الممرات البحرية والأزمة الأوكرانية
نيسان ـ نشر في 2023/02/07 الساعة 00:00
قبل عقد من الزمن شاركت في برنامج مكثف تحت عنوان القيادة وقت الأزمات في معهد أثينا التكنولوجي في اليونان والذي كان زاخرا في المعلومات والتطبيقات العملية والتي منها الأزمات التي قد تواجهه الشركات الكبرى أو على مستوى الدول أو الإقليم أو الدولة، وفي إحدى الحلقات النقاشية تم التطرق لكيفية إدارة أزمة الممرات البحرية التي تربط المحيطات أو البحار ببعضها إن حدث في أحدها أو أكثر أزمة ما، وتم التطرق لممر ملقا وباب السلام (الاسم كبديل لاسم مضيق هرمز) وباب المندب والممرات التركية وممرات بحر الشمال وأقل حدة قناة السويس وجبل طارق رغم الأهمية الإستراتيجية القصوى لهما.
حسب سيمون فوت بأن عدد الممرات البحرية في العالم 130 ممرا والمستخدم منها حوالي 30، منها عشر ممرات ذات أهمية إستراتيجية عالمية كالتركية (البسفور والدردنيل) وقناة السويس وباب المندب وباب السلام وملقا الذي يصل المحيط الهادي ببحر الصين والمحيط الهندي وجبل طارق وقناة بنما ودوفر الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا وبيرنغ الذي يقع بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.
أن كافة الممرات (المضائق) تشكلت طبيعيا بفعل حركة الصفائح التكتونية والقوى الجيولوجية الأخرى باستثناء قناة السويس التي أنشئت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقناة بنما التي أنشئت ببداية القرن الماضي، كما يعتبر العبور من خلال الممرات البحرية مجانا باستثناء قناة السويس وبنما على أسس تجارية.
برزت أهمية الممرات المائية مع ظهور القوى البحرية العظمى كالأسطول العثماني والبريطاني والفرنسي وكذلك سعي القيصر الروسي بطرس الأعظم في القرن الثامن عشر لتوسيع الحدود الروسية للوصول إلى بحر البلطيق شمالا وبناء الأسطول البحري وكذلك سعيه للوصول إلى البحر الأسود بهدف الخروج للمياه الدافئة (وهو صاحب مقولة من يسيطر على المياه الدافئة سيطر على العالم) وقد تحقق هذا لروسيا في عهد الإمبراطورة ياكاترينا بعد هزيمة الأسطول العثماني والسيطرة على جزيرة القرم.
تزايدت أهمية الممرات البحرية خلال الحرب العالمية الاولى، الا ان الاهمية القصوى لبعضها ظهرت مع الاكتشافات النفطية المتسارعة في منطقة الشرق الاوسط خلال القرن الماضي، وهي المرشحة ايضا مع شمال افريقيا لتكون مصدرا للطاقة المتجددة.
إن الاعتماد العالمي على مصادر الطاقة الأحفورية دفع الكثير من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأميركية الى تعزيز قوتها البحرية وتواجدها العسكري في جنوب آسيا لحماية ممر ملقا وخليج تايون من التهديدات الصينية، وتعزيز وجودها في اراضي دول الخليج العربي لحماية ممر باب السلام من التهديدات الإيرانية وأي تهديد يتعرض له ممر باب المندب، والأمر ينطبق على قناة السويس.
كما أن الصين والتي بدأت خطة التطوير الاقتصادي المتسارع قبل خمسة عقود ووصلت الى ثاني اكبر اقتصاد عالمي عززت وجودها العسكري في خليج تايون وحول ممر ملقا المائي والخليج العربي وشرق افريقيا لتأمين مصالحها التجارية وضمان استمرار التدفقات النفطية والغازية وهي مرشحة لتكون اكبر مستهلك للطاقة خلال فترة لا تتجاوز العقدين من الزمن، وتتوقع تصعيدا ضدها في أي لحظة، وهي تعلم بان الدولة الوحيدة القادرة على اغلاق ممر ملقا المائي في وجهها هي الولايات المتحدة الاميركية وخاصة بعد صفقة الغواصات الاسترالية.
لمواجهة مثل هذه الأزمة إن وقعت، خطت الصين للخروج من عنق ممر ملقا عن طريق بناء موانئ لها في باكستان وميانمار وحق استخدام ميناء في سريلانكا وصولا الى اليونان ووضعت خطة لشق قناة جنوب تايلاند تربط بحر الصين بالمحيط الهندي وطريق الحرير والتوجه لاستيراد النفط والغاز الروسي عن طريق الأنابيب كبديل لنفط وغاز الشرق الأوسط مستفيدة من الأزمة الأوكرانية وما تبعها من قرارات أوروبية لمقاطعة النفط والغاز الروسي والذي كانت تعتمد عليه بشكلٍ رئيسي، الا انه من المستبعد ان تستغني اوروبا عن الواردات الروسية على المدى البعيد نظرا لوفرته وانخفاض تكلفة استيراده عبر الانابيب.
إن وقع أي نوع من الأزمات ولأي سبب في ممر ملقا المائي فإن ما يزيد على 40 % من تجارة العالم البحرية ستكون تحت التهديد وما يزيد ايضا على 80 % من الواردات النفطية لكبار المستهلكين في العالم كالصين واليابان كثاني وثالث مستهلك للطاقة وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها من الدول.
اما باب السلام فيمر من خلاله ما يقارب 20 % من الاستهلاك العالمي للنفط وكافة كميات الغاز المسال القطري حوالي 108 مليارات متر مكعب من الغاز وحسب التقارير الدولية وفي حال قامت ايران وهي حليف قوي لروسيا ولأي سبب في إغلاق المضيق فإن ما لا يقل عن 95 % من نفط العراق وكافة نفط الكويت وغاز قطر وجزء كبير من نفط السعودية وغيرها من المستوردات والصادرات لهذه البلدان ستصبح متوقفة أو شبه متوقفة ولو لفترة محدودة، حتى يتم التدخل بالقوة العسكرية من خلال القواعد المنتشرة في الخليج العربي من خلال التحالف الاميركي البريطاني والاسترالي بالاشتراك مع الإمارات والبحرين والتي أصبحت مقرا للاسطول الاميركي الخامس لاعادة الوضع الى ما هو عليه.
ولنا أن نتخيل انعكاسات مثل هذا الحدث على الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية منها وسيعمق لا محالة أزمة الركود الاقتصادي، على الرغم من وجود انابيب نقل سعودية لسواحل البحر الأحمر وإماراتية لسواحل خليج عمان إلا أنها لا تكفي لتصدير الإنتاج اليومي لهذه الدول، والتي تسعى لبناء انابيب نقل الى ساحل بحر العرب في حضرموت.
والحال ينطبق على ممر باب المندب الذي يمر من خلاله ما لا يقل عن 21000 سفينة سنويا وذلك حسب تقارير اتحاد الملاحة البحرية.
هذا وقد ازدادت التهديدات لهذا الممر مع اندلاع الحرب اليمنية والوجود الإيراني الكثيف الذي يفرض نفسه وانتشار القواعد العسكرية في أراضي الدول المشاطئة له في كل من أثيوبيا وأريتريا وجيبوتي والصومال للكثير من الدول كالولايات المتحدة الأميركية والصين وإيران واسرائيل وتركيا والامارات والسعودية وغيرها من الدول.
اما قناة السويس والتي تعتبر عصب التجارة العالمية، من المستبعد ان تتعرض لتهديد دولي في المرحلة الحالية أو المنظورة كون القناة تعمل على أسس تجارية، كما ان الجميع يعلم ان تعرض قناة السويس لأي خطر سيلهب المنطقة برمتها. والوضع كذلك فيما يتعلق بمضيق جبل طارق الذي تتحكم به بريطانيا منذ القرن الثامن عشر ومن المستبعد ان يحدث عليه أي تغيير عليه في المدى المنظور.
إلا أن الممرات التركية تعتبر الأخطر في هذه المرحلة بسبب الأزمة الأوكرانية ومن خلالها تمر التجارة الروسية القادمة من سواحل البحر الاسود وبحر ازوف وهما تحت سيطرة شبه كاملة لروسيا مؤخرا بالإضافة إلى التأثير على صادرات البترول والغاز القادمة من دول حوض بحر قزوين.
تركيا التي ما زالت متمسكة في تنفيذ أحكام اتفاقية مونترو لعام 1936 وتحاول الحفاظ على العلاقات المتوازنة لحماية مصالحها الاقتصادية مع روسيا من جهة والتي تقدر حجم التبادلات التجارية بأكثر من 32 مليار دولار بالإضافة الى ان الغاز الروسي الذي يلبي معظم احتياجاتها وهي الطامحة لتصبح مركز توزيع الغاز لاوروبا وبنفس الوقت المحافظة على التزاماتها كعضو في حلف الناتو من جهة أخرى، رغم التوتر الملحوظ بين تركيا والحلف في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من انها الدولة الاكثر حرصا في العالم لأنها النزاع في أسرع وقت من خلال المفاوضات إلا أن وضعها يعتبر في غاية الصعوبة لأسباب جيواستراتيجية متعددة وخاصة إذا خرج النزاع لخارج الحدود الاوكرانية فلا خيار امامها الا الانحياز للتحالف الغربي أو إخراجها من الحلف وخاصة مع ازدياد التوترات بينها وبين اليونان وعدم موافقتها حتى هذه اللحظة على انضمام السويد للحلف.
وهي تعلم جيدا أن إغلاق ممراتها أمام الملاحة الروسية يعتبر بمثابة إعلان الحرب وخاصة أن روسيا لديها القواعد العسكرية في شرق المتوسط. كما أن الأتراك لديهم إستراتيجيتهم الخاصة للتخلص من اتفاقية مونترو والتي تضمن الملاحة البحرية من خلال الممرات مجانا وتعمل على حفر قناة إسطنبول كبديل للمرات تعمل على أسس تجارية بحتة.
من بين الممرات البحرية الخطرة جدا ممر بيرنغ الذي يفصل روسيا عن أميركا والذي كان العالم يأمل أن يتم الاتفاق بين الدولتين لربط آسيا بأميركا من خلال تنفيذ ممر بري وطريق بحر الشمال والذي تعتبر نقاط توتر عالية الخطورة من حيث قدرة روسيا وشبه الحليف لها الصين من جهة من السيطرة شبه الكاملة على طريق بحر الشمال وروسيا التي تمتلك أكبر عدد من كاسحات الجليد منها ما يعمل بالطاقة النووية مما يجعلها الأقرب للسيطرة على القطب الشمالي الأمر الذي لن تسمح به أميركا وحلفاؤها من جهة اخرى.
كما أن روسيا التي تتعرض لأقوى عقوبات عبر التاريخ وفي حال استمرارها وإغلاق الممرات البحرية التركية وبحر البلطيق فليس أمامها إلا طريق بحر الشمال وإلا فهي مهددة لتصبح كوريا الشمالية الثانية، وهل تقبل بذلك؟، كما أن مثل هذا العمل يهدد استمرار عمل هيئة الأمم المتحدة.
من الواضح أن أي تهديد لأي من المضائق الإستراتيجية يعتبر بمثابة تسونامي سيضرب الاقتصاد العالمي القائم على استيراد النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي والمعتمد على الشرق الأوسط وأفريقيا في الوقت الحالي وكذلك الأمن الغذائي الذي يهدد بعض دول أفريقيا وآسيا بالمجاعة.
أما نحن في الأردن فلا أعتقد وجود أي تهديد في المدى المنظور لمضيق تيران الذي يتحكم بالملاحة في خليج العقبة إلا أن تجارتنا الخارجية ستكون مهددة كجزء من التجارة العالمية في حال إغلاق أي من الممرات البحرية الإستراتيجية وخاصة أمن الطاقة الأردني، وعلى الرغم من وجود أنابيب التزويد في الغاز من مصر واتفاقية الغاز الأخيرة مع إسرائيل إلا أن واردات النفط ومشتقاته تبقى مهددة خاصة أن استيراد النفط برا من العراق يكفي نسبة محدودة من الاستهلاك اليومي، وكذلك الأمن الغذائي.
ويضاف اليها الأزمات الداخلية التي تتعمق كأزمة المياه والأزمة الاقتصادية وأزمة التعليم وهروب الاستثمار والمرتبطة بهما أزمة البطالة، وأرجو ألا يصل بنا الحال إلى الاستمرار في تطبيق نظرية إذا لم تكن قادرا على حل الأزمة فاعمل على إدارتها وترحيلها، وهي نظرية فاشلة كونها تعمل على مبدأ ترحيل المشكلة عن طريق القرارات الشعبوية والتي لا تبني المؤسسات وتقدم الأوطان.
حسب سيمون فوت بأن عدد الممرات البحرية في العالم 130 ممرا والمستخدم منها حوالي 30، منها عشر ممرات ذات أهمية إستراتيجية عالمية كالتركية (البسفور والدردنيل) وقناة السويس وباب المندب وباب السلام وملقا الذي يصل المحيط الهادي ببحر الصين والمحيط الهندي وجبل طارق وقناة بنما ودوفر الذي يفصل بريطانيا عن فرنسا وبيرنغ الذي يقع بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.
أن كافة الممرات (المضائق) تشكلت طبيعيا بفعل حركة الصفائح التكتونية والقوى الجيولوجية الأخرى باستثناء قناة السويس التي أنشئت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقناة بنما التي أنشئت ببداية القرن الماضي، كما يعتبر العبور من خلال الممرات البحرية مجانا باستثناء قناة السويس وبنما على أسس تجارية.
برزت أهمية الممرات المائية مع ظهور القوى البحرية العظمى كالأسطول العثماني والبريطاني والفرنسي وكذلك سعي القيصر الروسي بطرس الأعظم في القرن الثامن عشر لتوسيع الحدود الروسية للوصول إلى بحر البلطيق شمالا وبناء الأسطول البحري وكذلك سعيه للوصول إلى البحر الأسود بهدف الخروج للمياه الدافئة (وهو صاحب مقولة من يسيطر على المياه الدافئة سيطر على العالم) وقد تحقق هذا لروسيا في عهد الإمبراطورة ياكاترينا بعد هزيمة الأسطول العثماني والسيطرة على جزيرة القرم.
تزايدت أهمية الممرات البحرية خلال الحرب العالمية الاولى، الا ان الاهمية القصوى لبعضها ظهرت مع الاكتشافات النفطية المتسارعة في منطقة الشرق الاوسط خلال القرن الماضي، وهي المرشحة ايضا مع شمال افريقيا لتكون مصدرا للطاقة المتجددة.
إن الاعتماد العالمي على مصادر الطاقة الأحفورية دفع الكثير من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأميركية الى تعزيز قوتها البحرية وتواجدها العسكري في جنوب آسيا لحماية ممر ملقا وخليج تايون من التهديدات الصينية، وتعزيز وجودها في اراضي دول الخليج العربي لحماية ممر باب السلام من التهديدات الإيرانية وأي تهديد يتعرض له ممر باب المندب، والأمر ينطبق على قناة السويس.
كما أن الصين والتي بدأت خطة التطوير الاقتصادي المتسارع قبل خمسة عقود ووصلت الى ثاني اكبر اقتصاد عالمي عززت وجودها العسكري في خليج تايون وحول ممر ملقا المائي والخليج العربي وشرق افريقيا لتأمين مصالحها التجارية وضمان استمرار التدفقات النفطية والغازية وهي مرشحة لتكون اكبر مستهلك للطاقة خلال فترة لا تتجاوز العقدين من الزمن، وتتوقع تصعيدا ضدها في أي لحظة، وهي تعلم بان الدولة الوحيدة القادرة على اغلاق ممر ملقا المائي في وجهها هي الولايات المتحدة الاميركية وخاصة بعد صفقة الغواصات الاسترالية.
لمواجهة مثل هذه الأزمة إن وقعت، خطت الصين للخروج من عنق ممر ملقا عن طريق بناء موانئ لها في باكستان وميانمار وحق استخدام ميناء في سريلانكا وصولا الى اليونان ووضعت خطة لشق قناة جنوب تايلاند تربط بحر الصين بالمحيط الهندي وطريق الحرير والتوجه لاستيراد النفط والغاز الروسي عن طريق الأنابيب كبديل لنفط وغاز الشرق الأوسط مستفيدة من الأزمة الأوكرانية وما تبعها من قرارات أوروبية لمقاطعة النفط والغاز الروسي والذي كانت تعتمد عليه بشكلٍ رئيسي، الا انه من المستبعد ان تستغني اوروبا عن الواردات الروسية على المدى البعيد نظرا لوفرته وانخفاض تكلفة استيراده عبر الانابيب.
إن وقع أي نوع من الأزمات ولأي سبب في ممر ملقا المائي فإن ما يزيد على 40 % من تجارة العالم البحرية ستكون تحت التهديد وما يزيد ايضا على 80 % من الواردات النفطية لكبار المستهلكين في العالم كالصين واليابان كثاني وثالث مستهلك للطاقة وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها من الدول.
اما باب السلام فيمر من خلاله ما يقارب 20 % من الاستهلاك العالمي للنفط وكافة كميات الغاز المسال القطري حوالي 108 مليارات متر مكعب من الغاز وحسب التقارير الدولية وفي حال قامت ايران وهي حليف قوي لروسيا ولأي سبب في إغلاق المضيق فإن ما لا يقل عن 95 % من نفط العراق وكافة نفط الكويت وغاز قطر وجزء كبير من نفط السعودية وغيرها من المستوردات والصادرات لهذه البلدان ستصبح متوقفة أو شبه متوقفة ولو لفترة محدودة، حتى يتم التدخل بالقوة العسكرية من خلال القواعد المنتشرة في الخليج العربي من خلال التحالف الاميركي البريطاني والاسترالي بالاشتراك مع الإمارات والبحرين والتي أصبحت مقرا للاسطول الاميركي الخامس لاعادة الوضع الى ما هو عليه.
ولنا أن نتخيل انعكاسات مثل هذا الحدث على الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية منها وسيعمق لا محالة أزمة الركود الاقتصادي، على الرغم من وجود انابيب نقل سعودية لسواحل البحر الأحمر وإماراتية لسواحل خليج عمان إلا أنها لا تكفي لتصدير الإنتاج اليومي لهذه الدول، والتي تسعى لبناء انابيب نقل الى ساحل بحر العرب في حضرموت.
والحال ينطبق على ممر باب المندب الذي يمر من خلاله ما لا يقل عن 21000 سفينة سنويا وذلك حسب تقارير اتحاد الملاحة البحرية.
هذا وقد ازدادت التهديدات لهذا الممر مع اندلاع الحرب اليمنية والوجود الإيراني الكثيف الذي يفرض نفسه وانتشار القواعد العسكرية في أراضي الدول المشاطئة له في كل من أثيوبيا وأريتريا وجيبوتي والصومال للكثير من الدول كالولايات المتحدة الأميركية والصين وإيران واسرائيل وتركيا والامارات والسعودية وغيرها من الدول.
اما قناة السويس والتي تعتبر عصب التجارة العالمية، من المستبعد ان تتعرض لتهديد دولي في المرحلة الحالية أو المنظورة كون القناة تعمل على أسس تجارية، كما ان الجميع يعلم ان تعرض قناة السويس لأي خطر سيلهب المنطقة برمتها. والوضع كذلك فيما يتعلق بمضيق جبل طارق الذي تتحكم به بريطانيا منذ القرن الثامن عشر ومن المستبعد ان يحدث عليه أي تغيير عليه في المدى المنظور.
إلا أن الممرات التركية تعتبر الأخطر في هذه المرحلة بسبب الأزمة الأوكرانية ومن خلالها تمر التجارة الروسية القادمة من سواحل البحر الاسود وبحر ازوف وهما تحت سيطرة شبه كاملة لروسيا مؤخرا بالإضافة إلى التأثير على صادرات البترول والغاز القادمة من دول حوض بحر قزوين.
تركيا التي ما زالت متمسكة في تنفيذ أحكام اتفاقية مونترو لعام 1936 وتحاول الحفاظ على العلاقات المتوازنة لحماية مصالحها الاقتصادية مع روسيا من جهة والتي تقدر حجم التبادلات التجارية بأكثر من 32 مليار دولار بالإضافة الى ان الغاز الروسي الذي يلبي معظم احتياجاتها وهي الطامحة لتصبح مركز توزيع الغاز لاوروبا وبنفس الوقت المحافظة على التزاماتها كعضو في حلف الناتو من جهة أخرى، رغم التوتر الملحوظ بين تركيا والحلف في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من انها الدولة الاكثر حرصا في العالم لأنها النزاع في أسرع وقت من خلال المفاوضات إلا أن وضعها يعتبر في غاية الصعوبة لأسباب جيواستراتيجية متعددة وخاصة إذا خرج النزاع لخارج الحدود الاوكرانية فلا خيار امامها الا الانحياز للتحالف الغربي أو إخراجها من الحلف وخاصة مع ازدياد التوترات بينها وبين اليونان وعدم موافقتها حتى هذه اللحظة على انضمام السويد للحلف.
وهي تعلم جيدا أن إغلاق ممراتها أمام الملاحة الروسية يعتبر بمثابة إعلان الحرب وخاصة أن روسيا لديها القواعد العسكرية في شرق المتوسط. كما أن الأتراك لديهم إستراتيجيتهم الخاصة للتخلص من اتفاقية مونترو والتي تضمن الملاحة البحرية من خلال الممرات مجانا وتعمل على حفر قناة إسطنبول كبديل للمرات تعمل على أسس تجارية بحتة.
من بين الممرات البحرية الخطرة جدا ممر بيرنغ الذي يفصل روسيا عن أميركا والذي كان العالم يأمل أن يتم الاتفاق بين الدولتين لربط آسيا بأميركا من خلال تنفيذ ممر بري وطريق بحر الشمال والذي تعتبر نقاط توتر عالية الخطورة من حيث قدرة روسيا وشبه الحليف لها الصين من جهة من السيطرة شبه الكاملة على طريق بحر الشمال وروسيا التي تمتلك أكبر عدد من كاسحات الجليد منها ما يعمل بالطاقة النووية مما يجعلها الأقرب للسيطرة على القطب الشمالي الأمر الذي لن تسمح به أميركا وحلفاؤها من جهة اخرى.
كما أن روسيا التي تتعرض لأقوى عقوبات عبر التاريخ وفي حال استمرارها وإغلاق الممرات البحرية التركية وبحر البلطيق فليس أمامها إلا طريق بحر الشمال وإلا فهي مهددة لتصبح كوريا الشمالية الثانية، وهل تقبل بذلك؟، كما أن مثل هذا العمل يهدد استمرار عمل هيئة الأمم المتحدة.
من الواضح أن أي تهديد لأي من المضائق الإستراتيجية يعتبر بمثابة تسونامي سيضرب الاقتصاد العالمي القائم على استيراد النفط ومشتقاته والغاز الطبيعي والمعتمد على الشرق الأوسط وأفريقيا في الوقت الحالي وكذلك الأمن الغذائي الذي يهدد بعض دول أفريقيا وآسيا بالمجاعة.
أما نحن في الأردن فلا أعتقد وجود أي تهديد في المدى المنظور لمضيق تيران الذي يتحكم بالملاحة في خليج العقبة إلا أن تجارتنا الخارجية ستكون مهددة كجزء من التجارة العالمية في حال إغلاق أي من الممرات البحرية الإستراتيجية وخاصة أمن الطاقة الأردني، وعلى الرغم من وجود أنابيب التزويد في الغاز من مصر واتفاقية الغاز الأخيرة مع إسرائيل إلا أن واردات النفط ومشتقاته تبقى مهددة خاصة أن استيراد النفط برا من العراق يكفي نسبة محدودة من الاستهلاك اليومي، وكذلك الأمن الغذائي.
ويضاف اليها الأزمات الداخلية التي تتعمق كأزمة المياه والأزمة الاقتصادية وأزمة التعليم وهروب الاستثمار والمرتبطة بهما أزمة البطالة، وأرجو ألا يصل بنا الحال إلى الاستمرار في تطبيق نظرية إذا لم تكن قادرا على حل الأزمة فاعمل على إدارتها وترحيلها، وهي نظرية فاشلة كونها تعمل على مبدأ ترحيل المشكلة عن طريق القرارات الشعبوية والتي لا تبني المؤسسات وتقدم الأوطان.
نيسان ـ نشر في 2023/02/07 الساعة 00:00