ليث شبيلات.. معارض أحبه الحسين وسياسي جاهر بما في الأدراج
نيسان ـ نشر في 2022/12/23 الساعة 00:00
فاطمة العفيشات
اللوازم الوصيفة التي لصقت باسمه طاردته وطاردها. كانت عبئا عليه، وكان هو أيضا عبئا عليها.
أن تقول المعارض ليث شبيلات فهذا شأن لا بد وأن يحرج الكيان المعارض في الاردن. وكأنه كان يقول لهم: هكذا هي المعارضة. وعندما كان يكتب قبل او بعد اسمه المعارض الوطني فهذا شأن لا بد انه كان يحرج الوطنيين مولاة ومعارضة. فهكذا تكون الوطنية.
وإن قلت النقابي كذا يطيح بنقابيي اليوم. فحياته كانت (الكاتالوج) الذي يشرح لك كيف يجب ان يكون النقابي، سواء عندما يسكن مجمع النقابات او عندما يخرج منه.
أما عندما تقول النائب الاردني الاسبق ليث شبيلات فهذا يحرق كل الأوراق النيابية التي ارادوا ان يرسموها لنا. فهو ببساطة يقول لك مرة اخرى: هكذا يجب ان تكون النيابة.
إنها ورطة للجميع أليس كذلك. ألم نقل إنه كان عبئا على نفسه وعبئا على الاخرين.
في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني العام 1942 ولد ليث شبيلات في العاصمة الأردنية عمّان, وهو الطفل الثالث بين 6 أطفال لفرحان شبيلات ابن الطفيلة, ووالدته فريدة قطب المولودة في معان من أصول نابلسية.
بدأ ليث دراسته الابتدائية في الكلية الأهلية في بيروت حيث كان والده سفيراً للأردن هناك .
في العام 1952 عادت عائلة فرحان إلى الأردن لينتقل ليث إلى الكلية الإسلامية في عمّان لاكمال دراسته المتوسطة والتي بقي فيها سنة واحدة قبل أن ينتقل إلى كلية Terra Sancta, حيث مكث في الأردن في منزل أصدقاء لعائلته, عقب تعيين والده سفيراً للأردن في ألمانيا.
شكل فرحان الصورة المثالية للآباء في ذهن ابنه ليث حد أن يكون قدوته وبطله الأوحد, فالأب عمل سفيراً للأردن في عهد الملك عبدالله الأول في عدة بلدان عربية وعالمية, كما عمل أيضاً مستشاراً للملك.
في العام 1956 عاد ليث إلى بيروت بعد أن طلبت منه العائلة ذلك, ململة أفرادها خوفاً من حرب السويس التي اندلعت آنذاك, فعاد إلى منزل العائلة الذي تسكنه جدته اللبنانية وتقيم معها شقيقته, والتحق بالكلية العلمية التي تخرج منها في العام 1959.
كان للمسجد المجاور لمنزله في بيروت الفضل في تعرفه على الدين أكثر و"تدينه قليلا" كما وصف ذات مرة, لكن ذلك لم يلبث كثيراً حتى عاد الشاب للهو بعد دخوله للسكن الخاص بالكلية العلمية ومن ثم المرحلة الجامعية وانخراطه بالأنشطة والمرح مع الأصدقاء حيث عرف حينها بنشاطه الذي تترجم بقيادته فريق كرة قدم بالإضافة للتمثيل والإخراج بمسرحيات أدارها بنفسه.
في العام 1964 تخرج ليث من كلية الهندسة من الجامعة الأمريكية في بيروت, لينتقل إلى تونس التي عمل بها لمدة عام ونصف.
بعد تعيين والده فرحان شبيلات سفيراً للأردن في واشنطن رغب الشاب مرافقة والده ليتعرف إلى أمريكا ويكمل دراسته الماجستير هناك, ورغم وصفه تلك التجربة "المزعجة" لأنه كان يرى أن تلك البلاد ليست حضارية وتاريخها بسيط؛ إلا أنه حقق رغبته وحصل على شهادة الماجستير في هندسة الإنشاءات من جامعة جورج واشنطن في العام1968
بداية مرحلة التصوف والتدين
خلال تواجده في واشنطن بدأ ليث شبيلات رحلته في البحث عن عمل في دول أوروبا, لكن حظه أخذه صوب روما حيث مقر شركة سعودية مكلفة ببناء أول محطة تلفزيونية سعودية, كانت تبحث عن مهندس مسلم يستطيع دخول مكة المكرمة.
أمضى ليث في روما سنة ونصف, سافر خلالها مرات عديدة إلى السعودية وليبيا.
عرف الشاب بعلاقاته الإجتماعية وتفاعله على الآخرين, وهذا ما دفع من كان يقابلهم من غير العرب وغير المسلمين ليسألوه عن أمور في الدين كانوا يرونها أنها شبهات مثل تعدد الزوجات, فما كان من الشاب إلا أن يجيبهم فتوة ويحاورهم دفاعا عن هويته الإسلامية.
ذات مرة اسدل الستار عن نقطة البداية مع التعمق والدين وأشواط من عصف ذهني لإقناع الذات , حيث قال: "موضوع الدين كنت قد وضعته في الإنتظار, عندما كنت أجيبهم عن أسئلتهم أحدث نفسي بأن هذا هو المنطق فلماذا لا أتبعه, لذلك قررت إخراج ملف الدين والبحث فيه فالجبن أن يبقى في الانتظار".
بدأ عقبها بالبحث والتعمق في الدين, ذات مرة فكر بصوت مرتفع فقال: "لا يجوز إلا أن أحترم نفسي الله موجود ويجب أن يطاع أو أنه غير موجود, لكن إله لا يطاع لا يجوز, عليك أن تبت الأمر وأنا أفعل الأمر بصدق.
تزوج ليث شبيلات 3 مرات, ورزق بعشرة أبناء . سُئل إن كان يفرض الدين على أبنائه فأجاب: "نحن نربيهم ونعلمهم كل من يرى أن أولاده وبناته على الطريق المستقيم هو سعيد".
كان ليث شبيلات يرى أن التدين لوحده ليس إشارة استقامة, بالنسبة له قد يبقى الإنسان لوحده على مظهر التدين وفي قلبه فساد وشهوات وأحقاد وينظر إلى الدنيا نظرة سوداوية , يؤكد ان الدين هو من أهم وسائل السكينة وترقية النفس والعدالة.
السياسي ليث شبيلات
غاب ليث عن المجتمع وعن مخالطة من هم ليسوا على طريقته خمسة عشر عاماً قرر بعدها انه لا خير في تربية لا تستثمر في خدمة المجتمع ولم يكن يفكر في السياسة بل في النشاط الاجتماعي الثقافي الذي يبرز الإسلام كأداة نفع عام للمجتمع الإنساني بجميع شرائحه ليرشح نفسه في العام 1978 لمنصب نقيب المهندسين في قمة الوجود اليساري على الساحة الاجتماعية السياسية وفشل ، وفي العام 1982 عاود الترشح فكان أول نقيب إسلامي يصل إلى إحدى أهم النقابات المهنية الاثنتي عشر التي لم يكن يستطيع الوصول إلى عضويتها أحد الإسلاميين في ذلك الوقت.
وجود شبيلات في النقابات المهنية دفعه نحو عالم السياسة ليخوض مواجهاته السياسية من داخل الأردن كمعارض أردني وطني.
أسر ذات لقاء: "والدي كان يطلب مني الابتعاد عن السياسة , دخلت النقاببة وجدتني استشاري, قرأت الدستور صدقت نفسي ورحت أطبقه ووجدته لا يطبق".
بعد تنصيبه نقيبا للمهندسيين حل مكان مجلس النواب مجلس وطني استشاري معين تتعامل معه الحكومة كالبرلمان, لذلك كانت رغبة السلطة السياسية أن تضفي عليه اكثر المظاهر الشرعية على هذا المجلس فقررت أن تعين فيه شخصيات منتخبة , فعينت بعض النقباء ومنهم ليث الشبيلات.
في البداية لم يوافق شبيلات على التعيين لثلاثة أسباب أولهما معرفته بالإرادة الملكية من خلال التلفزيون , والثاني أن لغته العربية لم تكن قوية, أما الأخير عدم دستورية المجلس الوطني الاستشاري حيث كانت المعارضة تقاطعه بسبب غياب البرلمان.
لم يكن ليث يحترم أي شخص سياسي لا يتكلم الفصحى , هو يعتبر ذلك نقصا رئيسيا في تكوين شخصية الإنسان العربي والقيادي بالذات.
بدأت التدخلات لإقناعه بعدم الرفض وتم إقناعه بأن الرفض سيفسر كإهانة غير مبررة للملك والسبب الثاني بأن الذي تعلم الفرنسية المتواضعة والإيطالية الأشد تواضعا يمكنه رفع مستوى لغته العربية بسرعة من خلال الممارسة والدراسة الذاتية ، أما السبب الثالث فقد حسمه أحد رجال المعارضة حين قال له: "هذا منبر فإن عرفت في نفسك القدرة على قول رأيك بحرية فاقبل وإلا فارفض" وقبل.
قرأ شبيلات الدستور لأول مرة وبدأ يطبقه في مداولات المجلس بوضوح دون خوف, لتبدأ رحلته مع كشف أوراق السياسة وما خفي منها,وتبين أن هناك خطوطا حمراء غير تلك المكتوبة في الدستور لا يجوز تخطيها, فرفض جميع التدخلات لإقناعه بتحديد سقف منخفض, مما تسبب إحراج للسلطة لأن المجلس كان آنذاك مغطى إعلامياً بشكل كبير ولم تستطع السلطة بتر كامل مداخلاته إلا أن ما كان يصل منها إلى الصحافة كافيا للفت الانظار إلى موقف يتخده مستشار معين.
في العام1984 عادت الحياة البرلمانية لطبيعتها وكانت بعض المقاعد شاغرة في مجلس النواب , وتحتاج انتخابات فرعية لملئها. دائرة عمان مثلت وقتئذ 60% من سكان المملكة وتشمل مثلاً الأزرق على بعد 70كم وجرش على بعد 50كم ومآدبا على بعد 30 كم فخاض انتخابات المقعد الشاغر وإكتسحها بضعف الأصوات التي حصل عليها الذي يليه .
كان المجتمع ما زال يعتبر شبيلات ممثلاً للتيار الإسلامي فقط ويخوض الآخرون الانتخابات ضده لكن ممارسته البرلمانية المميزة والتي غير فيها عادات الأحزاب التي كانت تهتم بالدفاع عن الإنسان المنتمي لفكرها أو حزبها أو طائفتها فقط, فدافع ليث عن جميع المظلومين بلا تمييز وكان معظمهم من التيارات غير الإسلامية , ليدخل في مواجهات شديدة مع الحكومة لرفع الظلم عن المعتقلين والمحرومين من العودة إلى الأردن والمحرومين من الوظائف فما أن بلغ عام 1988 إلا وقد اصبح تأييد الشبيلات متغلغلاً في جميع التيارات.
خلافه مع الإخوان المسلمين
بدأ الخلاف يظهر بين شبيلات وقيادة التيار الإسلامي المتمثل بالإخوان المسلمين, في ذلك الوقت كانت غيوم أزمة سياسية اقتصادية تتلبد في سماء الأردن وشعرت القوى بقرب حل البرلمان واحتمالات تغيبه وكانت النقابات المنبر المتمكن الأقوى والمستقل في الأردن فأجمعت القوى كلها على ترشيح ليث لانتخابات نقابة المهندسين للتصدي للمرحلة السياسية المرتقبة.
رفض الإخوان ترشح ليث وخاضوا معركة التحالف , رغم ذلك فاز بأغلبية 3-1 على منافسيه وبالفعل تم حل البرلمان وعصفت الأزمة الاقتصادية في الأردن حيث هبط الدينار وتسبب ذلك في انتفاضة نيسان العفوية واعطى وجود ليث نقيباً للمهندسين ورئيسا لمجلس النقباء المهنيين في تلك الفترة مجالاً لتصدره قيادة تمثيل الرأي العام المطالب بمحاكمة المفسدين وإطلاق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكانت شخصيته المقبولة من جميع الفئات ومواقفه الصلبة سبباً في جعله نقطة التقاء للجميع في الدعوة إلى مؤتمر وطني أردني يحقق للشعب حقوقه المسلوبة برئاسة أحد كبار رجال العشائر وهو الشيخ نايف الخريشه وأسندت إلى ليث فيه مهمة المقرر العام.
أعلن الديوان الملكي عقبها عزم الملك على إعادة الانتخابات العامة وعلى إصدار الميثاق الوطني برعايته للدخول بالأردن إلى المرحلة الجديدة. وأجمعت القوى على رفض الميثاق والتمسك بعقد المؤتمر الوطني وتم خوض الانتخابات النيابية على هذا الأساس وجاء برلمان 1989 مفزعاً الحكومة لأول وهلة إذ كان يبدو أن اكثر من نصفه من المعارضة إلا أنه وفي اقل من شهر تبين بأن معظم الشخصيات والقوى السياسية تتطلع إلى احتلال مراكز في الحكم بدأت تفاوض عليها إضافة إلى سهولة قبول الكثيرين لامتيازات مخصصة من الديوان الملكي ومن غير الديوان الملكي.
تفاجأ ليث وبعض الشخصيات من الإخوان المسلمين وبعضها قومي ويساري , بقبول الغالبية من المعارضة الدخول في اللجنة الوطنية لصياغة الميثاق الذي شاركت فيه كل التنظيمات بعكس ما تعاهدت عليه ، لتبدأ مرحلة جديدة بعد اقل من شهر من مباشرة البرلمان لمهامه حيث ركز ليث على إنتقاد المعارضة معتبراً إياها قد تخلت عن دورها في حماية الشعب.
في العام1990 اعلن شبيلات نيته اعتزال البرلمان لعد إيمانه بالمؤسسة التي تمت مصادرتها من مؤسسة في خدمة الشعب إلى مؤسسة في خدمة المتسلطين على الشعب . في العام 1992 تقديم ليث للمحكمة العسكرية بعد أن ألقى خطابات صريحة في البرلمان يطالب فيها بالإصلاحات الدستورية التي تجعل من الأردن نيابيا دستوريا وليس ملكية مطلقة مغلفة بديكور دستوري كما هو ممارس.
كاد ليث ينجح في إحالة رئيس وزراء سابق للمحاكمة حيث حصل التصويت بالإدانة على 48 صوتا ينقصها 4 أصوات للحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة ولكنها كانت إدانة سياسية لأنها حصلت على الأغلبية المطلقة للبرلمان وبعد اقل من شهر من هذه الجلسة وحتى لا تفتح اللجنة تحقيقا يمس رئيس الوزراء العامل يومها تمت محاكمة الشبيلات وصديقه النائب الشيخ يعقوب قرش مع اثنين آخرين في قضية النفير المزعومة في العام 1992 والتي فُضحت بانكشاف التزوير المنظم الذي مارسته أجهزة الدولة ضد المتهمين الرئيسيين ، فحكم بالإعدام مخفضاً لعشرين عاماً بالأشغال الشاقة بسبب “حسن سلوكه.
بعد يومين من صدور الحكم أصدر الملك الحسين عفواً عاماً اخرج فيه ليث من السجن .
كتبت إحدى الصحف ذات مرة عنواناً: "ليث شبيلات النائب المشاكس", فرد على العنوان : "لقد فسد الزمان لدرجةبات ما أفعله بطولة, مع أن آبائنا كانوا يعتبرون تركه نذالة".
عرف عن فرحان شبيلات والد ليث بصراحته وجرأته في الآراء, حيث كان الملك عبدالله الأول يحترم آرائه وإن كانت مخالفة ويرد عليه في بعض الأحيان.
بعد خروج شبيلات من السجن اجتمع مع الجميع على رفضهم لقانون الصوت الواحد لمعرفتهم بأن طريقه ستنتهي بتطويع البرلماان.
مررت الحكومة قانون الصوت الواحد الذي يقزم النيابة من نيابة للشعب إلى نيابة عن حي أو عشيرة تدخل الملك الحسين شخصيا بخطاب لوح فيه بالعصا لكل من لا يشارك, فعادت معظم الاحزاب والقوى والشخصيات المعارضة عما تعهدت عليه وشاركت في الانتخابات , إلا ليث الذي استمر بالمقاطعة , فيما قررت باقي القوى مقاطعة الانتخابات النيابية بعد أربع سنوات، مع استمرار الخلاف بسبب أطروحات شبيلات التي تطالب بتقييد الملكية بتعديلات دستورية هيكلية جذرية بينما توافقه جميع الجهات الأخرى على الرأي إلا أنها لا تقبل أن تعلن ذلك الرأي علناً ولا تضعه في برنامجها خلاف لمجاهرته بما يهمس به على الطاولات.
حكم على ليث بالسجن ثلاث سنوات إثر محاضرته الشهيرة حول “وعد بلفور وموقف الحكام العرب” التي ذكر فيها الاتفاقيات التي ابرمت مع الصهاينة منذ مطلع القرن, ورغم وجوده في السجن وقد انتخب نقيبا للمهندسين لمرة رابعة رغم محاولة الحكومة لاسقاطه فسمحت للمهندسين في القوات المسلحة بالانتخاب لأول مرة وتجميعهم وإعطائهم اوامر صريحة بعدم التصويت لليث الشبيلات لكنها فوجئت السلطة بحصوله على 85%من الاصوات
عقب شهر من تنصيبه مرة أخرى لنقابة المهندسيين ترشح شبيلات للبرلمان عن مقعد محافظة البلقاء في الانتخابات التكميلية حيث حصل على تأييد كاسح في فترة ما قبل الترشيح , مما اضطر الحكومة الى استصدار امر قضائي بمنعه عن الترشيح ورغم ذلك حصل على بضعة الاف من الاصوات في الصناديق رغم انه غير مرشح.
علاقته مع الملك حسين والعفو الخاص
في اغسطس/آب من العام 1996 حدثت انتفاضة الخبز في الكرك والطفيلة وكان شعار المتظاهرين الاول المطالبة بالافراج عن ليث الشبيلات وبعد ان أمضى أحد عشر شهرا في السجن حضر الملك الى السجن شخصياً وافرج عنه واصطحبه بسيارته الى المنزل.
قبل يوم من ذلك زار الملك الحسين والدة ليث شبيلات, يقول ذات لقاء: "الملك الحسين مؤدب جداً مع الناس, زار والدتي وقال لها ماذا تأمرينني أنا مثل ابنك, طلبت منه صورة له بالزي العسكري , ولم تتحدث مطلقاً عن قضيتي وسجني أمامه ولم تطلب منه العفو عني, مما جعل الملك يخرج مسروراً معجباً بشخصية الأم".
في اليوم التالي حضر الملك إلى السجن واصطحب شبيلات إلى منزل والدته. تحدث شبيلات مع الملك الحسين خلال مسيرهما في السيارة بعدة أمور, ذكر شبيلات أولها وأهمها بطرحه موضوع الجهاز القضائي, حيث قال للملك حينها: "اختصر لك القضاء من خبرتي بالسجون, من يرسل زوجته للقاضي يأخذ شهرين إلى ثلاثة ومن لا يرسلها للقاضي يأخذ حكم عشر سنوات في نفس القضية" الملك تقبل حديث شبيلات لوجود معلومات مسبقة لديه عن مشكلات الجهاز القضائي, فرد عليه: "ألا تعتقد أن الحصانة على القضاء سبب في ذلك؟".
كان لليث دور في الإفراج عن مساجين أردنيين في العراق بعد أن قابل صدام حسين, والذي رد على اللقاء بالإفراج عنهم جميعهم تكريماً للشعب الأردني الممثل بشبيلات كما جاء في البيان الرسمي العراقي.
في فبراير/ شباط من العام 1998 تأزمت العلاقات بين الأمم المتحدة و العراق وسط توقعات بهجوم أمريكي عليه, تحرك المهندس ليث ضمن اللجنة الوطنية لنصرة العراق لمنع تورط السلطة الأردنية في الهجوم المتوقع و لحشد الشعب الأردني للوقوف مع العراق.
كان من ضمن النشاطات محاضرة في معان يوم الخميس 19/2/1998 و بعد مغادرته معان تلك الليلة تم توقيفه في طريق عودته واسندت أليه تهم التحريض على التجمهر غير المشروع وإثارة الفتنة. وفي الثاني عشر من مايو/أيار من العام ذاته أصدرت محكمة أمن الدولة قرارها بحبسه تسعة أشهر في قرار غير متوقع نظرا لضعف الأدلة و الشهود الذين قدمهم الأدعاء.
بعد أسبوع أصدر الملك الحسين عفواً عن شبيلات إلا أنه رفض وأرسل رسالة للملك يرفض فيها العفو معللاً أن حريته الفكرية حقه ولا يمنن عليه بها وأنه لم يرتكب جريمة في حقه بالتعبير السياسي.
في مرات سجنه الثلاث لم يطلب شبيلات عفواً ملكياً كان يقول دائماً "أنا بريء" وكان يعلم بأنه سيخرج مهما طالت المدة فالنظام سيتأزم بوجود من مثله في السجن.
رغم اعتقالاته وسجنه ومحاربة آرائه السياسية الصريحة التي كان يرفض أن تكون همساً حبيساً للمسامع التي لا تقوى على الوقوف والتحدث بصراحة الحقيقة؛ كان للملك الحسين مكانة قريبة في قلب شبيلات الإنسان. في مقابلة له في العام1998 كان الملك الحسين في رحلة استشفاء في الولايات المتحدة الأمركية, عندما ذكرت المذيعة لليث مرض الملك رد بأن خلاف الرأي لا يفسد للود قضية وأنه يتمنى أن تكون التقارير التي يسمعها صحيحة ويعود بصحة جيدة. واستطرد وقتئذ: "من حبنا لبلدنا أرى أن التكلم عن إزالة النظام الملكي تلاعب بالإستقرار وتدمير للأردن ولا أشجع على ذلك ولا أعمل له ولا أدعو له, المطلوب أن تصل الشعوب إلى حق اتخاذ قرارها تحت النظام الملكي أو أي نظام ".
انسحب شبيلات من النشاط السياسي في أواخر التسعينيات لكنه كان يؤمن بحصته من المملكة كمواطن صالح وحقه في التحدث وإبداء آرائه.
في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول أقدم مجهولون على الاعتداء على ليث شبيلات في الطريق على خلفية محاضرة ألقاها في رابطة الكتاب الأردنيين انتقد فها الأوضاع السياسية بالبلاد ,حيث أُصيب بإصابات طفيفة نقل على إثرها للمستشفى ليأمر الملك عبدالله الثاني بتوفير حماية مسلحة لشبيلات، وفق ما أعلنه مدير الأمن العام الأردني الفريق حسين المجالي آنذاك.
في بداية عام 2011 كان لشبيلات تصريحات ضد الحكومة الأردنية طالب خلالها بإصلاحات شاملة تصل «مؤسسة العرش»، واعتبر أن الأردن ينزف بسبب الديوان الملكي، ودعا إلى إصلاحات تحقق قيام ملكية دستورية عبر تقليص سلطات وصلاحيات الملك, حيث أرسل شبيلات رسالة إلى ملك الأردن محذراً فيها من تردي الأوضاع، ومطالبة بالإصلاحات.
كان شبيلات يرى أن الإصلاح لن يتم بتغيير الحكومة ولا إسقاط النظام , كان يدعو إصلاح جذري للنظام في الأردن، "إصلاح لا يوجد فيه مزاح".
في ديسمبر/كانون الأول من العام 2022 حدثت مظاهرات واحتجاجات في الأردن بدأت في معان وامتدت لعمان حتى ولت شمال الأردن إربد, نظراً لارتفاع أسعار المحروقات غير المسبوق في تاريخ الأردن في هذا العام, وإعلان الحكومة نيتها رفع الدعم عن موازنة العام المقبل, مما أجج الشارع الأردني بعد تصريحات حكومية اعتبرها الشارع الأردني مستفزة.
وفي ضخم تلك الإحتجاجات التي لم يحتملها ربما شبيلات وحذر منها كثيراً على مدلى أعوام طويلة؛ أعلن قلبه الاستسلام ونبض نبضته الأخيرة في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول من العام 2022 في منزله في العاصمة الأردنية عمان, ليشيع جسده المناضل المئات إلى مثواه الآخير بحضور عدد من السياسيين والحراكين بالإضافة لرئيس الديوان الملكي الذي حضر مندوباً عن الملك عبدالله الثاني.
اللوازم الوصيفة التي لصقت باسمه طاردته وطاردها. كانت عبئا عليه، وكان هو أيضا عبئا عليها.
أن تقول المعارض ليث شبيلات فهذا شأن لا بد وأن يحرج الكيان المعارض في الاردن. وكأنه كان يقول لهم: هكذا هي المعارضة. وعندما كان يكتب قبل او بعد اسمه المعارض الوطني فهذا شأن لا بد انه كان يحرج الوطنيين مولاة ومعارضة. فهكذا تكون الوطنية.
وإن قلت النقابي كذا يطيح بنقابيي اليوم. فحياته كانت (الكاتالوج) الذي يشرح لك كيف يجب ان يكون النقابي، سواء عندما يسكن مجمع النقابات او عندما يخرج منه.
أما عندما تقول النائب الاردني الاسبق ليث شبيلات فهذا يحرق كل الأوراق النيابية التي ارادوا ان يرسموها لنا. فهو ببساطة يقول لك مرة اخرى: هكذا يجب ان تكون النيابة.
إنها ورطة للجميع أليس كذلك. ألم نقل إنه كان عبئا على نفسه وعبئا على الاخرين.
في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني العام 1942 ولد ليث شبيلات في العاصمة الأردنية عمّان, وهو الطفل الثالث بين 6 أطفال لفرحان شبيلات ابن الطفيلة, ووالدته فريدة قطب المولودة في معان من أصول نابلسية.
بدأ ليث دراسته الابتدائية في الكلية الأهلية في بيروت حيث كان والده سفيراً للأردن هناك .
في العام 1952 عادت عائلة فرحان إلى الأردن لينتقل ليث إلى الكلية الإسلامية في عمّان لاكمال دراسته المتوسطة والتي بقي فيها سنة واحدة قبل أن ينتقل إلى كلية Terra Sancta, حيث مكث في الأردن في منزل أصدقاء لعائلته, عقب تعيين والده سفيراً للأردن في ألمانيا.
شكل فرحان الصورة المثالية للآباء في ذهن ابنه ليث حد أن يكون قدوته وبطله الأوحد, فالأب عمل سفيراً للأردن في عهد الملك عبدالله الأول في عدة بلدان عربية وعالمية, كما عمل أيضاً مستشاراً للملك.
في العام 1956 عاد ليث إلى بيروت بعد أن طلبت منه العائلة ذلك, ململة أفرادها خوفاً من حرب السويس التي اندلعت آنذاك, فعاد إلى منزل العائلة الذي تسكنه جدته اللبنانية وتقيم معها شقيقته, والتحق بالكلية العلمية التي تخرج منها في العام 1959.
كان للمسجد المجاور لمنزله في بيروت الفضل في تعرفه على الدين أكثر و"تدينه قليلا" كما وصف ذات مرة, لكن ذلك لم يلبث كثيراً حتى عاد الشاب للهو بعد دخوله للسكن الخاص بالكلية العلمية ومن ثم المرحلة الجامعية وانخراطه بالأنشطة والمرح مع الأصدقاء حيث عرف حينها بنشاطه الذي تترجم بقيادته فريق كرة قدم بالإضافة للتمثيل والإخراج بمسرحيات أدارها بنفسه.
في العام 1964 تخرج ليث من كلية الهندسة من الجامعة الأمريكية في بيروت, لينتقل إلى تونس التي عمل بها لمدة عام ونصف.
بعد تعيين والده فرحان شبيلات سفيراً للأردن في واشنطن رغب الشاب مرافقة والده ليتعرف إلى أمريكا ويكمل دراسته الماجستير هناك, ورغم وصفه تلك التجربة "المزعجة" لأنه كان يرى أن تلك البلاد ليست حضارية وتاريخها بسيط؛ إلا أنه حقق رغبته وحصل على شهادة الماجستير في هندسة الإنشاءات من جامعة جورج واشنطن في العام1968
بداية مرحلة التصوف والتدين
خلال تواجده في واشنطن بدأ ليث شبيلات رحلته في البحث عن عمل في دول أوروبا, لكن حظه أخذه صوب روما حيث مقر شركة سعودية مكلفة ببناء أول محطة تلفزيونية سعودية, كانت تبحث عن مهندس مسلم يستطيع دخول مكة المكرمة.
أمضى ليث في روما سنة ونصف, سافر خلالها مرات عديدة إلى السعودية وليبيا.
عرف الشاب بعلاقاته الإجتماعية وتفاعله على الآخرين, وهذا ما دفع من كان يقابلهم من غير العرب وغير المسلمين ليسألوه عن أمور في الدين كانوا يرونها أنها شبهات مثل تعدد الزوجات, فما كان من الشاب إلا أن يجيبهم فتوة ويحاورهم دفاعا عن هويته الإسلامية.
ذات مرة اسدل الستار عن نقطة البداية مع التعمق والدين وأشواط من عصف ذهني لإقناع الذات , حيث قال: "موضوع الدين كنت قد وضعته في الإنتظار, عندما كنت أجيبهم عن أسئلتهم أحدث نفسي بأن هذا هو المنطق فلماذا لا أتبعه, لذلك قررت إخراج ملف الدين والبحث فيه فالجبن أن يبقى في الانتظار".
بدأ عقبها بالبحث والتعمق في الدين, ذات مرة فكر بصوت مرتفع فقال: "لا يجوز إلا أن أحترم نفسي الله موجود ويجب أن يطاع أو أنه غير موجود, لكن إله لا يطاع لا يجوز, عليك أن تبت الأمر وأنا أفعل الأمر بصدق.
تزوج ليث شبيلات 3 مرات, ورزق بعشرة أبناء . سُئل إن كان يفرض الدين على أبنائه فأجاب: "نحن نربيهم ونعلمهم كل من يرى أن أولاده وبناته على الطريق المستقيم هو سعيد".
كان ليث شبيلات يرى أن التدين لوحده ليس إشارة استقامة, بالنسبة له قد يبقى الإنسان لوحده على مظهر التدين وفي قلبه فساد وشهوات وأحقاد وينظر إلى الدنيا نظرة سوداوية , يؤكد ان الدين هو من أهم وسائل السكينة وترقية النفس والعدالة.
السياسي ليث شبيلات
غاب ليث عن المجتمع وعن مخالطة من هم ليسوا على طريقته خمسة عشر عاماً قرر بعدها انه لا خير في تربية لا تستثمر في خدمة المجتمع ولم يكن يفكر في السياسة بل في النشاط الاجتماعي الثقافي الذي يبرز الإسلام كأداة نفع عام للمجتمع الإنساني بجميع شرائحه ليرشح نفسه في العام 1978 لمنصب نقيب المهندسين في قمة الوجود اليساري على الساحة الاجتماعية السياسية وفشل ، وفي العام 1982 عاود الترشح فكان أول نقيب إسلامي يصل إلى إحدى أهم النقابات المهنية الاثنتي عشر التي لم يكن يستطيع الوصول إلى عضويتها أحد الإسلاميين في ذلك الوقت.
وجود شبيلات في النقابات المهنية دفعه نحو عالم السياسة ليخوض مواجهاته السياسية من داخل الأردن كمعارض أردني وطني.
أسر ذات لقاء: "والدي كان يطلب مني الابتعاد عن السياسة , دخلت النقاببة وجدتني استشاري, قرأت الدستور صدقت نفسي ورحت أطبقه ووجدته لا يطبق".
بعد تنصيبه نقيبا للمهندسيين حل مكان مجلس النواب مجلس وطني استشاري معين تتعامل معه الحكومة كالبرلمان, لذلك كانت رغبة السلطة السياسية أن تضفي عليه اكثر المظاهر الشرعية على هذا المجلس فقررت أن تعين فيه شخصيات منتخبة , فعينت بعض النقباء ومنهم ليث الشبيلات.
في البداية لم يوافق شبيلات على التعيين لثلاثة أسباب أولهما معرفته بالإرادة الملكية من خلال التلفزيون , والثاني أن لغته العربية لم تكن قوية, أما الأخير عدم دستورية المجلس الوطني الاستشاري حيث كانت المعارضة تقاطعه بسبب غياب البرلمان.
لم يكن ليث يحترم أي شخص سياسي لا يتكلم الفصحى , هو يعتبر ذلك نقصا رئيسيا في تكوين شخصية الإنسان العربي والقيادي بالذات.
بدأت التدخلات لإقناعه بعدم الرفض وتم إقناعه بأن الرفض سيفسر كإهانة غير مبررة للملك والسبب الثاني بأن الذي تعلم الفرنسية المتواضعة والإيطالية الأشد تواضعا يمكنه رفع مستوى لغته العربية بسرعة من خلال الممارسة والدراسة الذاتية ، أما السبب الثالث فقد حسمه أحد رجال المعارضة حين قال له: "هذا منبر فإن عرفت في نفسك القدرة على قول رأيك بحرية فاقبل وإلا فارفض" وقبل.
قرأ شبيلات الدستور لأول مرة وبدأ يطبقه في مداولات المجلس بوضوح دون خوف, لتبدأ رحلته مع كشف أوراق السياسة وما خفي منها,وتبين أن هناك خطوطا حمراء غير تلك المكتوبة في الدستور لا يجوز تخطيها, فرفض جميع التدخلات لإقناعه بتحديد سقف منخفض, مما تسبب إحراج للسلطة لأن المجلس كان آنذاك مغطى إعلامياً بشكل كبير ولم تستطع السلطة بتر كامل مداخلاته إلا أن ما كان يصل منها إلى الصحافة كافيا للفت الانظار إلى موقف يتخده مستشار معين.
في العام1984 عادت الحياة البرلمانية لطبيعتها وكانت بعض المقاعد شاغرة في مجلس النواب , وتحتاج انتخابات فرعية لملئها. دائرة عمان مثلت وقتئذ 60% من سكان المملكة وتشمل مثلاً الأزرق على بعد 70كم وجرش على بعد 50كم ومآدبا على بعد 30 كم فخاض انتخابات المقعد الشاغر وإكتسحها بضعف الأصوات التي حصل عليها الذي يليه .
كان المجتمع ما زال يعتبر شبيلات ممثلاً للتيار الإسلامي فقط ويخوض الآخرون الانتخابات ضده لكن ممارسته البرلمانية المميزة والتي غير فيها عادات الأحزاب التي كانت تهتم بالدفاع عن الإنسان المنتمي لفكرها أو حزبها أو طائفتها فقط, فدافع ليث عن جميع المظلومين بلا تمييز وكان معظمهم من التيارات غير الإسلامية , ليدخل في مواجهات شديدة مع الحكومة لرفع الظلم عن المعتقلين والمحرومين من العودة إلى الأردن والمحرومين من الوظائف فما أن بلغ عام 1988 إلا وقد اصبح تأييد الشبيلات متغلغلاً في جميع التيارات.
خلافه مع الإخوان المسلمين
بدأ الخلاف يظهر بين شبيلات وقيادة التيار الإسلامي المتمثل بالإخوان المسلمين, في ذلك الوقت كانت غيوم أزمة سياسية اقتصادية تتلبد في سماء الأردن وشعرت القوى بقرب حل البرلمان واحتمالات تغيبه وكانت النقابات المنبر المتمكن الأقوى والمستقل في الأردن فأجمعت القوى كلها على ترشيح ليث لانتخابات نقابة المهندسين للتصدي للمرحلة السياسية المرتقبة.
رفض الإخوان ترشح ليث وخاضوا معركة التحالف , رغم ذلك فاز بأغلبية 3-1 على منافسيه وبالفعل تم حل البرلمان وعصفت الأزمة الاقتصادية في الأردن حيث هبط الدينار وتسبب ذلك في انتفاضة نيسان العفوية واعطى وجود ليث نقيباً للمهندسين ورئيسا لمجلس النقباء المهنيين في تلك الفترة مجالاً لتصدره قيادة تمثيل الرأي العام المطالب بمحاكمة المفسدين وإطلاق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وكانت شخصيته المقبولة من جميع الفئات ومواقفه الصلبة سبباً في جعله نقطة التقاء للجميع في الدعوة إلى مؤتمر وطني أردني يحقق للشعب حقوقه المسلوبة برئاسة أحد كبار رجال العشائر وهو الشيخ نايف الخريشه وأسندت إلى ليث فيه مهمة المقرر العام.
أعلن الديوان الملكي عقبها عزم الملك على إعادة الانتخابات العامة وعلى إصدار الميثاق الوطني برعايته للدخول بالأردن إلى المرحلة الجديدة. وأجمعت القوى على رفض الميثاق والتمسك بعقد المؤتمر الوطني وتم خوض الانتخابات النيابية على هذا الأساس وجاء برلمان 1989 مفزعاً الحكومة لأول وهلة إذ كان يبدو أن اكثر من نصفه من المعارضة إلا أنه وفي اقل من شهر تبين بأن معظم الشخصيات والقوى السياسية تتطلع إلى احتلال مراكز في الحكم بدأت تفاوض عليها إضافة إلى سهولة قبول الكثيرين لامتيازات مخصصة من الديوان الملكي ومن غير الديوان الملكي.
تفاجأ ليث وبعض الشخصيات من الإخوان المسلمين وبعضها قومي ويساري , بقبول الغالبية من المعارضة الدخول في اللجنة الوطنية لصياغة الميثاق الذي شاركت فيه كل التنظيمات بعكس ما تعاهدت عليه ، لتبدأ مرحلة جديدة بعد اقل من شهر من مباشرة البرلمان لمهامه حيث ركز ليث على إنتقاد المعارضة معتبراً إياها قد تخلت عن دورها في حماية الشعب.
في العام1990 اعلن شبيلات نيته اعتزال البرلمان لعد إيمانه بالمؤسسة التي تمت مصادرتها من مؤسسة في خدمة الشعب إلى مؤسسة في خدمة المتسلطين على الشعب . في العام 1992 تقديم ليث للمحكمة العسكرية بعد أن ألقى خطابات صريحة في البرلمان يطالب فيها بالإصلاحات الدستورية التي تجعل من الأردن نيابيا دستوريا وليس ملكية مطلقة مغلفة بديكور دستوري كما هو ممارس.
كاد ليث ينجح في إحالة رئيس وزراء سابق للمحاكمة حيث حصل التصويت بالإدانة على 48 صوتا ينقصها 4 أصوات للحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة ولكنها كانت إدانة سياسية لأنها حصلت على الأغلبية المطلقة للبرلمان وبعد اقل من شهر من هذه الجلسة وحتى لا تفتح اللجنة تحقيقا يمس رئيس الوزراء العامل يومها تمت محاكمة الشبيلات وصديقه النائب الشيخ يعقوب قرش مع اثنين آخرين في قضية النفير المزعومة في العام 1992 والتي فُضحت بانكشاف التزوير المنظم الذي مارسته أجهزة الدولة ضد المتهمين الرئيسيين ، فحكم بالإعدام مخفضاً لعشرين عاماً بالأشغال الشاقة بسبب “حسن سلوكه.
بعد يومين من صدور الحكم أصدر الملك الحسين عفواً عاماً اخرج فيه ليث من السجن .
كتبت إحدى الصحف ذات مرة عنواناً: "ليث شبيلات النائب المشاكس", فرد على العنوان : "لقد فسد الزمان لدرجةبات ما أفعله بطولة, مع أن آبائنا كانوا يعتبرون تركه نذالة".
عرف عن فرحان شبيلات والد ليث بصراحته وجرأته في الآراء, حيث كان الملك عبدالله الأول يحترم آرائه وإن كانت مخالفة ويرد عليه في بعض الأحيان.
بعد خروج شبيلات من السجن اجتمع مع الجميع على رفضهم لقانون الصوت الواحد لمعرفتهم بأن طريقه ستنتهي بتطويع البرلماان.
مررت الحكومة قانون الصوت الواحد الذي يقزم النيابة من نيابة للشعب إلى نيابة عن حي أو عشيرة تدخل الملك الحسين شخصيا بخطاب لوح فيه بالعصا لكل من لا يشارك, فعادت معظم الاحزاب والقوى والشخصيات المعارضة عما تعهدت عليه وشاركت في الانتخابات , إلا ليث الذي استمر بالمقاطعة , فيما قررت باقي القوى مقاطعة الانتخابات النيابية بعد أربع سنوات، مع استمرار الخلاف بسبب أطروحات شبيلات التي تطالب بتقييد الملكية بتعديلات دستورية هيكلية جذرية بينما توافقه جميع الجهات الأخرى على الرأي إلا أنها لا تقبل أن تعلن ذلك الرأي علناً ولا تضعه في برنامجها خلاف لمجاهرته بما يهمس به على الطاولات.
حكم على ليث بالسجن ثلاث سنوات إثر محاضرته الشهيرة حول “وعد بلفور وموقف الحكام العرب” التي ذكر فيها الاتفاقيات التي ابرمت مع الصهاينة منذ مطلع القرن, ورغم وجوده في السجن وقد انتخب نقيبا للمهندسين لمرة رابعة رغم محاولة الحكومة لاسقاطه فسمحت للمهندسين في القوات المسلحة بالانتخاب لأول مرة وتجميعهم وإعطائهم اوامر صريحة بعدم التصويت لليث الشبيلات لكنها فوجئت السلطة بحصوله على 85%من الاصوات
عقب شهر من تنصيبه مرة أخرى لنقابة المهندسيين ترشح شبيلات للبرلمان عن مقعد محافظة البلقاء في الانتخابات التكميلية حيث حصل على تأييد كاسح في فترة ما قبل الترشيح , مما اضطر الحكومة الى استصدار امر قضائي بمنعه عن الترشيح ورغم ذلك حصل على بضعة الاف من الاصوات في الصناديق رغم انه غير مرشح.
علاقته مع الملك حسين والعفو الخاص
في اغسطس/آب من العام 1996 حدثت انتفاضة الخبز في الكرك والطفيلة وكان شعار المتظاهرين الاول المطالبة بالافراج عن ليث الشبيلات وبعد ان أمضى أحد عشر شهرا في السجن حضر الملك الى السجن شخصياً وافرج عنه واصطحبه بسيارته الى المنزل.
قبل يوم من ذلك زار الملك الحسين والدة ليث شبيلات, يقول ذات لقاء: "الملك الحسين مؤدب جداً مع الناس, زار والدتي وقال لها ماذا تأمرينني أنا مثل ابنك, طلبت منه صورة له بالزي العسكري , ولم تتحدث مطلقاً عن قضيتي وسجني أمامه ولم تطلب منه العفو عني, مما جعل الملك يخرج مسروراً معجباً بشخصية الأم".
في اليوم التالي حضر الملك إلى السجن واصطحب شبيلات إلى منزل والدته. تحدث شبيلات مع الملك الحسين خلال مسيرهما في السيارة بعدة أمور, ذكر شبيلات أولها وأهمها بطرحه موضوع الجهاز القضائي, حيث قال للملك حينها: "اختصر لك القضاء من خبرتي بالسجون, من يرسل زوجته للقاضي يأخذ شهرين إلى ثلاثة ومن لا يرسلها للقاضي يأخذ حكم عشر سنوات في نفس القضية" الملك تقبل حديث شبيلات لوجود معلومات مسبقة لديه عن مشكلات الجهاز القضائي, فرد عليه: "ألا تعتقد أن الحصانة على القضاء سبب في ذلك؟".
كان لليث دور في الإفراج عن مساجين أردنيين في العراق بعد أن قابل صدام حسين, والذي رد على اللقاء بالإفراج عنهم جميعهم تكريماً للشعب الأردني الممثل بشبيلات كما جاء في البيان الرسمي العراقي.
في فبراير/ شباط من العام 1998 تأزمت العلاقات بين الأمم المتحدة و العراق وسط توقعات بهجوم أمريكي عليه, تحرك المهندس ليث ضمن اللجنة الوطنية لنصرة العراق لمنع تورط السلطة الأردنية في الهجوم المتوقع و لحشد الشعب الأردني للوقوف مع العراق.
كان من ضمن النشاطات محاضرة في معان يوم الخميس 19/2/1998 و بعد مغادرته معان تلك الليلة تم توقيفه في طريق عودته واسندت أليه تهم التحريض على التجمهر غير المشروع وإثارة الفتنة. وفي الثاني عشر من مايو/أيار من العام ذاته أصدرت محكمة أمن الدولة قرارها بحبسه تسعة أشهر في قرار غير متوقع نظرا لضعف الأدلة و الشهود الذين قدمهم الأدعاء.
بعد أسبوع أصدر الملك الحسين عفواً عن شبيلات إلا أنه رفض وأرسل رسالة للملك يرفض فيها العفو معللاً أن حريته الفكرية حقه ولا يمنن عليه بها وأنه لم يرتكب جريمة في حقه بالتعبير السياسي.
في مرات سجنه الثلاث لم يطلب شبيلات عفواً ملكياً كان يقول دائماً "أنا بريء" وكان يعلم بأنه سيخرج مهما طالت المدة فالنظام سيتأزم بوجود من مثله في السجن.
رغم اعتقالاته وسجنه ومحاربة آرائه السياسية الصريحة التي كان يرفض أن تكون همساً حبيساً للمسامع التي لا تقوى على الوقوف والتحدث بصراحة الحقيقة؛ كان للملك الحسين مكانة قريبة في قلب شبيلات الإنسان. في مقابلة له في العام1998 كان الملك الحسين في رحلة استشفاء في الولايات المتحدة الأمركية, عندما ذكرت المذيعة لليث مرض الملك رد بأن خلاف الرأي لا يفسد للود قضية وأنه يتمنى أن تكون التقارير التي يسمعها صحيحة ويعود بصحة جيدة. واستطرد وقتئذ: "من حبنا لبلدنا أرى أن التكلم عن إزالة النظام الملكي تلاعب بالإستقرار وتدمير للأردن ولا أشجع على ذلك ولا أعمل له ولا أدعو له, المطلوب أن تصل الشعوب إلى حق اتخاذ قرارها تحت النظام الملكي أو أي نظام ".
انسحب شبيلات من النشاط السياسي في أواخر التسعينيات لكنه كان يؤمن بحصته من المملكة كمواطن صالح وحقه في التحدث وإبداء آرائه.
في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول أقدم مجهولون على الاعتداء على ليث شبيلات في الطريق على خلفية محاضرة ألقاها في رابطة الكتاب الأردنيين انتقد فها الأوضاع السياسية بالبلاد ,حيث أُصيب بإصابات طفيفة نقل على إثرها للمستشفى ليأمر الملك عبدالله الثاني بتوفير حماية مسلحة لشبيلات، وفق ما أعلنه مدير الأمن العام الأردني الفريق حسين المجالي آنذاك.
في بداية عام 2011 كان لشبيلات تصريحات ضد الحكومة الأردنية طالب خلالها بإصلاحات شاملة تصل «مؤسسة العرش»، واعتبر أن الأردن ينزف بسبب الديوان الملكي، ودعا إلى إصلاحات تحقق قيام ملكية دستورية عبر تقليص سلطات وصلاحيات الملك, حيث أرسل شبيلات رسالة إلى ملك الأردن محذراً فيها من تردي الأوضاع، ومطالبة بالإصلاحات.
كان شبيلات يرى أن الإصلاح لن يتم بتغيير الحكومة ولا إسقاط النظام , كان يدعو إصلاح جذري للنظام في الأردن، "إصلاح لا يوجد فيه مزاح".
في ديسمبر/كانون الأول من العام 2022 حدثت مظاهرات واحتجاجات في الأردن بدأت في معان وامتدت لعمان حتى ولت شمال الأردن إربد, نظراً لارتفاع أسعار المحروقات غير المسبوق في تاريخ الأردن في هذا العام, وإعلان الحكومة نيتها رفع الدعم عن موازنة العام المقبل, مما أجج الشارع الأردني بعد تصريحات حكومية اعتبرها الشارع الأردني مستفزة.
وفي ضخم تلك الإحتجاجات التي لم يحتملها ربما شبيلات وحذر منها كثيراً على مدلى أعوام طويلة؛ أعلن قلبه الاستسلام ونبض نبضته الأخيرة في الثامن عشر من ديسمبر/كانون الأول من العام 2022 في منزله في العاصمة الأردنية عمان, ليشيع جسده المناضل المئات إلى مثواه الآخير بحضور عدد من السياسيين والحراكين بالإضافة لرئيس الديوان الملكي الذي حضر مندوباً عن الملك عبدالله الثاني.
نيسان ـ نشر في 2022/12/23 الساعة 00:00