خسارة (ابن الذوات)

خليل العناني
نيسان ـ نشر في 2015/10/30 الساعة 00:00
لا تخلو الانتخابات البرلمانية المصرية من مفارقات وطرائف، جعلتها، وبحق، واحدة من أكثر المهازل السياسية في مصر في العقود الماضية. دعك من كونها انتخابات، أو هكذا تسمى، تجري تحت حكم وإدارة العسكر، ودعك من كونها انتخابات ليس فيها سوى لون سياسي واحد، هو الموالي للسلطة، والمدافع عنها، بتزلّف ومزايدة. وانظر فقط إلى طبيعة المرشحين وخلفياتهم، وكيف يتعاملون مع بعضهم.
خذ مثلاً ما حدث في دائرة "الدقي والعجوزة"، والتي شهدت واحدة من "أحط" الدعايات الانتخابية وأسوئها بين المرشحين، والذين يختلفون في كل شيء، ما عدا خدمتهم وتزلفهم للعسكر. جرت المنافسة، أو هكذا تم تصويرها، على المقعدين الفرديين بين عدة مرشحين، أبرزهم ثلاثة، أولهم معروف بصلاته القوية بالأجهزة الأمنية منذ بداية حياته المهنية أواخر التسعينيات، وهو لا يخفي ذلك بل يتفاخر به علناً، وقد قام بحملة تشويه ممنهجة لمعظم رموز ثورة 25 يناير، من دون أن يتحرك أحد لمحاسبته، أو وقف انتهاكه خصوصيات المواطنين، على الرغم من معارضة ذلك الدستور الحالي. الثاني شاب "سليط اللسان" لا يتوقف هو، ووالده، عن التهجم والتهكم على كل من يخالفهم الرأي، وقد باتت صورهما وتصريحاتهما تتصدر الفضائيات والجرائد المصرية، من كثرتها وانحطاط مفرداتها. الثالث شخص تعلّق في الهواء بين ثورة 25 يناير وانقلاب 3 يوليو، فلا طال هذه ولا تلك، فكان مصيره السقوط المروّع. وهو أحد المدافعين الأشاوس عن العسكر ومنظّريهم في مرحلة ما بعد الثالث من يوليو 2013. قضى جُل عمره المهني باحثاً رصينا، لكنه تحول بعد الانقلاب، مثل كثير من أقرانه، إلى مجرد "بوق" من أبواق العسكر يبرّر استبدادهم وتسلّطهم تحت ادعاءات فارغة المعنى والمضمون. وقد أطلق بعضهم عليه مرشح "ابن الذوات"، نظراً لخلفيته الاجتماعية التي تنتمي للشريحة العليا من الطبقة الوسطى.
خاض الثلاثة المنافسة على المقعد البرلماني، ففاز الأول من الجولة الأولى، أو هكذا قيل. وقد مارس كل أنواع الابتزاز السياسي والانتخابي التي كان يرمي بها خصومه. فمرة تلتقطه الكاميرا، وهو يوزع "أكياس اللحمة" على الناخبين في "الدائرة". ومرة أخرى، تلتقطه وهو يتحدث، بفخر، عن خدمته الأجهزة الأمنية، باعتبار أن ذلك سوف يزيد من شعبيته في ظل الأجواء الفاشية المستشرية. وقد خرج بعدما فاز كي يسب المرشح الثالث ويلعنه على الهواء مباشرة، بلغة متدنية، ومدافعاً عن المرشح الثاني، واعتباره الأحق بالمقعد، نظراً لأنه يمثل ثورة "30 يونيو"، وليس أحد "عملاء ثورة يناير"، على حد وصفه، في إشارة صريحة وهجوم واضح على المرشح الثالث. أما الطريف فكان رد المرشح الثالث على هذا الهجوم، والذي تزلف فيه، بشكل مقزز للسلطة، حين قال إنه لم يطالب يوماً بإسقاط حكم العسكر.
وقد خاض المرشحان (الثاني والثالث) انتخابات الإعادة، فكانت النتيجة، وكما هو متوقع، فوز الثاني، "سليط اللسان"، على الثالث، "ابن الذوات"، الذي ظن، خطأ وبسذاجة منقطعة النظير، أنه يخوض معركة انتخابية حقيقية على غرار ما حدث في انتخابات 2011/2012، والتي فاز فيها على مرشح جماعة الإخوان المسلمين وقتها. وقد تناسى، وهو الدارس للعلوم السياسية، أن ما يجري ليس انتخابات، وإنما مجرد تمثيلية سخيفة، لتجميل وجه العسكر، ومنحهم غطاءً شكلياً لشرعيتهم المتآكلة. وما حدث مع الرجل يذكّرنا بما حدث مع صديقه حمدين صباحي الذي شارك في المسرحية الهزلية لانتخابات الرئاسة، في حين أن دوره لم يتعد دور "الكومبارس" أو "المحلّل" للانتخابات.
ما حدث مع "ابن الذوات" درس قاسٍ لكل من يرتمي في حضن الاستبداد، طوعاً ورغباً في مقعد هنا أو منصب هناك، ودليل قاطع على أن "آخر خدمة العسكر علقة".
    نيسان ـ نشر في 2015/10/30 الساعة 00:00