الأردن في 'الازدواجية': أحزاب 'أكثر' وحريات 'أقل'… المنظور والمحظور في 'وجع' التقارير الدولية
نيسان ـ نشر في 2022/10/04 الساعة 00:00
تنطلق حزمة من الأحزاب السياسية الجديدة في الأردن في ظل ارتفاع نسبي ومحدود في مناخ التفاؤل بإمكانية تعزيز فرصة نجاح التجربة الحزبية الجديدة في البلاد والتي تحمل اسم «تحديث المنظومة السياسية».
لكن أيضاً بالمقابل، في سياق مشهد وطني عام، الحريات العامة سالبة فيه حسب دوائر الاختصاص، مما يشكل ازدواجاً في المعايير وأرضية خصبة للتشكيك في كل المعطيات ذات الارتباط بالمسار الإصلاحي. تفضل الحكومة بطبيعة الحال، الامتناع عن التعليق على مسارات الحريات العامة السالبة.
لكن ذلك لا يعفيها بكل الأحوال، من المسؤولية السياسية والأدبية، خصوصاً أن منظمات دولية ضخمة التأثير مثل «هيومان رايتس ووتش» بدأت جراء الضربات السالبة على حريات الأردنيين، تخترق الأسقف المألوفة في إظهار المخاوف والتعبير وبصيغة يقترح الناشط الحقوقي عاصم العمري أمام «القدس العربي» الانتباه جيداً لها؛ لأنها مكلفة على المدى الطويل، ومن الصعب الاستمرار في تسويقها».
أحد كبار الخبراء وحصراً في مجال الاشتباك البيروقراطي والأمني الذكي مع تقارير المنظمات الدولية، لاحظ في نقاش مع «القدس العربي» بأن ما ذهبت إليه منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها الموجع الأخير حصراً، لا يقف عند حدود صعوبة التبرير أو التشكيك والاتهام بمضمون الانتقادات الموجعة، لكنه يسير بالتوازي في اتجاه رصد كيفية رفع مثل تلك المنظمات الدولية لصوتها وسقفها، مع أن مكاتبها الإقليمية موجودة في عمان.
المعنى هنا واضح، فوجود مكاتب مرخصة لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أو غيرها لم يعد يدفع في اتجاه التحفظ، وبالتالي تقول تلك المنظمات ضمنياً بأنها لم تعد بصدد مجاملة الحكومة الأردنية؛ لأن حجم الاعتداء على منسوب الحريات والتسامح المألوف للأردنيين ارتفع بصخب وبوضوح مؤخراً ومن اللحظة التي رافقت أو تزامنت مع أزمة نقابة المعلمين الشهيرة. برأي العمري وآخرين، من خيرة نشاطات حقوق الإنسان اعتقال ومحاكمة كاتب سياسي مثل عدنان الروسان، صفحة موجعة تظهر مستوى تراجع حريات التعبير وضيق الأفق الرسمي، بمعنى أن الحريات العامة لا تتراجع فقط في البلاد لكنها تتدهور.
بدأت تقارير منظمات دولية تدخل في التفاصيل. ولأول مرة، ثمة رصد لحالات محددة تحت عنوان الاعتقال الاحترازي أو الضغط بالتحقيق دون اتهامات أو احتجاز نشطاء خارج المنظومة القانونية. ولأول مرة أيضاً تميل منظمات دولية لتسمية بعض الأجهزة بالاسم، لا بل تتحدث عن انتهاكات محددة من وجهة نظرها بالاسم والتفصيل والتوقيت.
كل ذلك جديد في لهجة تلك التقارير الموسمية، وكل ذلك في الواقع لا ترد عليه الحكومة الأردنية ولا ذراعها الرسمي المعني، حيث المركز الوطني لحقوق الإنسان غارق في المشكلات والأجندات وأحياناً تصفية الحسابات، وحيث بعض أبرز خبراء حقوق الإنسان من أبناء المركز يقولون اليوم إنهم يتعرضون للاستهداف والكيدية وبصورة توحي -كما روى المفوض العام الذي استهدف سابقاً علاء العرموطي بعد إحالته من قبل إدارة المركز مع طاقم من الحقوقيين- باتهامات واضح أن خلفيتها سياسية.
بكل حال، لا خلاف تقريباً وإلى حد كبير على انتكاسة في مجال الحريات العامة، ولا خلاف إلى حد كبير أيضاً على أن الحريات السالبة أو المعاكسة لا تمثل منهجاً متوارثاً ودائماً في تراتبيات مؤسسات القرار الأردنية، فيما الاجتهادات هنا وهناك تبالغ بالشطط بين الحين والآخر.
وللمرة الثالثة لا خلاف أيضاً على أن تقارير المنظمات الدولية بدأت تعبث بالصحن الأردني وتزيد من سقف انتقاداتها دون خطة، بالمقابل، للاحتواء أو لإظهار الجدية في تقليص الانتقادات أو حتى الرد عليها، فسلسلة تراجع الحيز الحقوقي المدني بدأت مع انتخابات العام قبل الماضي تحت عنوان الهندسة، لكنها استمرت ووجدت من يساندها في نخب القرار الرسمي.
وما هو غير متفق عليه حتى الآن ليس انعكاس تراجع الحريات العامة على سمعة الدولة والبلاد، فتلك مسألة لا أحد أصلاً يهتم أو يحفل بها من الرسميين، لكن مثل هذه الانعكاسات على المدى الطويل خصوصاً في فاتورتها وكلفتها الاقتصادية حصراً والمرتبطة بمنطق محتوى الاستثمار.
وهنا نصح الخبير الاقتصادي العالم الدكتور أنور الخفش مبكراً عبر «القدس العربي» مراراً بعدم استسهال إسقاط ورقة الحريات العامة من الحسابات الاقتصادية بعد الآن، مصراً على أن أحد معايير الاستمرار بمساعدة الأردن واحتضانه اقتصادياً واستثمارياً في المنظور السياسي عند دوائر مهمة في حلفاء الغرب كان وسيبقى الحريات العامة والفردية ومستواهما.
المقصود هنا أن تجميد الإدارة الأمريكية أو بعض الدول الغربية الصديقة لمعيار الحريات تكتيك وليس استراتيجية، فقد يقفز هذا المعيار فجأة ليشكل ضغطاً هائلاً على مؤسسة القرار الأردنية وضمن جملة مسيسة قد تكون مقلقة لاحقاً وتوقع البوصلة السياسية في «المحظور».
وما يقترحه هنا خبثاء الخبراء أن تنتبه حكومة عمان، لأن رفع سقف انتقادات وملاحظات منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» أو أمثالها، هو بحد ذاته رسالة سياسية لكنها صادرة عن مجتمع الحريات القريب من دوائر القرار الأمريكي والأوروبي.
ثمة كمين هنا وراء البقاء في حالة تجاهل لما يقوله المجتمع الحقوقي في الداخل والخارج، وثمة ازدواجية من الصعب تحييد عواقبها الوخيمة عندما يتعلق الأمر بادعاء الرغبة في إطلاق الحريات الحزبية أكثر والاحتفاظ بنفس التوقيت بإجراءات معاكسة للحريات السياسية والإعلامية ثم الاستغراب تحت عنوان توقع نتائج إيجابية من دعم رؤية تحديث المنظومة السياسي القدس العربي
لكن أيضاً بالمقابل، في سياق مشهد وطني عام، الحريات العامة سالبة فيه حسب دوائر الاختصاص، مما يشكل ازدواجاً في المعايير وأرضية خصبة للتشكيك في كل المعطيات ذات الارتباط بالمسار الإصلاحي. تفضل الحكومة بطبيعة الحال، الامتناع عن التعليق على مسارات الحريات العامة السالبة.
لكن ذلك لا يعفيها بكل الأحوال، من المسؤولية السياسية والأدبية، خصوصاً أن منظمات دولية ضخمة التأثير مثل «هيومان رايتس ووتش» بدأت جراء الضربات السالبة على حريات الأردنيين، تخترق الأسقف المألوفة في إظهار المخاوف والتعبير وبصيغة يقترح الناشط الحقوقي عاصم العمري أمام «القدس العربي» الانتباه جيداً لها؛ لأنها مكلفة على المدى الطويل، ومن الصعب الاستمرار في تسويقها».
أحد كبار الخبراء وحصراً في مجال الاشتباك البيروقراطي والأمني الذكي مع تقارير المنظمات الدولية، لاحظ في نقاش مع «القدس العربي» بأن ما ذهبت إليه منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقريرها الموجع الأخير حصراً، لا يقف عند حدود صعوبة التبرير أو التشكيك والاتهام بمضمون الانتقادات الموجعة، لكنه يسير بالتوازي في اتجاه رصد كيفية رفع مثل تلك المنظمات الدولية لصوتها وسقفها، مع أن مكاتبها الإقليمية موجودة في عمان.
المعنى هنا واضح، فوجود مكاتب مرخصة لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أو غيرها لم يعد يدفع في اتجاه التحفظ، وبالتالي تقول تلك المنظمات ضمنياً بأنها لم تعد بصدد مجاملة الحكومة الأردنية؛ لأن حجم الاعتداء على منسوب الحريات والتسامح المألوف للأردنيين ارتفع بصخب وبوضوح مؤخراً ومن اللحظة التي رافقت أو تزامنت مع أزمة نقابة المعلمين الشهيرة. برأي العمري وآخرين، من خيرة نشاطات حقوق الإنسان اعتقال ومحاكمة كاتب سياسي مثل عدنان الروسان، صفحة موجعة تظهر مستوى تراجع حريات التعبير وضيق الأفق الرسمي، بمعنى أن الحريات العامة لا تتراجع فقط في البلاد لكنها تتدهور.
بدأت تقارير منظمات دولية تدخل في التفاصيل. ولأول مرة، ثمة رصد لحالات محددة تحت عنوان الاعتقال الاحترازي أو الضغط بالتحقيق دون اتهامات أو احتجاز نشطاء خارج المنظومة القانونية. ولأول مرة أيضاً تميل منظمات دولية لتسمية بعض الأجهزة بالاسم، لا بل تتحدث عن انتهاكات محددة من وجهة نظرها بالاسم والتفصيل والتوقيت.
كل ذلك جديد في لهجة تلك التقارير الموسمية، وكل ذلك في الواقع لا ترد عليه الحكومة الأردنية ولا ذراعها الرسمي المعني، حيث المركز الوطني لحقوق الإنسان غارق في المشكلات والأجندات وأحياناً تصفية الحسابات، وحيث بعض أبرز خبراء حقوق الإنسان من أبناء المركز يقولون اليوم إنهم يتعرضون للاستهداف والكيدية وبصورة توحي -كما روى المفوض العام الذي استهدف سابقاً علاء العرموطي بعد إحالته من قبل إدارة المركز مع طاقم من الحقوقيين- باتهامات واضح أن خلفيتها سياسية.
بكل حال، لا خلاف تقريباً وإلى حد كبير على انتكاسة في مجال الحريات العامة، ولا خلاف إلى حد كبير أيضاً على أن الحريات السالبة أو المعاكسة لا تمثل منهجاً متوارثاً ودائماً في تراتبيات مؤسسات القرار الأردنية، فيما الاجتهادات هنا وهناك تبالغ بالشطط بين الحين والآخر.
وللمرة الثالثة لا خلاف أيضاً على أن تقارير المنظمات الدولية بدأت تعبث بالصحن الأردني وتزيد من سقف انتقاداتها دون خطة، بالمقابل، للاحتواء أو لإظهار الجدية في تقليص الانتقادات أو حتى الرد عليها، فسلسلة تراجع الحيز الحقوقي المدني بدأت مع انتخابات العام قبل الماضي تحت عنوان الهندسة، لكنها استمرت ووجدت من يساندها في نخب القرار الرسمي.
وما هو غير متفق عليه حتى الآن ليس انعكاس تراجع الحريات العامة على سمعة الدولة والبلاد، فتلك مسألة لا أحد أصلاً يهتم أو يحفل بها من الرسميين، لكن مثل هذه الانعكاسات على المدى الطويل خصوصاً في فاتورتها وكلفتها الاقتصادية حصراً والمرتبطة بمنطق محتوى الاستثمار.
وهنا نصح الخبير الاقتصادي العالم الدكتور أنور الخفش مبكراً عبر «القدس العربي» مراراً بعدم استسهال إسقاط ورقة الحريات العامة من الحسابات الاقتصادية بعد الآن، مصراً على أن أحد معايير الاستمرار بمساعدة الأردن واحتضانه اقتصادياً واستثمارياً في المنظور السياسي عند دوائر مهمة في حلفاء الغرب كان وسيبقى الحريات العامة والفردية ومستواهما.
المقصود هنا أن تجميد الإدارة الأمريكية أو بعض الدول الغربية الصديقة لمعيار الحريات تكتيك وليس استراتيجية، فقد يقفز هذا المعيار فجأة ليشكل ضغطاً هائلاً على مؤسسة القرار الأردنية وضمن جملة مسيسة قد تكون مقلقة لاحقاً وتوقع البوصلة السياسية في «المحظور».
وما يقترحه هنا خبثاء الخبراء أن تنتبه حكومة عمان، لأن رفع سقف انتقادات وملاحظات منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» أو أمثالها، هو بحد ذاته رسالة سياسية لكنها صادرة عن مجتمع الحريات القريب من دوائر القرار الأمريكي والأوروبي.
ثمة كمين هنا وراء البقاء في حالة تجاهل لما يقوله المجتمع الحقوقي في الداخل والخارج، وثمة ازدواجية من الصعب تحييد عواقبها الوخيمة عندما يتعلق الأمر بادعاء الرغبة في إطلاق الحريات الحزبية أكثر والاحتفاظ بنفس التوقيت بإجراءات معاكسة للحريات السياسية والإعلامية ثم الاستغراب تحت عنوان توقع نتائج إيجابية من دعم رؤية تحديث المنظومة السياسي القدس العربي
نيسان ـ نشر في 2022/10/04 الساعة 00:00