الأردن: ثلاثية 'عبيدات – الفلاحات – الإنقاذ'… ما الخطوة التالية؟

بسام بدارين
نيسان ـ نشر في 2022/10/20 الساعة 00:00
ثمة عناصر لا يمكن البقاء في منطقة التنديد بها أو اتهامها أو حتى إقرار كل ما قيل على هامشها عندما يتعلق الأمر بمراجعة الشكل والمضمون في المحاضرة الهامة جداً، التي ألقاها أمس الأول الغائب العائد عن المشهد في الساحة الأردنية رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات. في العادة، يفتقد الأردنيون كبار رجالات الدولة وساستها المائلين إلى الصمت.
وفي العادة، يميل الرأي العام إلى الإصغاء وبشغف واهتمام عندما تتحدث شخصية وطنية من وزن الرئيس عبيدات، الأمر الذي يعرفه تمام المعرفة شريكه في التحضير والتقديم الشيخ سالم الفلاحات. لذلك، المحاضرة شغلت ليس فقط بحكم صراحتها المفزعة كما وصفت الأوساط السياسية والإعلامية، لكن أيضاً بحكم جوهر التعليقات التي قيلت ورسائلها الباطنية.
شغف الشارع الأردني بالإصغاء لرأي مختلف ومتحرر من قيود المجاملات الرسمية دفع في اتجاه تداول منصاتي عنيف للفيديو الذي يتحدث فيه الرئيس عبيدات وإلى جانبه الشيخ الفلاحات في التوطئة والتقديم والتعقيب.
العنصر الأساسي الذي لا يمكن إغفاله بالمناسبة بعيداً عن المتحدث والمضمون هو المنبر الذي اختاره الرئيس عبيدات ليتحدث، حيث منصة حزب الشراكة والإنقاذ حصراً، وهو حزب مطارد ومكروه رسمياً لعدة أسباب، من بينها جرأة التشخيص والمناولة عند مؤسسه والأب الروحي له الشيخ الفلاحات. ومن بينها أيضاً رحيل المفكر الدستوري المؤسس للحزب أيضاً الدكتور محمد الحموري، صاحب الجملة الوطنية الشهيرة في الاعتراض على التعديلات الدستورية.
«بعدنا بنكذب على كل المستويات» و«سنداس جميعاً»
ليس سراً في المشهد الأردني أن حزب الشراكة والإنقاذ بقي مستهدفاً طوال السنوات الأربع الماضية، لا بل تعرض لكمائن ومطبات تحت عنوان الترخيص ولوحق نشطاء فيه. والانطباع الرسمي المبكر كان يشير في قياسات السلطات إلى أن هذا الحزب بادر بعد تأسيسه للتشبيك مع الحراك الشعبي، وهو أمر يقال بأن السلطات لا تسمح به وتعتبره من الخطوط الحمراء.
وليس سراً بالقياس أيضاً أن عبيدات تحديداً، وبعد غياب عن القول والمسرح والأضواء استمر لسنوات ولعدة أسباب، يقرر الظهور على منصة الشيخ الفلاحات وحزب الشراكة والإنقاذ المطارد، ثم يلمح عبيدات نفسه إلى المفارقة وهو يؤشر على غموض في الأجندة غير مفهوم، حيث ثمة أحزاب تتعرض للضغط والتضييق فيما يتم تدليل أحزاب أخرى في مشهد غير مفهوم، حسب عبيدات.
وبالتأكيد، ليس سراً بالمقابل، أن الفلاحات وعبيدات حاولا عدة مرات في الماضي القريب معاً القول بتأسيس جبهة وطنية، وبحثا توحيد الحراكات الشعبية، فالصمت -كما قال الفلاحات عندما زار «القدس العربي»- ليس خياراً لكل من يدعي الحرص على الوطن.
وبالتالي، يصبح السؤال مطروحاً: هل محاضرة عبيدات الجديدة الطازجة والملتهبة بالمعلومات والتصريحات الثقيلة، تمهيد ما لاستئناف مشاريع من طراز دفع جبهة الإنقاذ والخلاص الوطني إلى الأمام أو من طراز توحيد الحراكات الشعبية؟ سؤال طويل وعميق، والإجابة عنه بدأها الشيخ الفلاحات نفسه عندما وصف ضيفه قائلاً: «حاول معنا وحاولنا معه، وخذله بعضنا».
سؤال في كل حال، يمكن إرجاء وتأجيل إجابته المباشرة، لكن في الحالة السياسية ووسط الصمت والاحتقان والأسئلة الحائرة، ظهر الثنائي الفلاحات – عبيدات معاً وعلى منصة واحدة لحزب لا تحبه السلطات في ثلاثية تملك حداً معقولاً من الإثارة اليوم، وقد تعني الكثير لاحقاً، خصوصاً أن منابر الحركة الإسلامية التي كان الفلاحات أصلاً من أبرز قادتها في الماضي احتفت هي الأخرى كغيرها بمحاضرة عبيدات المثيرة.
وعليه، فإن الشكل والمضمون والشركاء والمنصة والتوقيت، عناصر أساسية توحي بأن حراكاً سياسياً وشعبياً نخبوياً قد يتطور لاحقاً إذا ما كانت الخطة تعليق الجرس من جهة شخصية وطنية موثوقة مثل عبيدات، الذي هو في الواقع، وبحكم دوره في المشهد العام والمناصب التي تولاها، خير من يعلق الجرس وبجرأة. ولذلك، اكتسبت بعض الرسائل الجديدة إطاراً من الصعب تجاهله، فعبيدات دعا الشعب الأردني عموماً لإدراك مخاطر وجود مجلس نواب عاجز، وعبر عن قناعته بأن القوة الأمنية بكل أشكالها لا يمكنها إضفاء الشرعية على أي نظام في الدنيا.
وفيما يتعلق بالميزانيات والتعليم والصحة والجامعات وتعطيل المجتمع المدني، قال عبارته التي تقرع كالجرس: «بعدنا بنكذب على كل المستويات». قبل ذلك، انتقد عبيدات شهادة ترجح تزوير الانتخابات البرلمانية والعامة منذ عام 1993 وبنسبة 80 % على الأقل، ثم انتقد وصلة سموم كرة القدم والعودة للإساءة إلى الوحدة الوطنية باعتبارها سموماً من منتج إسرائيلي.
واعتبر أن مخاطر الوطن البديل لا تزال قائمة، ولا يوجد ضمانات، ثم تحدث ببعض الملفات الإقليمية والعربية رافضاً اليأس، ومؤكداً أن استمرار الأردن وشعبه يحتاج اليوم لأكبر قدر من الحرص والوعي. وختم بعبارة تقرع هي الأخرى إذا لم يحصل استدراك.. «سنداس جميعاً ولات حين مندمة».
وتحدث عبيدات أيضاً عن شعور الجميع بفراغ سياسي، وقال أن السلطات الدستورية الثلاث لم تعد اليوم تمثل حقيقة الأردن والأردنيين، والحديث عن الوحدة الوطنية لا يزال في إطار فلكلوري.القدس العربي
    نيسان ـ نشر في 2022/10/20 الساعة 00:00