بطاريات ضعاف السمع تعزلهم عن العالم والتعليم

نيسان ـ نشر في 2022/11/15 الساعة 00:00
فاطمة العفيشات

لم يرمش للطفلة زين رمش عندما انفجر البالون خلال احتفالها بذكرى ميلادها الأول, حينها اكتشفت الأم أن طفلتها تعاني من مشاكل سمعية.
تتفاقم معاناتها في رحلة شراعها "القوقعة", بدأت بسلسلة من الفحوصات أفضت أن الطفلة من ضعفاء السمع, وصلت لقرار الأطباء إجراء عملية زراعة قوقعة لها.
العائلة حاولت إجراء عملية زراعة القوقعة لطفلتها لكنها صدمت بأن تكلفة العملية 30 ألف دينار,قدموا عقبها طلب إعفاء من الديوان الملكي لإجراء عملية, وبالفعل حصلت زين على الإعفاء وأجريت لها العملية في العام 2012 وكانت تبلغ من العمر عاما وشهرين.
بالنسبة لمحمد العمري وهو والد أحد الأطفال زارعي القوقعة وعمره 12 عاماً, فقد اضطر للإنتظار من عمر 4 أشهر لطفله حتى بلوغه العامين وشهر قبل أن يحصل على موافقة لإجراء عملية زراعة قوقعة لطفله من خلال مبادرة "سمع بلا حدود التي أطلقها ولي العهد الحسين بن عبدالله للأطفال من ذوي الإعاقة السمعية, وكان ذلك في العام 2012.
يحتاج الأطفال من ذوي الإعاقة السمعية لزراعة القوقعة, وهي عبارة عن جهازين, الأول داخلي يتم زراعته من خلال عملية جراحية في الرأس عقب أن يعرض الطفل على أطباء من مختلف الإختصاصات للتأكد من أمان وتأثير العملية على الطفل, أما الجهاز الثاني فهو جهاز خارجي يتم تركيبه بسهولة, ويتكون من أسلاك "كيبل" يتم إيصاله مع الجهاز الداخلي بالإضافة لبطاريات لتشغيل الجهاز الخارجي.
يحتاج الجهاز بطاريتين للعمل تدوم لمدة 24 ساعة تنخفض عقبها حدة السمع.
تشير أم زين أنها توقفت عن الإنجاب بعد طفلتها الوحيدة خشية من إنجاب طفل آخر من ذوي الإعاقة السمعية لتأثرها بالمحيطين بها ممن أنجبوا أكثر من طفل احتاجوا لزراعة القوقعة. تقول: "بسبب تكاليف البطاريات أعرف من الأهالي من يضطر لترك أطفاله لأيام بلا سمع بسبب نفاد البطاريات وكلفة شراء بطاريات جديدة".
يضطر بعض الأطفال زارعي القوقعة للعيش بصمت مطبق لأيام بعد نفاد بطارية الجهاز, حيث يبلغ سعر علبة البطاريات من 35-45 دينار أردني, تحتوي العلبة على 10 شرائح تضم كل شريحة 6 بطاريات.

في الأردن وحسب بيانات التعداد السكاني العام في عام 2015 وهو آخر إحصائية رسمية , بلغت نسبة انتشار الإعاقة السمعية (صعوبات السمع) من عمر 5 سنوات فأكثر 3,1%

بحسب محمد العمري فإن علبة البطاريات تكفي من 20-25 يوماً. يقول" بحسب الاتفاقيات مع مبادرة سمع بلا حدود فإنه يصرف لزارع القوقعة علبة بطاريات شهرياً حتى يصل الطفل لعمر 18 عاماً, لكن أحياناً لا تتوفر البطاريات بسبب نفاذها من المبادرة أو تأخر العطاء لذلك نضطر لشرائها على حسابنا الخاص, ومنذ عامين لم أستلم بطاريات من المبادرة وجميعها أشتريها من حسابي".
في العام 2014 أطلقت مبادرة "سمع بلا حدود" والتي تهدف إلى تقديم الدعم لفاقدي السمع في المملكة من خلال زراعة أجهزة القواقع، وتوفير الدعم الطبي وإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، إضافة إلى تأمين المريض بتكاليف العملية ومتابعة احتياجاته بعد العمليّة وتأمين البطاريات وقطع الغيار.
أعباء مادية لما بعد الزراعة

حاولت أم زين بعد إطلاق المبادرة تقديم طلب الحصول على بطاريات لكنه في كل مرة كان يطلب منها الحضور لاحقاً بسبب نفاذها, إلا أن صبرها نفذ بعد مرات من عدم الحصول لتعكف عن ذلك الطلب, الأمر الذي يبرره محمد العمري الذي أسس الجمعية الخيرية للصم وزارعي القوقعة قب 5 سنوات.
يوضح العمري أنه لا يستطيع الحصول على البطاريات مجانا من لم يزرع القوقعة عن طريق مبادرة "سمع بلا حدود" أو من خلال الديوان الملكي, وأن من زرعها على حسابه الخاص يتحمل تكلفة شراء البطاريات أو صيانة القطع.
حتى من يحصل على البطاريات من خلال المبادرة عليه تحمل عناء السفر إلى العاصمة عمان من مختلف المحافظات ليحصل عليها من خدمة الجمهور الموجودة في عمان فقط.
لا تقتصر الأعباء المادية على عملية زراعة القوقعة والبطاريات, بل تستمر إذا ما حدث عطل في الجهاز الخارجي الحساس.
يصل سعر السلك في الجهاز الخارجي إلى 175 دينار أردني , ولأنه حساس فهو معرض للتلف سريعاً.
في الأردن هناك شركتان فقط معنيتان بجهاز القوقعة وقطعه. تنقل لنا أم زين تجربتها لتشير أن إحدى الشركات ذات تكلفة مرتفعة لكنها توفر الأجهزة بجودة عالية تدوم طويلاً, فيما توفر الشركة الأخرى قطعاً بأقل تكلفة من نظيرتها إلا أنها ذات جودة رديئة تتلف سريعاً مما يضطر البعض لاستبدالها ثلاث مرات بالشهر بتكلفة 90 دينار أردني , وهي ذات تكلفة القطع في الشركة الأولى في فترات العروض السنوية حيث يصل سعر القطعة إلى 90 دينار على الأقل بعد العرض.
أما محمد العمري فيشير إلى ان الشركات لا تمتلك حتى وقت إعداد هذا التقرير إمكانية إصلاح الجهاز في الأردن, مما يضطرها لإرساله لدول الخارج لإصلاحها, لافتاً إلى تكلفة إضافية تضاف للقطع والمتمثلة بأجور شحنها إلى الخارج والتي لا تقل عن 500 دينار أردني.
*حاولنا التواصل مع وزارة الصحة وتحديدا مديرية شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة للوقوف على تكاليف العمليات وإشراف الوزارة عليها وما تقدمه من دعم صحي لإزالة العراقيل أمام حقهم في الحصول على التعليم,لكنه لم يتم الرد علينا حتى إنهاء هذا التقرير
الصمت المطبق يحول دون حصولهم على التعليم لأيام في ظل شح وجود مراكز لتأهيل ضعاف السمع بالقطاع الحكومي

يحتاج الطفل بعد زراعة القوقعة لتأهيل نطقي مباشر.

طلبت أم زين من الشركة التي قدمت الجهاز لطفلتها أن تلحقها ببرنامج تأهيل النطق والذي كانت توفره الشركة آنذاك. بالنسبة للأم التي لم تجد مراكز حكومية لتأهيل النطق وما وجدته من مراكز في القطاع الخاص لاحظت ضعفها في تقديم الخدمة, اضطرت للسفر من إربد إلى عمان 3 مرات أسبوعياً لمتابعة برنامج النطق ومنح طفلتها الحق في المساواة مع أبناء جيلها.
يحتاج الطفل الأصم من زارعي القوقعة إلى 3 جلسات تأهيل للنطق أسبوعياً , تصل كلفة كل جلسة لـ15 دينار.
تتفق أم زين ومحمد العمري أن التكاليف العالية تتحملها الأسرة مقابل الحصول على نتائج جيدة في تأهيل أطفالهم في مراكز جيدة في القطاع الخاص, وهو ما لا يجدونه في المؤسسات الحكومية.
"التدريس بالمدارس الحكومية غير مجد البتة للحفاظ على الجهاز من جهة وعدم قدرة المعلم في المدارس الحكومية على إعطاء طفلي حقه ووقته الكافي في التعليم نظراً لعدد الطلبة بالغرفة الصفية الواحدة في المدارس الحكومية والذي يتراوح بين 25-30 طالب, رغم أن المدارس الخاصة لا توفر مختصاً للنطق وتأهيل الأطفال من ذوي الإعاقة إلا أن المعيقات فيها أقل من الحكومية" يقول العمري.
"وضعت طفلتي بمدرسة خاصة لتحصل على حقها في الدمج بلا عوائق و خصوصاً بعد متابعتي لأطفال من الصم لم يحصلوا على حقهم الكافي من برامج التأهيل في تقصير بدا واضحاً من خلال النتائج" تقول أم زين.
تصل الرسوم المدرسية المتوسطة للطلبة في المدارس الخاصة من 800 – 1500 دينار.
تنص المادة 4ح من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 على " ضمان حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتطوير قدراتهم وتنمية مهاراتهم وتعزيز دمجهم و مشارکتهم في المجتمع".
يقول مدير إدارة التعليم في وزارة التربية والتعليم الدكتور نبيل حناقطة أن سياسة الوزارة في الدمج تعتمد على عدم عزل الطلبة من خلال دعمهم وإسنادهم من قبل معلمين مختصين في الغرف الصفية.
يشير الحناقطة إلى أن توفير معلم مساند مختص بحالات ذوي الإعاقة يحتاج لميزانية ضخمة جداً تتكبدها وزارة التربية والتعليم, حيث بدأت بتوفير معلمي إسناد بـ60 مدرسة على مستوى المملكة, حيث تم تعيين 180 معلما مساعدا , في كل مدرسة 3 معلمين.
يضيف: "ارتأينا أن يكون التركيز على مدارس في ماركا وعجلون والطفيلة, نحول الطلبة ذوي الإعاقة عليها لوجود معلمين مساندين مختصين, بعض الأهل يستطيع تحمل أجرة التنقل ويقبل والبعض يرفض ولا نلومه".
الوكالة الألمانية في الأردن اختارت عدداً من المدارس الموزعة على الأقاليم الثلاث في المملكة لرفد مدرسين مختصين فيها, يتم تدريب خريجي التربية الخاصة للتعامل مع ذوي الإعاقة بتمويل من الوكالة الألمانية, لتهيأتهم ورفع قدرتهم وكفاءتهم قبل أن يتم إلحاقهم بالمراكز والمدارس حسب فئة الإعاقة في الأردن.
يوجد في الأردن مدارس خاصة بذوي الإعاقة إلا أن الوزارة تحاول في خططها المستقبلية إلغاء الصفوف الخاصة بذوي الإعاقة ودمجهم مع الطلبة من غير ذوي الإعاقة , بحسب تصريحات الحناقطة.
    نيسان ـ نشر في 2022/11/15 الساعة 00:00