العارفون وفوضاهم العارمة !

نيسان ـ نشر في 2015/10/19 الساعة 00:00
في الأشياء كلّها يعرفون ، في الطبّ يحاججون النطّاسين البارعين و يختلفون معهم ، في الهندسة يعرفون أكثر مما يعرف المختصون والمعماريّون ، في اللغة العربيّة يعرفون أكثر مما يعرف أهل مجامع اللغة و أكثر من فقهائها ، في الفنون يبدو أنهم توصلوا إلى معرفة فاقت ما صنعه المسرحيّون والمطربون والممثلون والرسامون والسينمائيون ، في الكتابة والأدب ينافسون أهل الحرفة و يزعمون أنهم يتفوقون عليهم ، وفي الصحافة وفي علوم الأسواق وفي علوم الاجتماع والفقه وفي علوم الفلسفة وفي الرياضيّات وفي أصناف الخضار وفي انواع الخبز والطحين وفي أصول القضاء والزواج والطلاق وفي أصول النكاية والنفاق ! .. في البلاد ثمة أشخاص يعرفون في الأشياء كلّها وأكثر مما نتصور و نتخيل و أكثر من أهل المعرفة أنفسهم . .. في البلاد ثمة أشخاص يعرفون عنك أكثر مما تعرف عن نفسك ، و يعرفون عن الخبز أكثر من الخبّاز وعن الدجاجة أكثر من مربيها و ذابحها وبائعها ، و يعرفون عن الشوارع أكثر من عابريها وعن البيوت أكثر من ساكنيها وعن القبور أكثر من الأموات و عن الفئران والقطط والكلاب أكثر من جمعيات حماية البيئة . .. في البلاد أشخاص ، يعرفون ما الذي ننتوي قوله قبل أن نقوله وما الذي نريد فعله قبل أن نفعله . .. في البلاد متخصصون بارعون في الحديث بالنيابة عنك في المواضيع جميعها و متخصصون بارعون في تناول الطعام بدلا ً منك إذا شئت و متخصصون بارعون في التنفس نيابة عنك و متخصصون بارعون في قراءة أحلام نومك قبل أن تنام. .. في البلاد أشخاص يتصدرون الحديث في العناوين والمواقع جميعها : في الجنازات ، في الأسواق ، في الأعراس و في الميتات ، في شؤون المدارس والعلم والجامعات ، في شؤون الطب والهندسة والرياضيّات ، في علم النفس والاجتماع والحاسوب والكيمياء والطبّ النبويّ و التنجيم وعلوم الأدوية و أمراض البواسير والقلب والرئتين والمفاصل ، في شؤون الانتخابات والفرز والجغرافيا والتاريخ والتأريخ و إعادة إنتاج التاريخ ، ويعرفون تماماً في صنع الطعام والفلافل والبطاطا والبصل والميرميّة والأعشاب الطبيّة البديلة وداء النقرص و أمراض الفم والفكّين و الزهايمر . .. في البلاد، هؤلاء وأولئك، هم أنفسهم يعرفون في الأشياء كلها وحين تحاول أن تتحدث عن جدك أو والدك أو والدتك ، يتنطعون ويزعمون أنهم يعرفون الأمر أكثر منك . .. أولئك يتصدرون المجالس والدواوين وبيوت العزاء ومناسبات الأفراح والمقابر وصالونات الحلاقة و أسواق الخضار و محال الحلويات و مكاتب الخدمات و المطاعم و حتى بجوار الباعة المتنقلين و بالقرب من عاملي النظافة . يتصدرون ويهرفون بكل شيء. أمّا في شؤون السياسة فهم أهلها وفرسانها كما يزعمون . .. حضورهم طاغ ٍ على حضور العارفين الصامتين الحقيقيّين . والفوضى عارمة.
    نيسان ـ نشر في 2015/10/19 الساعة 00:00