أولوية الاعتراف بضرورة الإصلاح المجتمعي
نيسان ـ نشر في 2022/11/09 الساعة 00:00
تتوازى على المستوى المحلي مبادرات إصلاحية على المستويات السياسية والاقتصادية، مع وجود تحركات حكومية للإصلاح الحكومي والإعلامي، ومع تباين التقدم المتحقق فإنه لا يبدو واضحاً إذا ما كانت هذه الإصلاحات ستسفر عن إصلاح مجتمعي في النهاية.
الإصلاح المجتمعي ربما يمثل كلمة مستفزة بالنسبة لكثيرين، فهي تعني عند الأغلبية أن يخرج المجتمع عن تقاليده، وأن يفتقد أساطيره المحببة، وهو أمر مفهوم خاصة أن بعضها يستند إلى مرجعيات دينية وأخرى قومية، ولكن هل يمكن أن نفسر كيف تحولت فضيلة مثل النجدة والإغاثة إلى ممارسة (الفزعة) حتى تحولت إلى مكون ثقافي داخلنا يتمدد إلى نخاع المؤسسات، وكيف أدى تفسير الكرم إلى أن يتحول إلى أنماط استهلاكية استعراضية تثقل الجميع وتحولت أحاديثنا حول الكرم لتدخلنا في المخاجلة وفي التقييم القائم على ربط المكانة بالقدرة على الإنفاق.
وأية مرجعيات دينية يمكن أن تفسر مشاكل تكوين أسرة وعزوف الشباب عن الزواج، وتالياً نسب الطلاق المرتفعة التي تتأتى أصلاً من ضغوطات اجتماعية، فالأديان تقوم على مناهضة أي تقويض لمنظومة الأسرة أمام الشروط الشكلية المادية التي تسبق الزواج، أو التدخل في العلاقة الزوجية المقدسة، وكل ذلك يتم تحت طائلة التقاليد والعادات.
هل توجد رؤية أصلاً لمراجعة منظومة القيم وتفهمها ومراجعتها، والوقوف على تشكلها التاريخي ومن ثم استثناء ما يسقط أمام منطق العصر وتحدياته، ولنأخذ مثلاً الجاهة التي تمثل جزءاً من الرياء الاجتماعي، فالجاهة كانت سابقاً تشكل ضمانة لأهل العروس أمام طرق مواصلات واتصال غير سهلة وتزكية لطالب الزواج من مرجعيات اجتماعية مشتركة، واليوم، هذه الاستعراضات غير منتجة وتشكل تكلفة إضافية يمكن استثمارها في أمور أكثر أهمية وأولوية.
المشكلة تكمن في التواطؤ الاجتماعي الواسع الذي يجعل من الضروري التشكك في جدوى جميع أشكال الإصلاح، فكيف يمكن أن نتحدث عن إصلاح اقتصادي وكثير من الشباب ما زال مقتنعاً بأنماط التعليم التقليدية، ويعتبر أي وظيفة خارج المنظومة البيروقراطية مجرد تمضية وقت ومحطة انتقالية؟ وأي استثمار يمكن الحديث عنه والشباب يعزفون عن العمل المهني، ولو تحققت الفرصة النسبية وأتت مصانع السيارات لتنتج في الأردن، فهل لدينا الكفاية من الموظفين المهنيين، أم سنقوم باستيراد عمالة آسيوية كما هو الحالة في صناعة الملابس؟
يتجنب كثير من المعلقين الحديث عن هذه الأمور، فالشعبوية ظاهرة لا تقتصر ولا تتوقف عند السياسة في الأردن، والنماذج الملهمة غائبة، فالذين يوقعون على وثائق من أجل التخفيف من الإنفاق في العزاء يتناسون ذلك بعد بعض الوقت، وتعود المشكلة للتفاقم، والأفضل أن توجه المصروفات غير الضرورية لأسرة المتوفى، ولكن من يستطيع أن يقود تحولاً اجتماعياً واسعاً.
الموضوع متشعب وتداخلاته كثيرة، والاتهامات جاهزة بتحميل المواطنين المسؤولية والتحيز للحكومة أحياناً، ولكن ذلك غير واقعي، فالمطلوب أن تتحقق اليقظة من خلال التوعية، وهذه أدوار مناطة بوزارات محددة أيضاً يجب أن تكتسب رؤية أبعد من التشغيل والمشاريع تجاه استراتيجيات تغيير متكاملة، والمقصود وزارات التعليم والثقافة والشباب، وكلها وزارات تتنازع حول مفهوم التمكين مع أنه يمكن أن يكون تمكيناً سلبياً في حالة رعايته لنفس المنظومة القائمة من العادات والتقاليد.
نحمد الله أن الأردن لم يعبر في تاريخه بكارثة شاملة، وأن البنى الاجتماعية استطاعت أن تستوعب بعضاً من فصول التاريخ الصعبة، ولذلك ليس علينا أن نتعلم من حرب أو مجاعة إذا امتلكنا القدرة على نقد المجتمع من غير تشنج أو عصبية أو اتهامات معلبة بالتغريب والاستهداف المتخيل، فما يحدث من أزمات مجتمعية مثل شيوع المخدرات بين الشباب وتأخر سن الزواج والعنف الأسري كلها قضايا تدلل على أن الوضع غير صحي، ومن الضروري الخوض في إصلاحات حقيقية وجذرية لا يمكن أن تبدأ إلا من أرضية الاعتراف بالمشكلة.
(الراي)
الإصلاح المجتمعي ربما يمثل كلمة مستفزة بالنسبة لكثيرين، فهي تعني عند الأغلبية أن يخرج المجتمع عن تقاليده، وأن يفتقد أساطيره المحببة، وهو أمر مفهوم خاصة أن بعضها يستند إلى مرجعيات دينية وأخرى قومية، ولكن هل يمكن أن نفسر كيف تحولت فضيلة مثل النجدة والإغاثة إلى ممارسة (الفزعة) حتى تحولت إلى مكون ثقافي داخلنا يتمدد إلى نخاع المؤسسات، وكيف أدى تفسير الكرم إلى أن يتحول إلى أنماط استهلاكية استعراضية تثقل الجميع وتحولت أحاديثنا حول الكرم لتدخلنا في المخاجلة وفي التقييم القائم على ربط المكانة بالقدرة على الإنفاق.
وأية مرجعيات دينية يمكن أن تفسر مشاكل تكوين أسرة وعزوف الشباب عن الزواج، وتالياً نسب الطلاق المرتفعة التي تتأتى أصلاً من ضغوطات اجتماعية، فالأديان تقوم على مناهضة أي تقويض لمنظومة الأسرة أمام الشروط الشكلية المادية التي تسبق الزواج، أو التدخل في العلاقة الزوجية المقدسة، وكل ذلك يتم تحت طائلة التقاليد والعادات.
هل توجد رؤية أصلاً لمراجعة منظومة القيم وتفهمها ومراجعتها، والوقوف على تشكلها التاريخي ومن ثم استثناء ما يسقط أمام منطق العصر وتحدياته، ولنأخذ مثلاً الجاهة التي تمثل جزءاً من الرياء الاجتماعي، فالجاهة كانت سابقاً تشكل ضمانة لأهل العروس أمام طرق مواصلات واتصال غير سهلة وتزكية لطالب الزواج من مرجعيات اجتماعية مشتركة، واليوم، هذه الاستعراضات غير منتجة وتشكل تكلفة إضافية يمكن استثمارها في أمور أكثر أهمية وأولوية.
المشكلة تكمن في التواطؤ الاجتماعي الواسع الذي يجعل من الضروري التشكك في جدوى جميع أشكال الإصلاح، فكيف يمكن أن نتحدث عن إصلاح اقتصادي وكثير من الشباب ما زال مقتنعاً بأنماط التعليم التقليدية، ويعتبر أي وظيفة خارج المنظومة البيروقراطية مجرد تمضية وقت ومحطة انتقالية؟ وأي استثمار يمكن الحديث عنه والشباب يعزفون عن العمل المهني، ولو تحققت الفرصة النسبية وأتت مصانع السيارات لتنتج في الأردن، فهل لدينا الكفاية من الموظفين المهنيين، أم سنقوم باستيراد عمالة آسيوية كما هو الحالة في صناعة الملابس؟
يتجنب كثير من المعلقين الحديث عن هذه الأمور، فالشعبوية ظاهرة لا تقتصر ولا تتوقف عند السياسة في الأردن، والنماذج الملهمة غائبة، فالذين يوقعون على وثائق من أجل التخفيف من الإنفاق في العزاء يتناسون ذلك بعد بعض الوقت، وتعود المشكلة للتفاقم، والأفضل أن توجه المصروفات غير الضرورية لأسرة المتوفى، ولكن من يستطيع أن يقود تحولاً اجتماعياً واسعاً.
الموضوع متشعب وتداخلاته كثيرة، والاتهامات جاهزة بتحميل المواطنين المسؤولية والتحيز للحكومة أحياناً، ولكن ذلك غير واقعي، فالمطلوب أن تتحقق اليقظة من خلال التوعية، وهذه أدوار مناطة بوزارات محددة أيضاً يجب أن تكتسب رؤية أبعد من التشغيل والمشاريع تجاه استراتيجيات تغيير متكاملة، والمقصود وزارات التعليم والثقافة والشباب، وكلها وزارات تتنازع حول مفهوم التمكين مع أنه يمكن أن يكون تمكيناً سلبياً في حالة رعايته لنفس المنظومة القائمة من العادات والتقاليد.
نحمد الله أن الأردن لم يعبر في تاريخه بكارثة شاملة، وأن البنى الاجتماعية استطاعت أن تستوعب بعضاً من فصول التاريخ الصعبة، ولذلك ليس علينا أن نتعلم من حرب أو مجاعة إذا امتلكنا القدرة على نقد المجتمع من غير تشنج أو عصبية أو اتهامات معلبة بالتغريب والاستهداف المتخيل، فما يحدث من أزمات مجتمعية مثل شيوع المخدرات بين الشباب وتأخر سن الزواج والعنف الأسري كلها قضايا تدلل على أن الوضع غير صحي، ومن الضروري الخوض في إصلاحات حقيقية وجذرية لا يمكن أن تبدأ إلا من أرضية الاعتراف بالمشكلة.
(الراي)
نيسان ـ نشر في 2022/11/09 الساعة 00:00