جنون الصحافة الغربية
نيسان ـ نشر في 2022/11/27 الساعة 00:00
يمكن القول إن الصحافة الغربية عموماً، والبريطانية خصوصاً، فقدت صوابها في ما يتعلق بتغطية مونديال 2022 المقام في قطر، والأمر ليس في إطار الحملات الخاصة بالعمّال والمثلية والتي كانت قائمة قبل انطلاق بطولة كأس العالم فحسب، بل باتت لها مداخل أخرى خارجة عن أي منطق. والحديث هنا ليس عن صحف "التابلويد" المنتشرة في أوروبا وبريطانيا، والتي توصم بأنها صحافة صفراء، بل يشمل صحفاً عريقة ومرموقة، من المفترض أنها تحمل الرزانة والرصانة والمهنية، إلا أنها انحدرت في ما يخص مونديال قطر إلى المرتبة الصفراء.
جديد "حفلات الجنون" التقرير الذي نشرته صحيفة تلغراف الإنكليزية، والتي تعد من الصحف البريطانية ذات المصداقية (أو على الأقل كانت تعدّ كذلك). في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، يربط بناء الاستادات التي تقام عليها المباريات في قطر بحركة طالبان الأفغانية. واعتمدت "تلغراف" عنواناً "فضائحياً" مخالفاً كلياً مضمون التقرير. العنوان كان "هكذا ساعدت طالبان في بناء استادات مونديال قطر"، ما يشير إلى أن الحركة رسمياً كان لها دور مباشر في عملية البناء، وهو ما لا يتحدّث عنه التقرير. وبغض النظر عن أن السند في المعلومات جاء من مسؤولين مجهّلين من "طالبان"، إلا أن التقرير يتحدّث عن شراء مسؤولين في الحركة، خلال وجودهم في الدوحة في أثناء مشاركتهم في مفاوضات السلام الأفغانية، معدّات بناء وتأجيرها لبعض المقاولين والكسب من ورائها. وإن صحّت هذه المعلومة، فإنها ليست أكثر من عملية تجارية فردية يلجأ إليها أشخاص عديدون في دول عديدة، فما بالك ببلد يشهد ورشة إعمار غير مسبوقة استعداداً لواحد من أكبر الأحداث العالمية. لكن الصحيفة لم تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، بل أدخلت "طالبان" برمّتها في عملية البناء، في سقطة مهنية جديدة للصحافة التي كانت تعد مرموقة.
الأمر نفسه بالنسبة إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، والتي كانت تعدّ مدرسة في المهنية، إلا أنها تحولت خلال الأيام السابقة لبدء المونديال، وبعد انطلاقته، إلى أداة بروباغاندا، دفعت مشاهدين عديدين إلى تقديم شكاوى حول طريقة التغطية، وهو ما اعترفت به "بي بي سي"، إذ أشارت إلى وجود نحو 1500 شكوى حول التغطية، إذا تملك المحطة حقوق البث الأرضي للمباريات. حتى أن أحد النواب في البرلمان البريطاني، وهو ستيف براين، اعتبر أن المحطّة حولت استديو التحليل الرياضي إلى منصّة سياسية.
وكالة أسوشييتد برس الأميركية، والتي تعد من وكالات الأنباء العريقة والأساسية عالمياً، كانت من المشاركين أيضاً في هذا الجنون الإعلامي، فالوكالة ذكرت أن منظمي البطولة يدفعون لنحو 1600 مشجّع تابعين للمنتخبات المشاركة، من أجل زيارة قطر والغناء خلال حفل الافتتاح، مشيرة إلى أن مشجعين عديدين ظهروا قبل بداية البطولة كانوا من الهند، وهو ما دفع الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم 2022، ناصر الخاطر، إلى نفي هذه المزاعم. تجاهلت الوكالة حالة تعيشها كثير من دول الشرق الأوسط، وحتى الدول التي ليس لها منتخبات عريقة، في أن شعبها ينقسم في تشجيعه لمنتخبات عالمية، وقطر تضم ضمن سكانها العديد من مواطني هذه الدول الذين حاولوا التعبير عن تشجعيهم لمنتخبات عشقوها منذ الطفولة.
هذه عيّنة من عناوين عريضة كثيرة، تضاف إليها رسائل تلفزيونية من مراسلي محطّات غربية حضروا إلى الدوحة ليُفاجأ أحدهم بأن فيها "مساجد كثيرة"، وهو أمر يستطيع أي أحد قوله أيضاً بالنسبة إلى دول أوروبا بأن فيها كنائس كثيرة، والعبارتان ليستا نقيصة، لا للدوحة ولا للدول الأوروبية.
حفلة الجنون يبدو أنها لن تنتهي، لكنها ما عاد بإمكانها التأثير على مسار البطولة العالمية التي تمضي في أحسن الأحوال. العربي الجديد
جديد "حفلات الجنون" التقرير الذي نشرته صحيفة تلغراف الإنكليزية، والتي تعد من الصحف البريطانية ذات المصداقية (أو على الأقل كانت تعدّ كذلك). في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، يربط بناء الاستادات التي تقام عليها المباريات في قطر بحركة طالبان الأفغانية. واعتمدت "تلغراف" عنواناً "فضائحياً" مخالفاً كلياً مضمون التقرير. العنوان كان "هكذا ساعدت طالبان في بناء استادات مونديال قطر"، ما يشير إلى أن الحركة رسمياً كان لها دور مباشر في عملية البناء، وهو ما لا يتحدّث عنه التقرير. وبغض النظر عن أن السند في المعلومات جاء من مسؤولين مجهّلين من "طالبان"، إلا أن التقرير يتحدّث عن شراء مسؤولين في الحركة، خلال وجودهم في الدوحة في أثناء مشاركتهم في مفاوضات السلام الأفغانية، معدّات بناء وتأجيرها لبعض المقاولين والكسب من ورائها. وإن صحّت هذه المعلومة، فإنها ليست أكثر من عملية تجارية فردية يلجأ إليها أشخاص عديدون في دول عديدة، فما بالك ببلد يشهد ورشة إعمار غير مسبوقة استعداداً لواحد من أكبر الأحداث العالمية. لكن الصحيفة لم تنظر إلى الأمر من هذه الزاوية، بل أدخلت "طالبان" برمّتها في عملية البناء، في سقطة مهنية جديدة للصحافة التي كانت تعد مرموقة.
الأمر نفسه بالنسبة إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، والتي كانت تعدّ مدرسة في المهنية، إلا أنها تحولت خلال الأيام السابقة لبدء المونديال، وبعد انطلاقته، إلى أداة بروباغاندا، دفعت مشاهدين عديدين إلى تقديم شكاوى حول طريقة التغطية، وهو ما اعترفت به "بي بي سي"، إذ أشارت إلى وجود نحو 1500 شكوى حول التغطية، إذا تملك المحطة حقوق البث الأرضي للمباريات. حتى أن أحد النواب في البرلمان البريطاني، وهو ستيف براين، اعتبر أن المحطّة حولت استديو التحليل الرياضي إلى منصّة سياسية.
وكالة أسوشييتد برس الأميركية، والتي تعد من وكالات الأنباء العريقة والأساسية عالمياً، كانت من المشاركين أيضاً في هذا الجنون الإعلامي، فالوكالة ذكرت أن منظمي البطولة يدفعون لنحو 1600 مشجّع تابعين للمنتخبات المشاركة، من أجل زيارة قطر والغناء خلال حفل الافتتاح، مشيرة إلى أن مشجعين عديدين ظهروا قبل بداية البطولة كانوا من الهند، وهو ما دفع الرئيس التنفيذي لبطولة كأس العالم 2022، ناصر الخاطر، إلى نفي هذه المزاعم. تجاهلت الوكالة حالة تعيشها كثير من دول الشرق الأوسط، وحتى الدول التي ليس لها منتخبات عريقة، في أن شعبها ينقسم في تشجيعه لمنتخبات عالمية، وقطر تضم ضمن سكانها العديد من مواطني هذه الدول الذين حاولوا التعبير عن تشجعيهم لمنتخبات عشقوها منذ الطفولة.
هذه عيّنة من عناوين عريضة كثيرة، تضاف إليها رسائل تلفزيونية من مراسلي محطّات غربية حضروا إلى الدوحة ليُفاجأ أحدهم بأن فيها "مساجد كثيرة"، وهو أمر يستطيع أي أحد قوله أيضاً بالنسبة إلى دول أوروبا بأن فيها كنائس كثيرة، والعبارتان ليستا نقيصة، لا للدوحة ولا للدول الأوروبية.
حفلة الجنون يبدو أنها لن تنتهي، لكنها ما عاد بإمكانها التأثير على مسار البطولة العالمية التي تمضي في أحسن الأحوال. العربي الجديد
نيسان ـ نشر في 2022/11/27 الساعة 00:00