يشبه الانهيار، ففي كل زاوية في هذا الوطن ثمة اللويبدة وضحايا !
في تاريخها، الذي شكل اللويبدة - جهد جمعي - المكان كان يمتلك ذوقًا رفيعاً شاعرياً، ما أن خرج منه حتى صار عشوائيًا - الهروب ارتبط بفترة زمنية مأساوية - بيت بسيط تعلوه عمارة من طوابق، منزل محاط بالورد والياسمين إلى جانب خرابة تحولت إلى مكب نفايات، متحف فن تشكيلي أمامه حديقة اشجارها تصرخ وتعاني، دوار باريس مكان ذو رائحة نتنة !
هل ثمة عودة تمكن الأردني من استعادة مشاهد الأمس، تمكنه من فهم المكان، صور جميلة مرسومة في ذهنية الأردني، نعم، اهربوا إلى ما كتبه العبقري عبد الرحمن منيف في كتابه عامان في عمان، انظروا في قسوة الكتابة والرصاص بيد تيسير السبول، أو فيما خلطة ماخطه زياد القاسم في رواية أبناء القلعة، أو ما كتبه حسني فريز، وتوقف عند رواية سلطانة للكبير غالب هلسا، وما كتبه يساري ملتزم مثل منيف الرزاز .
لا فيما " يكتبه صحفيو المدح الكاذب " ممن يسبحون في سبيل الرئيس ورضى الأمين قدس الله سرهما !
المحزن أن في المكان العديد من المؤسسات لم تقدم شيئاً، رابطة الفن التشكيلي، نقابة الفنانين، بيت الشعر، المتحف الوطني، دارة الفنون، دائرة الأراضي، مسارح ومراكز ثقافية وغيرها، الحجة ربما تكون لا يوجد تمويل أو قبول حكومي، لكن هل هذا يمنع المؤسسات من تزين وتجميل وترتيب وتنظيف وجهاتها لتعكس صورتها.
إن أردتم رؤية الفوضى اذهبوا إلى الشوارع المؤدية إلى دائرة الأراضي أو إلى دوار العربي بن المهيدي " باريس سابقًا والكلية الإسلامية أو إلى مدرسة وكيلة سرقسطة، غياب للنظافة والتنظيف، محيط الجبل اعشاب مازالت شاهدة على تقصير أمانة عمان يمكن أن تشتعل بأي لحظة.
هنا تصاب بالارتباك، تطالع تداخل المشاهد التي شوهت الحقيقة، فالمكان ينشرخ بين بناء قديم وآخر حديث، بعيداً عن كذبة المدنية والحداثة، هناك على التخوم حي في بداية الرفاهية وآخر في نهاية الفقر.
الآن اكتشفنا المكان، لكن بعد أن خسرنا أرواح وأحلام وكان من الممكن أن تصنع فارقاً في الحياة
زرت الحي للقاء ناهض حتر أكثر من مرة، كان يملك بيتاً جميلاً هناك، زرته للقاء عدد من الصديقات والأصدقاء، زرته للقاء باسم سكجها وأخذ عدداً من مجلة اللويبدة هو يستأجر بيتاً جعله مقر للمجلة، التقيت مع أحمد حسن الزعبي، وغسان مفاضلة، موسى حجازين ويوسف غيشان، حضرت عدد من فعاليات، لم " أحتسي القهوة " ولم امثل دور اليساري أو العدمي الذي يهدد الدولة، درست بدايات اللغة الإنجليزية هناك، التقيت بالكثير قبل أن انقلب على " ذاتي " لكنني لم أكن من عشاق المكان بكل تشوهاته وغلاء اسعاره، مكان صار شبيها بالارجيلة!
لهذا لا تربطني بالمكان قيم حقيقية كما وسط البلد الأقرب إلى ذهني، أقرب لأنه انعكاس للبساطة، لا البرجوازية المغلفة برداء التراث والمال المعاد تدويره.
هل اللويبدة ترتبط بالزمان والمكان " العماني " هذه الإجابة قاسية على البعض، إن قالوا ( لا ) تعرضوا للانتقاد، وإن قالوا ( نعم ) تتفجر الأسئلة بوجه الجميع، اقلها لماذا جعلوا من الجبل مقهى كبير جدًا وأسهموا في تشويه هدوءه وقيمته كمكان؟ لماذا اختفت رائحة الياسمين الدمشقي ليحل مكانها رائحة الاراجيل، لماذا سقط الزمان ليبدأ من مشاريعهم فقط؟ لماذا لم تلتفت الحكومة إلى إعادة الترميم والتأهيل من جديد؟
لنتحدث بعيدًا عن العواطف المرهفة قليلاً، في الأشهر الماضية كثر " الهرج " عن حي " الطفايلة " وقبلها بسنوات أُعيد استثمار منطقة العبدلي لتصير خارج " الزمان و المكان الأردني هذا الخروج وبحكم " سطوة المال " عاجلًا أم اجلًا لابد أن يتمدد، ليبتلع اللويبدة المتاخمة للعبدلي سيما وأن لا قرار حكومي يمنع ذلك.
المنطقة ربما يرونها بعين التاجر " عشوائية " محاصرة بغابات من الأسمنت تحول دون تطوير العاصمة، كما لا تضم في جنباتها مواقع أثرية كما وسط البلد، ذكرياتها ترتبط بفترة زمنية معاصرة، لا تاريخية ضاربة في العمق، لذا يصير إعادة تشكيلها لتصير حي راقي أولوية في أفكارهم.
هنا تتحول مشكلة مثل إنهيار عمارة سكنية إلى وسيلة لتحقيق الغاية، وخدمة مجانية للعقل الذي يخطط لعمان وفق نظريات " أيام الأردن الأجمل لم تأت بعد " وكأن العبارات " الفلسفية الطوباوية " اعتراف أن أيام الأردنيين من السوء والسواد والحزن والوجع ما يشبه الانهيار، ففي كل زاوية في هذا الوطن ثمة اللويبدة وضحايا !
في تاريخها، الذي شكل اللويبدة - جهد جمعي - المكان كان يمتلك ذوقًا رفيعاً شاعرياً، ما أن خرج منه حتى صار عشوائيًا - الهروب ارتبط بفترة زمنية مأساوية - بيت بسيط تعلوه عمارة من طوابق، منزل محاط بالورد والياسمين إلى جانب خرابة تحولت إلى مكب نفايات، متحف فن تشكيلي أمامه حديقة اشجارها تصرخ وتعاني، دوار باريس مكان ذو رائحة نتنة !
هل ثمة عودة تمكن الأردني من استعادة مشاهد الأمس، تمكنه من فهم المكان، صور جميلة مرسومة في ذهنية الأردني، نعم، اهربوا إلى ما كتبه العبقري عبد الرحمن منيف في كتابه عامان في عمان، انظروا في قسوة الكتابة والرصاص بيد تيسير السبول، أو فيما خلطة ماخطه زياد القاسم في رواية أبناء القلعة، أو ما كتبه حسني فريز، وتوقف عند رواية سلطانة للكبير غالب هلسا، وما كتبه يساري ملتزم مثل منيف الرزاز .
لا فيما " يكتبه صحفيو المدح الكاذب " ممن يسبحون في سبيل الرئيس ورضى الأمين قدس الله سرهما !
المحزن أن في المكان العديد من المؤسسات لم تقدم شيئاً، رابطة الفن التشكيلي، نقابة الفنانين، بيت الشعر، المتحف الوطني، دارة الفنون، دائرة الأراضي، مسارح ومراكز ثقافية وغيرها، الحجة ربما تكون لا يوجد تمويل أو قبول حكومي، لكن هل هذا يمنع المؤسسات من تزين وتجميل وترتيب وتنظيف وجهاتها لتعكس صورتها.
إن أردتم رؤية الفوضى اذهبوا إلى الشوارع المؤدية إلى دائرة الأراضي أو إلى دوار العربي بن المهيدي " باريس سابقًا والكلية الإسلامية أو إلى مدرسة وكيلة سرقسطة، غياب للنظافة والتنظيف، محيط الجبل اعشاب مازالت شاهدة على تقصير أمانة عمان يمكن أن تشتعل بأي لحظة.
هنا تصاب بالارتباك، تطالع تداخل المشاهد التي شوهت الحقيقة، فالمكان ينشرخ بين بناء قديم وآخر حديث، بعيداً عن كذبة المدنية والحداثة، هناك على التخوم حي في بداية الرفاهية وآخر في نهاية الفقر.
الآن اكتشفنا المكان، لكن بعد أن خسرنا أرواح وأحلام وكان من الممكن أن تصنع فارقاً في الحياة
نيسان ـ نشر في 2022/09/16 الساعة 00:00