الصيام والاستدلال على الحقيقة بالذات

إبراهيم غرايبة
نيسان ـ نشر في 2023/03/24 الساعة 00:00
يا أيّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم".
نفهم الصيام اليوم ونمارسه على أنّه عمليات امتناع وتنظيم للطعام والشراب، لكن في ارتباطه القوي بالأسرة والمائدة، وتهذيب الذات وتدريبها فردياً على الالتزام يمكن الملاحظة أو الاستنتاج أنّ الصيام كان مبتدأ التصورات والممارسات الدينية المتشكلة حول الأسرة، بما هي النواة الأساسية للحضارة والمدن والتشريعات والثقافة.
إنّ التأمل والبحث في تاريخ الدين والإنسانية يؤدي إلى مقاربة استنتاجية أنّ الإنسان، بما ينظم الخوف مساره وحياته ومعارفه ومهاراته وأفكاره، أنشأ مجموعة من المنظومات والمنجزات الحضارية لأجل البقاء، فالإنسان يسعى ويفكر أساساً ليتجنب الموت، بما هو الجوع والعطش أساساً أو المخاطر والأمراض التي تهدد حياته، وفي البحث والتأمل كان الإنسان يحسّن بقاءه، لكن وفي أحيان كثيرة كان الخوف هو ما يُهذب ويُرشد تأملاته وملاحظاته، بقدر ما كان البحث يرشد خوفه.
لقد واجه الإنسان الموت بتجنب الخطر، وبالتزام عميق بالسلام، حتى لا يقتل إنسان إنساناً، بل كائناً حيّاً، وقد يمتدّ ذلك إلى الطبيعة بأحجارها وجبالها وأوديتها وهوائها ومائها وكل شيء موجود فيها، أو لأجل ألّا تلحق السماء والطبيعة والكائنات والقوى الغيبية والخفية الضرر والموت بالإنسان، وكان الطعام يستهلك كل حياة الإنسان ووقته المتاح تقريباً، سواء في الصيد أو جمع الثمار ثمّ الرعي والزراعة، وكذا في توفير الطعام وتخزينه على مدى العام، وبما يلائم الصيف
والشتاء والإقامة والرحيل والصحة والمرض.
وفي ذلك، فإنّ التأملات والتجارب المتراكمة والمتكررة أنشأت التزاماً لا فكاك منه نحو الأسلاف والأبناء، الأسلاف الذين منحونا الحياة والتزموا تجاهنا في طفولتنا وضعفنا ومرضنا، لكنّهم يرحلون عن الحياة ولم نوفهم حقهم، أو ربما نكون قد أسأنا إليهم، وفي المحصلة فإنّهم ماتوا وكان يجب ألّا يموتوا! لم نستطع أن نبعد الموت عنهم، هذا الشعور بالحزن والذنب أو الخوف من الذنب كما الخوف من الموت والمصير نفسه الذي لحق بالأسلاف أسّس لمعظم إن لم يكن جميع ما ينظّم حياتنا وأفكارنا ومشاعرنا ومعتقداتنا، الفلسفة والتأمل، الأسر والقرى والمدن، والتجارة والصناعة، والفرح والاحتفال، والقوانين والتشريعات والالتزامات، والعادات والتقاليد والقيم والأعراف،... الحياة والحضارة والقيم التي أنشأها الموت.
واكتسب الطعام بما هو سرّ الحياة والبقاء والشفاء والقوة والقدرة قداسة كبرى، إنّه تجلي الإله في الحياة والإنسان نفسه، بالطعام يحلّ الإنسان هذا السرّ العظيم في نفسه، فيكون الله فيه، لأنّ الحياة من الله، وهو لأجل أن يكون لائقاً بالإله الذي حلّ فيه يجب أن يلتزم بالسلام والطهر والصواب الذي يحبّه الله ويريده ويرضيه، فتدوم نعمته، ولا يمرض ولا يموت، إنّ كل ما يصيبه من جوع أو عطش أو مرض أو عجز أو موت فلأنّ الإله تخلى عنه، ولأنّه يستدل على الإله بنفسه وبالطبيعة وبالكون، فقد وجد العلاقة الصحيحة بالله بالسلام مع نفسه والكون والطبيعة.
الصيام بما هو تنظيم للطعام والشراب والجنس (والكلام في طقوس وممارسات أخرى) هو البحث عن السلام بما هو الصواب والعمل الصالح، ولذلك نقول "الدايم الله والعمل الصالح"، فإذا كان الإنسان عاجزاً عن الخلود أو أن يكون الله أو مثل الله (ذلك أنّ الدين دعوة للإنسان ليتمثل صفات الله، إنّ الله جميل يحب الجمال، إنّي حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا، ...)، فإنّه يستحضر الخلود والإله بالعمل الصالح، هو يستمع إلى نفسه، ويتأمل وجوده بهذا الطقس الذي ينظّم به ممارسة الحياة، سواء بالامتناع لفترة من الزمن أو بطقوس وممارسات التجمع والتضامن، الاجتماع على المائدة والدعاء والطقوس والانتظار، وربط هذه الممارسة بحركة الكون (طلوع الشمس وغيابها أو الليل والنهار) يريد أن يكون جزءاً من هذه الطبيعة يتقبلها وتتقبله، وبذلك فإنّه يقبل الله ويقبله الله.
وفي ذلك، فإنّ التأملات والتجارب المتراكمة والمتكررة أنشأت التزاماً لا فكاك منه نحو الأسلاف والأبناء، الأسلاف الذين منحونا الحياة والتزموا تجاهنا في طفولتنا وضعفنا ومرضنا، لكنّهم يرحلون عن الحياة ولم نوفهم حقهم، أو ربما نكون قد أسأنا إليهم، وفي المحصلة فإنّهم ماتوا وكان يجب ألّا يموتوا! لم نستطع أن نبعد الموت عنهم، هذا الشعور بالحزن والذنب أو الخوف من الذنب كما الخوف من الموت والمصير نفسه الذي لحق بالأسلاف أسّس لمعظم إن لم يكن جميع ما ينظّم حياتنا وأفكارنا ومشاعرنا ومعتقداتنا، الفلسفة والتأمل، الأسر والقرى والمدن، والتجارة والصناعة، والفرح والاحتفال، والقوانين والتشريعات والالتزامات، والعادات والتقاليد والقيم والأعراف،... الحياة والحضارة والقيم التي أنشأها الموت.
واكتسب الطعام بما هو سرّ الحياة والبقاء والشفاء والقوة والقدرة قداسة كبرى، إنّه تجلي الإله في الحياة والإنسان نفسه، بالطعام يحلّ الإنسان هذا السرّ العظيم في نفسه، فيكون الله فيه، لأنّ الحياة من الله، وهو لأجل أن يكون لائقاً بالإله الذي حلّ فيه يجب أن يلتزم بالسلام والطهر والصواب الذي يحبّه الله ويريده ويرضيه، فتدوم نعمته، ولا يمرض ولا يموت، إنّ كل ما يصيبه من جوع أو عطش أو مرض أو عجز أو موت فلأنّ الإله تخلى عنه، ولأنّه يستدل على الإله بنفسه وبالطبيعة وبالكون، فقد وجد العلاقة الصحيحة بالله بالسلام مع نفسه والكون والطبيعة.
الصيام بما هو تنظيم للطعام والشراب والجنس (والكلام في طقوس وممارسات أخرى) هو البحث عن السلام بما هو الصواب والعمل الصالح، ولذلك نقول "الدايم الله والعمل الصالح"، فإذا كان الإنسان عاجزاً عن الخلود أو أن يكون الله أو مثل الله (ذلك أنّ الدين دعوة للإنسان ليتمثل صفات الله، إنّ الله جميل يحب الجمال، إنّي حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا، ...)، فإنّه يستحضر الخلود والإله بالعمل الصالح، هو يستمع إلى نفسه، ويتأمل وجوده بهذا الطقس الذي ينظّم به ممارسة الحياة، سواء بالامتناع لفترة من الزمن أو بطقوس وممارسات التجمع والتضامن، الاجتماع على المائدة والدعاء والطقوس والانتظار، وربط هذه الممارسة بحركة الكون (طلوع الشمس وغيابها أو الليل والنهار) يريد أن يكون جزءاً من هذه الطبيعة يتقبلها وتتقبله، وبذلك فإنّه يقبل الله ويقبله الله.
وحين ننهي الصيام فإنّنا نحتفل فرحين، نتقرب إلى الله بالفرح كما الالتزام، يفعل ذلك الصائمون في كلّ الأديان، ثم نمضي إلى قبور آبائنا لزيارتها، لماذا نفعل ذلك في العيد مسلمين كنّا أو مسيحيين أو غيرهما من الأديان والمعتقدات؟ لأنّ الموت والأموات مصدر ومبتدأ الالتزام بالسلام، وحضور الإله فينا، بما يعني ذلك نور الفطرة الذي يقودنا إلى الصواب و/أو الأفضل.
إنّ أزمة التغير المناخي التي تُهدد العالم اليوم بالفقر والجوع والتصحر والكوارث هي في الحقيقة (ربما) أزمة علاقة الإنسان بالطبيعة،... وعلى نحو ما فإنّ الصيام هو استلهام أو استحضار روح الطبيعة، وهو (الانسجام والسلم مع الطبيعة) أفضل ما يمكن أن يفعله الإنسان لمواجهة التغير المناخي، ولا أزعم بالطبع أنّ الصيام يحلّ مشكلة التغير المناخي، لكنّ الصيام في معناه الأساسي وحكمته المتوقعة يلهم الإنسان السلام والانسجام مع الذات والطبيعة والكون، إنّه ابتداء الاستماع إلى الذات، وهو (الإنسان) لأجل فهم ذاته ظلت علاقته بالأسلاف وأرواحهم ممتدة وأبدية، وظلت علاقته بأسرته مقدّسة، ويُعبّر عن هذا الالتزام العميق بالصوم بما هو التضامن التام مع الأحياء والأسلاف، وبما هو أيضاً استحضار للقيم الدائمة والمؤسسة لحياة الإنسان في سلام وكفاءة، إنّه بمعنى من المعاني "كيف نعيش حياتنا؟" وأيضاً كيف نموت؟ أو إن شئت القول كيف لا نموت؟ فالإنسان في الالتزام نحو أخيه الإنسان والكائنات والطبيعة وفي العطاء والامتنان والغفران يحصل على الخلود ويموت في السلام، ويكون ـ كما يقول المسيحيون ـ ذكره مؤبّداً، لأنّ الخلود يكون في العمل الصالح.
    نيسان ـ نشر في 2023/03/24 الساعة 00:00