عندما يغرد الغرب خارج السلام !

د.حسام العتوم
نيسان ـ نشر في 2023/04/26 الساعة 00:00
لعل أهم نتيجتين لما يسمى شيوعا بالحرب الأوكرانية التي اندلعت بصفة دفاعية إستباقية تحريرية غير إحتلالية ، بتاريخ 24 شباط 2022، وبعد قرار جماعي لقادة قصر " الكرملين " الرئاسي في موسكو بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين ، و الإرتكاز على المادة القانونية في الأمم المتحدة رقم 517 التي تخول الدولة مثل روسيا الاتحادية الدفاع عن سيادتها بسبب الاعتداء عليها ،و بعد رصد موسكو للحراك الغربي الأمريكي اللوجستي وسط الثورات البرتقالية و انقلاب " كييف " عام 2014 ، وإعاقة " كييف " و الغرب للحوار المباشر مع موسكو و عبر اتفاقية " مينسك " ، تمكنت روسيا من ضم الأقاليم الخمسة " القرم ، و لوغانسك ، و دونيتسك " الدونباس " ، و زاباروجا ، و خيرسون " إلى جانب ضمها لمنطقة " باخموت – أرتيومسك " عبر صناديق الاقتراع و الحماية العسكرية للجيش الروسي و لقوات " فاغنر " الخاصة ،و المعروف بأن الاحتلال لا يأتي عبر صناديق الاقتراع، و التحرير الروسي حسب مدرستهم القانونية لم يخالف القانون الدولي ، و تمكنت روسيا بوضوح من الاستدارة نحو شرق و جنوب العالم ، و العزوف عن عالم القطب الأوحد " الأوروبي الأمريكي " ،و التجذيف بأتجاه عالم الأقطاب المتعددة الذي تقوده بنفسها بشكل ملاحظ . وواصلت روسيا دعواتها للحوار و السلام وسط استمرار الحرب من طرف الغرب ، و السلام الذي تقصده هو سلام الأمر الواقع ، بمعنى قبول " كييف " و عواصم الغرب " بحدود التحرير التي وصلت اليها روسيا من زاوية تفسيرها لسيادتها عبر الأراضي الأوكرانية التي تلتحم معها تاريخا ، و ثمة فرق بين سيادة أوكرانيا عام 1991 و بين سيادتها عام 2022 و بعد ذلك ،ولكل مقام مقال كما نقول في شرقنا و كما قالت العرب .
وفي المقابل ورط الغرب الأمريكي " كييف " عاصمة أوكرانيا في حرب طويلة المدى و تماما كما صدر عنوان كتابي الجديد " الحرب التي يراد لها أن لا تنتهي – الروسية الأوكرانية و مع " الناتو " بالوكالة ، و عبثوا مبكرا بأوارق الثورات البرتقالية و انقلاب عام 2014 وسطها ، وشجعهوها على انتاج قنبلة نووية أيضا لتسريع إجتثاث روسيا من الوسط الأوكراني ، و نشروا أكثر من ( 30) مركزا بيولوجيا فوق الأراضي الأوكرانية و في جورجيا و في غيرها من المناطق السلافية و السوفيتية السابقة ، وحديثا أعلنت روسيا عبر مندوبها في مجلس الأمن عن نشر أمريكا ل( 26 ) مركزا بيولوجيا جديدا في العالم بهدف العودة بفايروس " كورونا لمربعه الأول .
وتحرش حلف " الناتو " في الأراضي الروسية الواسعة لم يتوقف عبر مياه اليابان ، و البحر الأسود ، و جورجيا عام 2008 ، ومن خلال الأقتراب من حدود روسيا الشرقية المحاذية لأوروبا ، و استمر الغرب يشجع " كييف " و يستثمر وجود شخصيتين سياسيتين أوكرانيتين مثل بيترو باراشينكا و فلاديمير زيلينسكي المحسوبتين على أمريكا للدفع باتجاه ضم " الدونباس " قسرا بعد خسران " القرم " ، في وقت رفضت فيه الاقاليم الخمسة و عبر صناديق الأقتراع الإنضمام ل " كييف " ، و طالبوا بالانضمام لروسيا و لم يطالبوا بالانضمام للغرب ، و لا لحلف " الناتو " ، و دفع الغرب " كييف " للتورط مجددا في تفجير جسر القرم ، و خط الغاز نورد ستريم 2، و اغتيال الصحفية الروسية داريا غودينا في موسكو ، و الصحفي الروسي فلادلين تاتارسكين في سانت بيتر بورغ ، و تحريك مسيرات طائرة في العمق الروسي ، و التحرش بالقرى الحدودية الروسية ، و تفريغ السوق الروسي من المنتوجات الغربية ، و العبث بالعملة الروسية " الروبل " ، ومنع الصادرات الروسية ، و فرض حزم من العقوبات الأقتصادية المتكررة على موسكو بحجة الدفاع عن السيادة الأوكرانية ، بينما عيون الغرب على ديمومة الحرب الباردة و سباق التسلح ، و استنزاف روسيا و اضعافها و حتى تقسيمها ، لكن هيهات فلقد خرجت روسيا من كل المطبات التي أحيكت لها منتصرة .
من بدأ الحرب وقدمها على السلام مثل الغرب و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية خسر الحرب . وفي الوقت الذي صرح فيه كل من رئيس كوبا ميغيل ، و فينزويلا لويز بضلوع أمريكا في الحرب الأوكرانية ، و تحمل كامل وزرها ، صرح حديثا أمين عام حلف شمال الأطلسي ستولتنبرغ بأن " الناتو" صوت بالإجماع على ادخال أوكرانيا للحلف حالة انتصار " كييف " حسب اعتقادهم لضمان قوتها الرادعة مستقبلا ، و هو الذي يعطي اشارة خطيرة جديدة بكل الاحوال بشروع الغرب للتجذيف تجاه حرب عالمية ثالثة حالة اصطدام "العسكرتاريا" الغربية مباشرة مع االروسية المقابلة ، والبند الخامس من دستور "الناتو " يسمح له بدخول حرب مباشرة مع أي دولة تعتدي على إحدى الدول الأعضاء في حلف "الناتو" . وسبق للغرب أن أعلن ( فنلندا ) المحاددة لروسيا عضوا في حلف " الناتو " كخطوة استفزازية لروسيا و اضحة ، و أنتقد بعدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الصين تسليح روسيا لبيبلاروسيا نوويا ،و هو أمر مستغرب .
لم تعد روسيا تقتنع بالغرب الأمريكي إن لم يعتدل و يندمج مع عالم الأقطاب المتعددة ،ويرفع يده عن الحرب الأوكرانية ، ويشجع على الحوار و السلام و يلغي مصطلح الحرب ، و تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون من الصين بضرورة فصل أوروبا عن أمريكا ، وهو الذي تبعه تصريح مماثل لرئيس الأتحاد الأوروبي شارل ميشال يؤشر على عدم عدالة توجهات الغرب كاملا في موضوع الحرب الأوكرانية . و يبدوا أن الغرب غير مقتنع بالنهج الروسي السياسي و العسكري ، و متفاجئ بإكتشاف روسيا للمؤامرة عليها من قبل الغرب في موضوع الحرب الحالية ، وكلما وصلت روسيا إلى أخر نقطة تحرير بسبب إساءة استخدام " كييف " لعهدتي " القرم و الدونباس " التاريخيتين بالنسبة لروسيا ، إتجه الغرب للتصعيد صوب ادخال مناطق جديدة في حلف الناتو محاذية لروسيا مثل ( فنلندا و أوكرانيا ) . إن اقتراب " الناتو " من الحدود الروسية خط أحمر بالنسبة لروسيا ، و إذا كانت أمريكا و بريطانيا و فرنسا يملكون السلاح النووي ، فأن روسيا الاتحادية لوحدها تملك ترسانة نووية أكثر عملقة منهم مجتمعين ، وتحتل عالميا الرقم (1) في مجالة ، و سلاحها فوق نووي و فرط صوتي ، ومع هذا و ذاك الأصل أن يدفع العالم تجاه السلام و يقدمه على الحرب ، ومفهوم سيادة أوكرانيا محتاج لتفسير قانوني تقبل به روسيا الاتحادية ( القطب العملاق ) و يقبل به الغرب الأمريكي ( القطب العملاق ) المقابل ، و تحالف الصين الشعبية مع روسيا أكثر متانة من أية علاقة مع الغرب أو مع فرنسا تحديدا ، ووحدة حال روسية – صينية قانونية في مجلس الأمن تتكرر عبر استخدام " الفيتو " لحماية القانون الدولي و السلم العالمي .
    نيسان ـ نشر في 2023/04/26 الساعة 00:00