الأردن: مشهد 'مافيا' و'فوضى تنتحل العشائرية' و'صحوة بعد غفوة رسمية'… وعروس اشترطت على العريس 'فحص مخدرات'
نيسان ـ نشر في 2022/09/23 الساعة 00:00
نقطة اشتباك لا يمكن الاستهانة بها عند أي رغبة في تحليل المشهد العام في الأردن، في المنطقة الغامضة الحائرة ما بين جريمة قتل جنائية بخلفية مرتبطة بعصابات وشبكات الاتجار بالمخدرات على طريقة الأفلام السينمائية، وما بين سلسلة تواطؤ بيروقراطية واجتماعية تدرك أخطار الصمت على نشطاء المخدرات وتدفع ثمنها عبر المساس بهيبة القانون وصحة المجتمع دون أن تتحرك بالمقابل في الاتجاه السليم ولو دفاعاً عن الذات.
ما حصل الأسبوع الماضي في منطقة شفا بدران تحديداً غربي العاصمة الأردنية عمان، جزء من إحياء هذه الذاكرة السلبية. يتحرك مطلوب للقانون على ذمة قضية مخدرات، وحسب معلومات رسمية لم تعلن برفقة مشاركين آخرين وبطريقة تنتمي إلى عالم المافيات، فيقتل شخصاً في سيارته بعد إحاطتها بعدة سيارات في وضح النار. ويطلق الرصاص على مناطق محددة في جسد الضحية هنا، وتلوذ مجموعة التنفيذ بالفرار.
لاحقاً، يشعل الاضطراب الأمني المنطقة ويخيف أهلها ثم يخيف الأردنيين جميعاً جراء التقاط المفارقة الكامنة، فيما يمكن أن تقود إليه سلسلة التواطؤات السابقة مع شبكة المصالح الانتهازية المرتبطة بمفاجآت عالم المخدرات السفلي.
إشكالية أمنية
في رد الفعل إشكالية أمنية أساسية أيضاً تبرز على حساب منطق القانون والمؤسسات، فمجموعة من أقارب الضحية يختارون خمسة منازل لأقرباء القاتل في تلك الجريمة، ثم يحرقونها، وبين تلك المنازل واحد لعضو في مجلس النواب، وآخر لموظف قضائي رفيع لا علاقة له بالإشكالية برمتها.
وفي الأثناء طبعاً، يتطوع تحت ستار ما يسمى بـ»فورة الغضب» أشرار وأشقياء لإحراق سيارات في المكان. أحد المواطنين قال عبر منصات التواصل، إنه لا تربطه بالمجموعتين ولا بالعشيرتين ولا بأي طرف فيهما علاقة من أي صنف، وأن سيارته أحرقت وهي تقف أمام محل صيانة أثناء فورة الغضب التي يحاول البعض اليوم تبريرها.
سأل أردنيون بالمئات هنا: «من الذي يعوض المواطن الذي أحرقت سيارته رغم عدم وجود صلة بيه وبين طرفي الجريمة ثم المشاجرة؟». وأحدهم علق وسأل الدولة برمتها: عندما يعلق الأمر بجريمة قتل.. ما علاقة الأعراف والتقاليد الاجتماعية بجرائم القتل؟
كالعادة، وتجنباً لتداعيات فورة الغضب المألوفة في بعض المناطق، تحركت إدارة الحاكم الإداري والأمن في المنطقة وفقاً للبروتوكول البيروقراطي الأمني المعروف، حيث ترتبت عطوة أمنية سريعة لحقن الدماء ثم تعزيزات من الدرك وقوات الأمن، ثم تشكيل لجان تحقيق بعمليات إحراق المنازل والممتلكات مع رسائل تحذير لكل الأطراف، فيما جريمة القتل نفسها تأخذ مسارها الطبيعي الجنائي والقانوني، ويتم الإعلان عن القبض بسرعة قياسية على القاتل على أمل المساهمة في تهدئة النفوس.
لكن النفوس لم تهدأ مع أن ما حصل برمته دليل للرأي العام على التداعيات الشريرة التي تنتج عن أي تواطؤ في أي وقت مرتبط بنشاط الاتجار بالمخدرات، ومع أن المطلوب اليوم من عشائر وعائلات ومكونات الأردنيين حماية نفسها والأصحاء منها عبر نبذ نشاطات المخدرات، لا بل الإبلاغ عن المتورطين وتسليمهم للسلطات والتعاون مع مديرية الأمن العام التي أعلنت حرباً حتى النهاية على تجار الموت.
صحيح هنا أن تلك الحرب الأمنية يصفق لها المجتمع، لكن الصحيح أيضاً بأن بعض المفاصل في البنية الاجتماعية وبناء على تقدير الغرفة الأمنية أيضاً، لم تتحرك بعد في الاتجاه الصحيح بالتصدي لمشكلات المتورطين بالمخدرات أو نبذهم، فالعصبية الفرعية لا تزال توفر مساحة من التواطؤ، يدفع ثمنها اليوم الجميع، فيما يتجلى هنا واحد من أكثر تعقيدات ملف المخدرات المتدحرج والمقلق بين الأردنيين.
أزمة المخدرات
في حادثة شفا بدران على نحو أو آخر، ومع الاحترام لجميع مكونات المنطق العشائرية، دليل إضافي على الانجراف الذي يمكن أن يقود الجميع إليه، وعلى السكوت الاجتماعي عن نمو وزحف أزمة المخدرات الوطنية الداخلية.
حقناً للدماء، أرادت السلطات الحكومية تفعيل الأعراف والتقاليد العشائرية الراقية في التهدئة والسلام والمصالحة، وهو أمر اهتمت به وزارة الداخلية كما اهتمت به الإدارة المعنية بالديوان الملكي وبقية أجهزة الدولة، والخطوة الأولى الطبيعية هنا هي التأسيس لما يسمى بـ «عطوة الاعتراف بالجريمة».
عندما استعانت السلطات بشيخ قبيلة بني حسن ضيف الله القلاب، كان الهدف امتصاص الاحتقان في المنطقة، لكن ما ظهر في الأثناء هو خلاف على مبدأ تجميد بند ما يسمى بالجلوة العشائرية. وهو ترحيل عائلات بأكملها من أقارب الجاني، علماً بأن وزارة الداخلية كانت قبل أسابيع فقط قد أصرت على تجميد هذا البند من الأعراف باعتباره غير منصف وغير قانوني، وتم وضع إجراء محدد هنا أجمع عليه قادة جميع العشائر الأردنية.
وهو ما ذكره الشيخ ضيف الله القلاب شخصياً قبل الاحتجاج بالرصاص على كلامه من جهة بعض الغاضبين من طرف القتيل والمجني عليه، حيث أطلق الرصاص في الهواء فأخفق الترتيب بنسخته الأولى ثم أخفق في الثانية قبل أن تتحرك الماكينة الرسمية وتجبر جميع الأطراف على توثيق صك عطوة الاعتراف في مكتب الحاكم الإداري. في كل حال، وقوف الأجهزة الرسمية مع هذا النمط من الترتيبات العشائرية أقلق كل المعنيين بالدولة المدنية أو بدولة القانون، وتسبب بطرح تساؤلات عامة بعنوان «الغفوة» الرسمية.
استيقظت السلطات بعد موجة الاضطراب الأولى، واتخذ وزير الداخلية مازن الفراية موقفاً صلباً في رفض المساس بهيبة الدولة والقانون، وأصر مع المشايخ على الالتزام بما اتفق عليه سابقاً بخصوص منع عرف الجلوة والترحيل، ثم لعب الوزير الشاب خلف الستارة دوراً مفصلياً في الإصرار على مسألتين:
الأولى هي اكتمال التحقيق في الجريمة نفسها مع كل الأطراف المتورطة، حيث الانطباع باحتمالية وجود شركاء يجب أن تطالهم يد القانون.
والثانية هي رفض كل الضغوط للإفراج عمّن اعتقلوا بتهمة إثارة الشغب وإحراق منازل الغير من أقرباء المغدور في الجريمة الأساسية، حيث اتخذ قرار بإحالة 10 موقوفين من هؤلاء إلى القضاء بعد عصر الأربعاء الماضي، ثم صرحت مديرية الأمن بأنها تبحث عن متورطين آخرين شاركوا الشغب.
هيبة الدولة هنا استيقظت متأخرة قليلاً، لكن الأمور تعود إلى نصابها بهذه الطريقة، والحكومة وجدت نفسها مضطرة للإجابة على سؤال من وزن: أين الدولة؟
في المقابل، وجهت رسائل لمن يستطيع هضمها وفهمها. لكن الأهم تلمس ذلك الانطباع القائل بأن حجم مشكلة المخدرات في عمق المجتمع الأردني أكبر بكثير ما يعتقد الجميع، وأن الصمت والتواطؤ الاجتماعي هنا حصراً يعيق حرب الدولة على تجار المخدرات دون الإقرار بذلك، بدلالة ما أعلنته إحدى عائلات العاصمة أمس الأول وبصورة نادرة عندما اشترطت إجراء فحص المخدرات على عريس شاب تقدم لخطبة إحدى فتيات تلك العائلة.القدس العربي
ما حصل الأسبوع الماضي في منطقة شفا بدران تحديداً غربي العاصمة الأردنية عمان، جزء من إحياء هذه الذاكرة السلبية. يتحرك مطلوب للقانون على ذمة قضية مخدرات، وحسب معلومات رسمية لم تعلن برفقة مشاركين آخرين وبطريقة تنتمي إلى عالم المافيات، فيقتل شخصاً في سيارته بعد إحاطتها بعدة سيارات في وضح النار. ويطلق الرصاص على مناطق محددة في جسد الضحية هنا، وتلوذ مجموعة التنفيذ بالفرار.
لاحقاً، يشعل الاضطراب الأمني المنطقة ويخيف أهلها ثم يخيف الأردنيين جميعاً جراء التقاط المفارقة الكامنة، فيما يمكن أن تقود إليه سلسلة التواطؤات السابقة مع شبكة المصالح الانتهازية المرتبطة بمفاجآت عالم المخدرات السفلي.
إشكالية أمنية
في رد الفعل إشكالية أمنية أساسية أيضاً تبرز على حساب منطق القانون والمؤسسات، فمجموعة من أقارب الضحية يختارون خمسة منازل لأقرباء القاتل في تلك الجريمة، ثم يحرقونها، وبين تلك المنازل واحد لعضو في مجلس النواب، وآخر لموظف قضائي رفيع لا علاقة له بالإشكالية برمتها.
وفي الأثناء طبعاً، يتطوع تحت ستار ما يسمى بـ»فورة الغضب» أشرار وأشقياء لإحراق سيارات في المكان. أحد المواطنين قال عبر منصات التواصل، إنه لا تربطه بالمجموعتين ولا بالعشيرتين ولا بأي طرف فيهما علاقة من أي صنف، وأن سيارته أحرقت وهي تقف أمام محل صيانة أثناء فورة الغضب التي يحاول البعض اليوم تبريرها.
سأل أردنيون بالمئات هنا: «من الذي يعوض المواطن الذي أحرقت سيارته رغم عدم وجود صلة بيه وبين طرفي الجريمة ثم المشاجرة؟». وأحدهم علق وسأل الدولة برمتها: عندما يعلق الأمر بجريمة قتل.. ما علاقة الأعراف والتقاليد الاجتماعية بجرائم القتل؟
كالعادة، وتجنباً لتداعيات فورة الغضب المألوفة في بعض المناطق، تحركت إدارة الحاكم الإداري والأمن في المنطقة وفقاً للبروتوكول البيروقراطي الأمني المعروف، حيث ترتبت عطوة أمنية سريعة لحقن الدماء ثم تعزيزات من الدرك وقوات الأمن، ثم تشكيل لجان تحقيق بعمليات إحراق المنازل والممتلكات مع رسائل تحذير لكل الأطراف، فيما جريمة القتل نفسها تأخذ مسارها الطبيعي الجنائي والقانوني، ويتم الإعلان عن القبض بسرعة قياسية على القاتل على أمل المساهمة في تهدئة النفوس.
لكن النفوس لم تهدأ مع أن ما حصل برمته دليل للرأي العام على التداعيات الشريرة التي تنتج عن أي تواطؤ في أي وقت مرتبط بنشاط الاتجار بالمخدرات، ومع أن المطلوب اليوم من عشائر وعائلات ومكونات الأردنيين حماية نفسها والأصحاء منها عبر نبذ نشاطات المخدرات، لا بل الإبلاغ عن المتورطين وتسليمهم للسلطات والتعاون مع مديرية الأمن العام التي أعلنت حرباً حتى النهاية على تجار الموت.
صحيح هنا أن تلك الحرب الأمنية يصفق لها المجتمع، لكن الصحيح أيضاً بأن بعض المفاصل في البنية الاجتماعية وبناء على تقدير الغرفة الأمنية أيضاً، لم تتحرك بعد في الاتجاه الصحيح بالتصدي لمشكلات المتورطين بالمخدرات أو نبذهم، فالعصبية الفرعية لا تزال توفر مساحة من التواطؤ، يدفع ثمنها اليوم الجميع، فيما يتجلى هنا واحد من أكثر تعقيدات ملف المخدرات المتدحرج والمقلق بين الأردنيين.
أزمة المخدرات
في حادثة شفا بدران على نحو أو آخر، ومع الاحترام لجميع مكونات المنطق العشائرية، دليل إضافي على الانجراف الذي يمكن أن يقود الجميع إليه، وعلى السكوت الاجتماعي عن نمو وزحف أزمة المخدرات الوطنية الداخلية.
حقناً للدماء، أرادت السلطات الحكومية تفعيل الأعراف والتقاليد العشائرية الراقية في التهدئة والسلام والمصالحة، وهو أمر اهتمت به وزارة الداخلية كما اهتمت به الإدارة المعنية بالديوان الملكي وبقية أجهزة الدولة، والخطوة الأولى الطبيعية هنا هي التأسيس لما يسمى بـ «عطوة الاعتراف بالجريمة».
عندما استعانت السلطات بشيخ قبيلة بني حسن ضيف الله القلاب، كان الهدف امتصاص الاحتقان في المنطقة، لكن ما ظهر في الأثناء هو خلاف على مبدأ تجميد بند ما يسمى بالجلوة العشائرية. وهو ترحيل عائلات بأكملها من أقارب الجاني، علماً بأن وزارة الداخلية كانت قبل أسابيع فقط قد أصرت على تجميد هذا البند من الأعراف باعتباره غير منصف وغير قانوني، وتم وضع إجراء محدد هنا أجمع عليه قادة جميع العشائر الأردنية.
وهو ما ذكره الشيخ ضيف الله القلاب شخصياً قبل الاحتجاج بالرصاص على كلامه من جهة بعض الغاضبين من طرف القتيل والمجني عليه، حيث أطلق الرصاص في الهواء فأخفق الترتيب بنسخته الأولى ثم أخفق في الثانية قبل أن تتحرك الماكينة الرسمية وتجبر جميع الأطراف على توثيق صك عطوة الاعتراف في مكتب الحاكم الإداري. في كل حال، وقوف الأجهزة الرسمية مع هذا النمط من الترتيبات العشائرية أقلق كل المعنيين بالدولة المدنية أو بدولة القانون، وتسبب بطرح تساؤلات عامة بعنوان «الغفوة» الرسمية.
استيقظت السلطات بعد موجة الاضطراب الأولى، واتخذ وزير الداخلية مازن الفراية موقفاً صلباً في رفض المساس بهيبة الدولة والقانون، وأصر مع المشايخ على الالتزام بما اتفق عليه سابقاً بخصوص منع عرف الجلوة والترحيل، ثم لعب الوزير الشاب خلف الستارة دوراً مفصلياً في الإصرار على مسألتين:
الأولى هي اكتمال التحقيق في الجريمة نفسها مع كل الأطراف المتورطة، حيث الانطباع باحتمالية وجود شركاء يجب أن تطالهم يد القانون.
والثانية هي رفض كل الضغوط للإفراج عمّن اعتقلوا بتهمة إثارة الشغب وإحراق منازل الغير من أقرباء المغدور في الجريمة الأساسية، حيث اتخذ قرار بإحالة 10 موقوفين من هؤلاء إلى القضاء بعد عصر الأربعاء الماضي، ثم صرحت مديرية الأمن بأنها تبحث عن متورطين آخرين شاركوا الشغب.
هيبة الدولة هنا استيقظت متأخرة قليلاً، لكن الأمور تعود إلى نصابها بهذه الطريقة، والحكومة وجدت نفسها مضطرة للإجابة على سؤال من وزن: أين الدولة؟
في المقابل، وجهت رسائل لمن يستطيع هضمها وفهمها. لكن الأهم تلمس ذلك الانطباع القائل بأن حجم مشكلة المخدرات في عمق المجتمع الأردني أكبر بكثير ما يعتقد الجميع، وأن الصمت والتواطؤ الاجتماعي هنا حصراً يعيق حرب الدولة على تجار المخدرات دون الإقرار بذلك، بدلالة ما أعلنته إحدى عائلات العاصمة أمس الأول وبصورة نادرة عندما اشترطت إجراء فحص المخدرات على عريس شاب تقدم لخطبة إحدى فتيات تلك العائلة.القدس العربي
نيسان ـ نشر في 2022/09/23 الساعة 00:00