لماذا لم يذهب (ولاد الكلب) للانتخاب
نيسان ـ نشر في 2015/10/20 الساعة 00:00
ليست المشكلة في تدنّي نسبة المشاركة في الاقتراع على برلمان عبد الفتاح السيسي، فهذا يحدث في مصر دائماً، وعلى مرّ العصور، وربما كان الاستثناء الوحيد في هذه الحالة هو ما جرى مع أول دعوة للاحتكام إلى الصناديق، عقب ثورة يناير 2011، حين خرجت جموع المواطنين، تحت المطر، للتصويت على التعديلات الدستورية، في مارس/آذار من العام نفسه، ثم كان الخروج الثاني للتصويت في انتخابات برلمان 2012، وبعد ذلك في الانتخابات الرئاسية.
المشكلة الحقيقية أن السياسة ماتت في مصر، قتلها السيسي في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، حين قضى على فكرة احترام إرادة الناخب التي تعد الصناديق وحدة القياس العلمية الوحيدة لها، وكرّس مفهوماً جديداً لما أسماها الإرادة الشعبية، المصنوعة، بغسيل الدماغ إعلامياً، وزراعة الخوف، بحيث يسهل ابتزاز الجماهير وخداعها واقتيادها، عن طريق التفزيع الأمني، والترهيب الاقتصادي والاجتماعي.
قتلها السيسي، حين مارس أكبر وأوضح عملية نصب على المواطن المصري، بأن دعاه إلى حرق محصول ديمقراطيته الوليدة، على أن يساعده في زراعتها مجدداً، فيتخلص من رئيسه المدني صاحب الشرعية الانتخابية، بزعم اختلال شرعية الأداء، على وعد بتهيئة التربة لانتخاب رئيس مدني آخر، مع تأكيدات وأيمانٍ مغلظة بأنه غير طامع في الحكم، ولا عازم على الترشح لانتخابات رئاسية قادمة.. ثم جرى ما جرى، واستحوذ السيسي على السلطة، من خلال مسرحية هزلية، استدعى لها حمدين صباحي من مقهى "بعرة" السياسي، و"بعرة" لمن لا يعلم هو المقهى الشهير في وسط القاهرة الذي يجد فيه المخرجون والمنتجون ضالتهم من "الكومبارس" أو "الدوبلير" اللازمين لإبراز قوة بطل العمل الدرامي.
على ضوء ذلك، يمكن اعتبار انتخابات مجلس النواب التي جرت مرحلتها الأولى، على مدار اليومين الفائتين، أول اختبار سياسي حقيقي لعبد الفتاح السيسي ونظامه، بعد أكثر من عامين من المساخر الانتخابية. ولأن المصريين أدركوا أنه لا سياسة مع السيسي، فقد أشاحوا بوجوههم عن الخدعة الجديدة التي يراد بها خداع الخارج، وليس بناء الداخل، كون الرجل يحتاج إلى ملء الخانة الفارغة من استمارة الدجل المسماة خريطة المستقبل، ليقول للعالم الخارجي إنه أنجز الجزء الثالث من الواجب المدرسي، أكثر مما يحتاج، أو يهتم، لوجود سلطة تشريعية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
أصيب نظام عبد الفتاح السيسي كله بما يشبه لوثة، أو هيستيريا ما بعد مقاطعة اللعبة السخيفة المكررة، فكان الحل الأسهل اتهام الشعب بالجهل وانعدام الوطنية، قالها إعلاميون وإعلاميات وفنانون وفنانات، من مختلف الأوزان والأحجام: هذا شعب لا يستحق الحياة، لأنه خذل السيسي، نبيّه المزيف ورسوله المصنوع، وبالتالي فليتلق وعده، وينتظر الأيام السوداء.
في هذا نشر أحد المواقع السيسية مقطع فيديو لعجوز يمشي في أحد الشوارع ينادي على المصريين "انزلوا انتخبوا يا ولاد الكلب". لا يختلف هذا النداء عما رددته كاتبة سيسية، ابنة وزير ثقافة سابق من زمن أنور السادات وحسني مبارك، حين اعتبرت أن من يُلام على عدم خروج الشباب للاقتراع هن أمهاتهم اللاتي فشلن في تربيتهم، وهو المعنى الذي عبّرت عنه جيوش الإعلام والفنون السيسية في نشيد واحد: مقاطعو الانتخابات مجردون من الوطنية ومعدومو الضمير.
لم يواجه أحد نفسه بالحقيقة، ويبحث عن الأسباب الحقيقية لعدم نزول "ولاد الكلب" الممتنعين، المقاطعين، المعارضين، الشامتين.. لم يسألوا أنفسهم من الذي قتل السياسة، ومن المستفيد من قتل السياسة في مصر.
ثمة تفسيرات لهذا الإلحاح من إعلام السيسي على تكريس فكرة فشل انتخابات البرلمان، والإمعان في إبراز مظاهر الغياب الجماعي، تذهب إلى أن هذا مقصود ومخطط له بعناية، بحيث يأتي برلمان مطعون في جدارته وشرعيته، قبل أن ينعقد، أو يبدأ عمله، بحيث يكون برلماناً على رأسه بطحة، تجعله كسيراً ذليلاً، إنْ فكّر يوماً في ممارسة دوره، ليظل موصوماً بأنه البرلمان الذي أنف المصريون وتعفّفوا عن تعفير أحذيتهم بالذهاب لانتخابه، فجاء بأصوات أقل من عشرة بالمائة، من المصوتين.
قد تثبت الأيام بعض الوجاهة لهذه التفسيرات، غير أن هذا كله لا ينفي أن المصريين وجهوا صفعة مدوية لمن قتلوا السياسة، ودمروا الممارسة الديمقراطية، وتعاملوا معهم باعتبارهم "ولاد الكلب" الذين يتحكمون فيهم بمعادلة بافلوف الشهيرة، واثقين من القدرة على إسالة لعابهم وتحريك خصورهم وهز أجسادهم، كلما أسمعوهم "تسلم الأيادي" و"بشرة خير"، وفتحوا عليهم رشاشات الخلاعة والابتذال.
المشكلة الحقيقية أن السياسة ماتت في مصر، قتلها السيسي في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، حين قضى على فكرة احترام إرادة الناخب التي تعد الصناديق وحدة القياس العلمية الوحيدة لها، وكرّس مفهوماً جديداً لما أسماها الإرادة الشعبية، المصنوعة، بغسيل الدماغ إعلامياً، وزراعة الخوف، بحيث يسهل ابتزاز الجماهير وخداعها واقتيادها، عن طريق التفزيع الأمني، والترهيب الاقتصادي والاجتماعي.
قتلها السيسي، حين مارس أكبر وأوضح عملية نصب على المواطن المصري، بأن دعاه إلى حرق محصول ديمقراطيته الوليدة، على أن يساعده في زراعتها مجدداً، فيتخلص من رئيسه المدني صاحب الشرعية الانتخابية، بزعم اختلال شرعية الأداء، على وعد بتهيئة التربة لانتخاب رئيس مدني آخر، مع تأكيدات وأيمانٍ مغلظة بأنه غير طامع في الحكم، ولا عازم على الترشح لانتخابات رئاسية قادمة.. ثم جرى ما جرى، واستحوذ السيسي على السلطة، من خلال مسرحية هزلية، استدعى لها حمدين صباحي من مقهى "بعرة" السياسي، و"بعرة" لمن لا يعلم هو المقهى الشهير في وسط القاهرة الذي يجد فيه المخرجون والمنتجون ضالتهم من "الكومبارس" أو "الدوبلير" اللازمين لإبراز قوة بطل العمل الدرامي.
على ضوء ذلك، يمكن اعتبار انتخابات مجلس النواب التي جرت مرحلتها الأولى، على مدار اليومين الفائتين، أول اختبار سياسي حقيقي لعبد الفتاح السيسي ونظامه، بعد أكثر من عامين من المساخر الانتخابية. ولأن المصريين أدركوا أنه لا سياسة مع السيسي، فقد أشاحوا بوجوههم عن الخدعة الجديدة التي يراد بها خداع الخارج، وليس بناء الداخل، كون الرجل يحتاج إلى ملء الخانة الفارغة من استمارة الدجل المسماة خريطة المستقبل، ليقول للعالم الخارجي إنه أنجز الجزء الثالث من الواجب المدرسي، أكثر مما يحتاج، أو يهتم، لوجود سلطة تشريعية بالمعنى الحقيقي للكلمة.
أصيب نظام عبد الفتاح السيسي كله بما يشبه لوثة، أو هيستيريا ما بعد مقاطعة اللعبة السخيفة المكررة، فكان الحل الأسهل اتهام الشعب بالجهل وانعدام الوطنية، قالها إعلاميون وإعلاميات وفنانون وفنانات، من مختلف الأوزان والأحجام: هذا شعب لا يستحق الحياة، لأنه خذل السيسي، نبيّه المزيف ورسوله المصنوع، وبالتالي فليتلق وعده، وينتظر الأيام السوداء.
في هذا نشر أحد المواقع السيسية مقطع فيديو لعجوز يمشي في أحد الشوارع ينادي على المصريين "انزلوا انتخبوا يا ولاد الكلب". لا يختلف هذا النداء عما رددته كاتبة سيسية، ابنة وزير ثقافة سابق من زمن أنور السادات وحسني مبارك، حين اعتبرت أن من يُلام على عدم خروج الشباب للاقتراع هن أمهاتهم اللاتي فشلن في تربيتهم، وهو المعنى الذي عبّرت عنه جيوش الإعلام والفنون السيسية في نشيد واحد: مقاطعو الانتخابات مجردون من الوطنية ومعدومو الضمير.
لم يواجه أحد نفسه بالحقيقة، ويبحث عن الأسباب الحقيقية لعدم نزول "ولاد الكلب" الممتنعين، المقاطعين، المعارضين، الشامتين.. لم يسألوا أنفسهم من الذي قتل السياسة، ومن المستفيد من قتل السياسة في مصر.
ثمة تفسيرات لهذا الإلحاح من إعلام السيسي على تكريس فكرة فشل انتخابات البرلمان، والإمعان في إبراز مظاهر الغياب الجماعي، تذهب إلى أن هذا مقصود ومخطط له بعناية، بحيث يأتي برلمان مطعون في جدارته وشرعيته، قبل أن ينعقد، أو يبدأ عمله، بحيث يكون برلماناً على رأسه بطحة، تجعله كسيراً ذليلاً، إنْ فكّر يوماً في ممارسة دوره، ليظل موصوماً بأنه البرلمان الذي أنف المصريون وتعفّفوا عن تعفير أحذيتهم بالذهاب لانتخابه، فجاء بأصوات أقل من عشرة بالمائة، من المصوتين.
قد تثبت الأيام بعض الوجاهة لهذه التفسيرات، غير أن هذا كله لا ينفي أن المصريين وجهوا صفعة مدوية لمن قتلوا السياسة، ودمروا الممارسة الديمقراطية، وتعاملوا معهم باعتبارهم "ولاد الكلب" الذين يتحكمون فيهم بمعادلة بافلوف الشهيرة، واثقين من القدرة على إسالة لعابهم وتحريك خصورهم وهز أجسادهم، كلما أسمعوهم "تسلم الأيادي" و"بشرة خير"، وفتحوا عليهم رشاشات الخلاعة والابتذال.
نيسان ـ نشر في 2015/10/20 الساعة 00:00