الظالم والمظلوم في التنمر على المسؤولين

ماهر أبو طير
نيسان ـ نشر في 2022/11/16 الساعة 00:00
كلما تم تعيين مسؤول جديد، يتم التنمر عليه، وفتح ملفاته، والاستهزاء به، وكلما رحل مسؤول يتم أيضا التنمر عليه، وفتح ملفاته، والاستهزاء به، وهي ليست قصة اردنية، بل باتت عربية.
هذا هو واقع وسائل التواصل الاجتماعي، فالإنسان الذي لم يكن يمتلك اي منصة او وسيلة للتعبير عن موقفه الصحيح او الخاطئ، اصبح لديه اليوم، اكثر من منصة، بل مدفعية، يقول عبرها ما يريد وقد ينصف من امامه، او يجتاح سمعته وتاريخه، لاعتبارات متعددة هنا.
التنمر، لا يقف عند حدود المسؤولين او السياسيين، بل يمتد الى كل شيء، من لاعب كرة القدم، مرورا بالممثل الكوميدي، وصولا الى رئيس البلدية، فالكل يأكل الكل، وكأن الشعوب تعيش حالة حنق شديدة، تجعلها تتفنن في لسع بعضها بعضا، كل يوم، بوسائل وصور وتعبيرات مختلفة.
التنمر في الأردن يستحق الدراسة، لكن ما يمكن قوله ان الجرأة في التعليقات على الآخرين، لم تأت من فراغ، اذ نادرا ما يتعمد الناس التنمر على أحد دون سبب مقنع، او خلفيات معينة، سواء مقارنة المواقف الحالية والسابقة، او جرح السمعة على اساس اخلاقي او مالي، او افراط البعض في ما يسمى التسحيج المبالغ به، والذي يضر الدولة اكثر بكثير من المعارضة المعتدلة والواعية.
مع محرك البحث الشهير “غوغل” باتت حياتنا تحتكم الى معايير جديد، لأن توزير اي شخص مثير في الأردن، سيؤدي خلال لحظات الى نبش كل ارشيف الشخص، مقابلاته، تصريحاته، وتاريخه، مع الدخول الى صفحاته على وسائل التواصل الاجتماعي، وربما تخزين صوره الشخصية، وصور افراد عائلته، وهكذا يكون امام الناقد، او الرأي العام، او حتى المتنمر، ارشيف كبير من المعلومات لا يمكن تجاوزه ولا التعامي عنه، ولو كان ” غوغل” رجلا لتمت تصفيته وقتله على يد كثيرين، ممن يتعرضون الى موجات التنمر والسخرية والاستهزاء، لكنه نهاية المطاف ليس رجلا يمكن استباحته.
التنمر ايضا يعبر في الاساس عن مشكلة تتعلق بالثقة، لأننا نجد حالات لا يتم التنمر عليها، بسبب الثقة العامة بالاشخاص، والاداء، ولدينا ادلة كثيرة على ذلك، وهنا لا يمكن اعتبار التنمر مجرد حالة سلبية تتعلق بتجاوزات اخلاقية من المعلقين، بل تعبر عن ضعف الثقة بالأسماء والمؤسسات، خصوصا، حين يكون لدى الرأي العام في الأردن، او اي بلد، ارشيف يمكن الاستفادة منه في تغذية التنمر، وهذا الارشيف بات متوفرا اليوم، عن اغلب الناس، ولو كان متوفرا في ازمان سابقة، قبل الانترنت، لتعرض السابقون الى ذات موجات التنمر، وبطريقة اشد لذعا وتأثيرا.
مناسبة هذا الكلام اننا في الأردن بتنا امام اشتداد هذه الظاهرة، فلا احد يأتي لموقع إلا ويتم التعريض به، ولا أحد يغادر الا ويتم التعرض به، وقد تكون المشكلة هنا، في الاشخاص ذاتهم الذين يتعرضون للتنمر، وتاريخهم، ومواقفهم، ومدى قناعة الرأي العام بهم، حيث لا يمكن مرة ثانية اعتبار التنمر مجرد ظاهرة مرضية، بل ترتبط فعليا بهوية الشخص، والنظرة العامة اليه، التي تتحول الى عقاب شديد، في حالات معينة، بحيث لا توفره الرماح بسبب مواقفه المختلفة.
النزوع للمعالجات القانونية، غير كاف هنا، لأن الأصل استعادة ثقة الناس، في الاشخاص والمؤسسات، والتوقف عن الاستثمار في اشخاص مثيرين للجدل، او مطعون في قدراتهم او تاريخهم، اضافة الى تعزيز المعايير حول الفروقات بين النقد المباح، والتنمر المؤذي.
التنمر هنا ليست حالة أردنية، بل عربية ودولية، وفي دول كثيرة نشهد هذه الظاهرة وبشكل اكثر عنفا من الاردن، حتى ادت الى بروز ظاهرة موازية وهي اختباء المسؤول وتجنبه للظهور الاعلامي، حتى لا يتعرض للحملات، وليس غريبا ان نرى في الأردن مثلا، وزراء وغيرهم دخلوا وخرجوا من مواقعهم ولم يتذكرهم احد، فقد فضلوا النجاة بأنفسهم والعمل بعيدا عن اي اضاءة خوفا من دفع الثمن، وهذه سلبية تقول ان الهروب هنا، اخلاء لموقع المسؤولية، حماية للذات الشخصية.
(الغد)
    نيسان ـ نشر في 2022/11/16 الساعة 00:00