تمكين وتحديث الأردن: بعد 'غيوم الإصلاح' متى تمطر دون 'هندسة'؟
نيسان ـ نشر في 2023/02/04 الساعة 00:00
الضغط كبير ويزداد في المشهد السياسي الأردني ضمن سياق تحديث المنظومة السياسية للبلاد على مختلف المكونات الاجتماعية حتى تتحرك بصيغة أكبر وأكثر كثافة نحو العمل الحزبي، الذي لا يؤمن به حتى الآن وبالرغم من كل ما قيل في دعم وإسناد التعددية الحزبية إلا أقلية من المواطنين.
يظهر ذلك مع العدد البائس والمحدود الذي لا يزيد على 20 ألف اسم مسجل في إطار عضوية الأحزاب القديمة والجديدة. ويظهر ذلك أيضاً في الروح السلبية التي يمكن تلمسها حتى بين نشطاء تحديث المنظومة الفاعلين وهم يحاولون ركوب موجة تشكيل أحزاب سياسية جديدة، يعتقد عموماً بأن وظيفتها المستقبلية أعمق بكثير وجداً من الانتقال إلى إدارة برلمان عبر الأحزاب، مما يرجح أن مشروع تحديث المنظومة المثير للجدل الآن له هدف أبعد في حسم مستقبل شكل عملية التداول للسلطة في إطار ديمقراطية برلمانية متدرجة.
يخشى سياسيون كبار من الاستمرار في هندسة الإصلاح بدلاً من الإصلاح. لكن الإصلاح يحتاج إلى هندسة تناسب الظرف والمكان والإنسان. ودرج سياسي وبرلماني عميق مثل الدكتور ممدوح العبادي، إلى استعمال عبارة شعبية دارجة وهو يرد على الاستفسارات المتعلقة بعزوفه حتى اللحظة عن العمل الحزبي، وهي العبارة التي تقول “لو بدها تشتي غيمت”.
لا أحد يمكنه أن يعرف مسبقاً طبيعة وهوية وتركيبة الغيوم المطلوبة حتى يثق الجيل السياسي القديم ومعه الجيل المسيس الحديث أيضاً أن قطار التحديث السياسي انطلق فعلاً على سكته، والمشروع لا رجعة عنه وأصبح المادة الأساسية في المستقبل.
مشاريع إصلاحية
لا ينفي العبادي ولا غيره وهم يتفاعلون مع “القدس العربي” دور مشاريع إصلاحية قديمة طرحت إعلامياً ونتجت عنها وثائق مرجعية ولم تر النور، لأن التيارات المحافظة في مستويات القرار كانت تتمكن منها مبكراً وأحياناً قبل ولادتها، الأمر الذي سجل ذكريات مؤلمة وحزينة، ويعتقد الدكتور مروان المعشر أيضاً وهو أكثر المشتبكين مع الملف الإصلاحي السياسي بأن لها دوراً وبصمة في تحديد المواقف والاتجاهات اليوم.
حصلت الدولة ومراكز القرار التقليدية والمحافظة فيها على الضمانات التي تقتضيها الاحتياجات السيادية، وكان قد تحدث عن بعضها مبكراً الأب الروحي لمشروع تحديث المنظومة والغائب عن المشهد حالياً رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
لكن المواطن الأردني بدوره لم يحصل على الضمانات التي تشكل احتياجاً أساسياً له، والأمر أقرب إلى خطاب نوايا -برأي السياسي مروان الفاعوري- يحتاج إلى اختبارات متعددة لا تبدو السلطات جادة فيها قبل ركوب موجته أو الخوض فيه.
واحدة من مفارقات المسار الحزبي الجديد في الأردن أنه يخضع للتسويق والترويج وبدون ضمانات، الأهم الآن بدون حواضن اجتماعية حقيقية تمثل أفقياً مكونات المجتمع أو حتى تصل إلى مستوى توفير أرضية من شرائح المجتمع تصلح لتعبئة مقاعد الأحزاب وحافلاتها، وخصوصاً الجديدة، بعيداً عن حسابات المقاعد والكراسي والمستوزرين، وبعيداً أيضاً عمن تتلبسهم روح الطموح للحصول على مقعد برلماني جديد مستقبلاً مجاناً وبأقل الكلف وعبر رافعة العمل الحزبي.
ثبت اليوم عملياً أن الاستهانة بالحواضن الاجتماعية لم يكن سلوكاً حكيماً. وثبت اليوم أيضاً بأن مقولة التدرج والمرحلة الأولى لإقناع وطمأنة نخب الدولة والبيروقراط التي رفعها لأسباب ترويجية الرفاعي لم تكن أيضاً ضمن السلوكيات المنتجة.
بصمة في الوجدان
وثبت في المقابل، كما يقر ويقرر الفاعوري وغيره، بأن تجارب الماضي في ملف الإصلاح السياسي تركت بصمة في وجدان الجمهور ليس من السهل تحريكها أو إزالتها عبر تشكيل لجان عريضة ثم تعديل بعض التشريعات أو عبر استعراضات لوثيقة جديدة، أغلب التقدير أن قيمتها مرتفعة فعلاً وكل ما تحتاجه أداء هرمونياً من أجهزة ومؤسسات الدولة يرفعها ويعمل لصالح رؤيتها.
وليس سراً في المقابل، أن فعالية مراقبة المواطن البسيط لسلوك السلطات أثناء ترتيب موسم الإصلاح السياسي بالقطعة والتدرج بالتقسيط، من العناصر الأساسية التي تشيع الإحباط وتقلص من عدد المهتمين، فيما يخشى حلفاء جادون لتحديث المنظومة مثل عضو البرلمان الخبير الدكتور خيري أبو صعليك، من أن يكون الهوس بهذه الملاحظات السلبية ولتشكيك بالنوايا والعمل والأداء هي جزء من الإشكال وليس من المعالجة والحل.
اقترح أبو صعليك مبكراً أمام “القدس العربي” الإيجابية والمشاركة ثم التقييم وتحديد الاتجاه، وخشيته قد تكون في محلها إذا ما وقفت الحالة فقط عند أسطوانة التشكيك والسلبية، لكن من يردون على هذا المنطق يقترحون على مؤسسات السلطة الرسمية تقديم أدلة وبراهين أولية وبسيطة على فكرة اقتناع مؤسسات ونخب القرار بمشروع ووثيقة تحديث المنظومة وليس الرأي العام أو الناس.
أدلة وقرائن
وتلك قد تكون المهمة الأصعب فعلاً، لأن الملاحظين والمشككين لديهم يومياً أدلة وقرائن بالممارسة البيروقراطية تؤدي إلى تذخير التشكيك، فيما لا تقدم الحكومة ومؤسساتها ذخيرة مناسبة لاحتواء السلبية وتأكيد الالتزام بوثائق التمكين والتحديث المطروحة على الشارع. في جزئية التمكين الاقتصادي استرسال حكومي ملموس في اتخاذ قرارات وإقرار تشريعات مهمة جداً دون تشاور مع القطاع الخاص.
وفي جزئية المسار السياسي رصد يومي لما يسميه حزب جبهة العمل الإسلامي بسياسات القمع وتراجع لا يمكن إنكاره في مسار الحريات العامة واستمرار للاعتقالات الاحترازية ومضايقات في الأقنية العميقة في الاتجاه المعاكس للتيارات أو الأحزاب الإسلامية دون غيرها خلافاً لأن التعامل مع مواقع الصف الأول في أحزاب المنظومة الجديدة يبدو أقرب لصيغة تعيينات بدلاً من انتخاب حر وحقيقي داخل هيئات تلك الأحزاب. كل تلك طبعاً ملاحظات على السلطة وليس على الجمهور في زمن تحديث المنظومة.
وكل تلك في المحصلة تأكيدات ضمنية على أن ملفات التحديث والتمكين تستخدم في هندستها طرقاً وأساليب وتقنيات الماضي، الأمر الذي يجعل ببساطة توقع نتائج مختلفة مسألة في غاية الصعوبة أو شبه مستحيلة، كما يفسر حالة الترقب والفرجة الشعبية حيث لا ينشغل لا بالتمكين ولا بالتحديث إلا نفر من المحظوظين والمحظيين ومعهم مئات من الطامحين والمستوزرين. القدس العربي
يظهر ذلك مع العدد البائس والمحدود الذي لا يزيد على 20 ألف اسم مسجل في إطار عضوية الأحزاب القديمة والجديدة. ويظهر ذلك أيضاً في الروح السلبية التي يمكن تلمسها حتى بين نشطاء تحديث المنظومة الفاعلين وهم يحاولون ركوب موجة تشكيل أحزاب سياسية جديدة، يعتقد عموماً بأن وظيفتها المستقبلية أعمق بكثير وجداً من الانتقال إلى إدارة برلمان عبر الأحزاب، مما يرجح أن مشروع تحديث المنظومة المثير للجدل الآن له هدف أبعد في حسم مستقبل شكل عملية التداول للسلطة في إطار ديمقراطية برلمانية متدرجة.
يخشى سياسيون كبار من الاستمرار في هندسة الإصلاح بدلاً من الإصلاح. لكن الإصلاح يحتاج إلى هندسة تناسب الظرف والمكان والإنسان. ودرج سياسي وبرلماني عميق مثل الدكتور ممدوح العبادي، إلى استعمال عبارة شعبية دارجة وهو يرد على الاستفسارات المتعلقة بعزوفه حتى اللحظة عن العمل الحزبي، وهي العبارة التي تقول “لو بدها تشتي غيمت”.
لا أحد يمكنه أن يعرف مسبقاً طبيعة وهوية وتركيبة الغيوم المطلوبة حتى يثق الجيل السياسي القديم ومعه الجيل المسيس الحديث أيضاً أن قطار التحديث السياسي انطلق فعلاً على سكته، والمشروع لا رجعة عنه وأصبح المادة الأساسية في المستقبل.
مشاريع إصلاحية
لا ينفي العبادي ولا غيره وهم يتفاعلون مع “القدس العربي” دور مشاريع إصلاحية قديمة طرحت إعلامياً ونتجت عنها وثائق مرجعية ولم تر النور، لأن التيارات المحافظة في مستويات القرار كانت تتمكن منها مبكراً وأحياناً قبل ولادتها، الأمر الذي سجل ذكريات مؤلمة وحزينة، ويعتقد الدكتور مروان المعشر أيضاً وهو أكثر المشتبكين مع الملف الإصلاحي السياسي بأن لها دوراً وبصمة في تحديد المواقف والاتجاهات اليوم.
حصلت الدولة ومراكز القرار التقليدية والمحافظة فيها على الضمانات التي تقتضيها الاحتياجات السيادية، وكان قد تحدث عن بعضها مبكراً الأب الروحي لمشروع تحديث المنظومة والغائب عن المشهد حالياً رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
لكن المواطن الأردني بدوره لم يحصل على الضمانات التي تشكل احتياجاً أساسياً له، والأمر أقرب إلى خطاب نوايا -برأي السياسي مروان الفاعوري- يحتاج إلى اختبارات متعددة لا تبدو السلطات جادة فيها قبل ركوب موجته أو الخوض فيه.
واحدة من مفارقات المسار الحزبي الجديد في الأردن أنه يخضع للتسويق والترويج وبدون ضمانات، الأهم الآن بدون حواضن اجتماعية حقيقية تمثل أفقياً مكونات المجتمع أو حتى تصل إلى مستوى توفير أرضية من شرائح المجتمع تصلح لتعبئة مقاعد الأحزاب وحافلاتها، وخصوصاً الجديدة، بعيداً عن حسابات المقاعد والكراسي والمستوزرين، وبعيداً أيضاً عمن تتلبسهم روح الطموح للحصول على مقعد برلماني جديد مستقبلاً مجاناً وبأقل الكلف وعبر رافعة العمل الحزبي.
ثبت اليوم عملياً أن الاستهانة بالحواضن الاجتماعية لم يكن سلوكاً حكيماً. وثبت اليوم أيضاً بأن مقولة التدرج والمرحلة الأولى لإقناع وطمأنة نخب الدولة والبيروقراط التي رفعها لأسباب ترويجية الرفاعي لم تكن أيضاً ضمن السلوكيات المنتجة.
بصمة في الوجدان
وثبت في المقابل، كما يقر ويقرر الفاعوري وغيره، بأن تجارب الماضي في ملف الإصلاح السياسي تركت بصمة في وجدان الجمهور ليس من السهل تحريكها أو إزالتها عبر تشكيل لجان عريضة ثم تعديل بعض التشريعات أو عبر استعراضات لوثيقة جديدة، أغلب التقدير أن قيمتها مرتفعة فعلاً وكل ما تحتاجه أداء هرمونياً من أجهزة ومؤسسات الدولة يرفعها ويعمل لصالح رؤيتها.
وليس سراً في المقابل، أن فعالية مراقبة المواطن البسيط لسلوك السلطات أثناء ترتيب موسم الإصلاح السياسي بالقطعة والتدرج بالتقسيط، من العناصر الأساسية التي تشيع الإحباط وتقلص من عدد المهتمين، فيما يخشى حلفاء جادون لتحديث المنظومة مثل عضو البرلمان الخبير الدكتور خيري أبو صعليك، من أن يكون الهوس بهذه الملاحظات السلبية ولتشكيك بالنوايا والعمل والأداء هي جزء من الإشكال وليس من المعالجة والحل.
اقترح أبو صعليك مبكراً أمام “القدس العربي” الإيجابية والمشاركة ثم التقييم وتحديد الاتجاه، وخشيته قد تكون في محلها إذا ما وقفت الحالة فقط عند أسطوانة التشكيك والسلبية، لكن من يردون على هذا المنطق يقترحون على مؤسسات السلطة الرسمية تقديم أدلة وبراهين أولية وبسيطة على فكرة اقتناع مؤسسات ونخب القرار بمشروع ووثيقة تحديث المنظومة وليس الرأي العام أو الناس.
أدلة وقرائن
وتلك قد تكون المهمة الأصعب فعلاً، لأن الملاحظين والمشككين لديهم يومياً أدلة وقرائن بالممارسة البيروقراطية تؤدي إلى تذخير التشكيك، فيما لا تقدم الحكومة ومؤسساتها ذخيرة مناسبة لاحتواء السلبية وتأكيد الالتزام بوثائق التمكين والتحديث المطروحة على الشارع. في جزئية التمكين الاقتصادي استرسال حكومي ملموس في اتخاذ قرارات وإقرار تشريعات مهمة جداً دون تشاور مع القطاع الخاص.
وفي جزئية المسار السياسي رصد يومي لما يسميه حزب جبهة العمل الإسلامي بسياسات القمع وتراجع لا يمكن إنكاره في مسار الحريات العامة واستمرار للاعتقالات الاحترازية ومضايقات في الأقنية العميقة في الاتجاه المعاكس للتيارات أو الأحزاب الإسلامية دون غيرها خلافاً لأن التعامل مع مواقع الصف الأول في أحزاب المنظومة الجديدة يبدو أقرب لصيغة تعيينات بدلاً من انتخاب حر وحقيقي داخل هيئات تلك الأحزاب. كل تلك طبعاً ملاحظات على السلطة وليس على الجمهور في زمن تحديث المنظومة.
وكل تلك في المحصلة تأكيدات ضمنية على أن ملفات التحديث والتمكين تستخدم في هندستها طرقاً وأساليب وتقنيات الماضي، الأمر الذي يجعل ببساطة توقع نتائج مختلفة مسألة في غاية الصعوبة أو شبه مستحيلة، كما يفسر حالة الترقب والفرجة الشعبية حيث لا ينشغل لا بالتمكين ولا بالتحديث إلا نفر من المحظوظين والمحظيين ومعهم مئات من الطامحين والمستوزرين. القدس العربي
نيسان ـ نشر في 2023/02/04 الساعة 00:00