جمال الشوابكة، شهيد المحراب وسيد البندقية

د.طلال طلب الشرفات
نيسان ـ نشر في 2023/08/29 الساعة 00:00
آواه عليك أبا ماهر الكبير بوفائك وسجاياك النبيلة ورفيق الكبار، السلام على روحك الطاهرة التقية، وتاريخك المشرّف المهيب، وإخلاصك للعرش والثرى والبندقية، السلام على جبهتك السمراء التي شيعها اليوم عميد آل البيت وشيخهم، وأمراء بني هاشم، وجحافل الأردنيين الشرفاء حباً وكرامة، آواه ثم آواه على رقيق السجايا، وعذب الخصال؛ سيد البندقية التي لجمت غدر الخنا وأفاقت طهر الرجال، أسد المهمّات الشريفة في الدفاع عن الأرض والعرض والهوية ملبياً نداء الواجب أن يا خيل الله اركبي، الحسرة على فراقك الموجع يا شقيق الروح وعذب البوح.
والوجد كل الوجد فيك يا سيّد الضُحى كي تأنس عمّان، ويا فارس الدجى الذي ما عرف للنكوص تجربة، ولا في التردد مثلمة، مقبلاً مؤمناً مقداماً يخيط الجرح بالرجولة والرصاص كما تخيط الحرّة ثياب وليدها، وقد نعتك كل أردنية حرّة نامت في أكناف الوطن ملئ جفونها طمأنينة وخلود، وبيمناك الطاهرة ورفاقك الكبار تلاشى الغادرين ورواد العتمة، وبغاة الليل، وأوقدت شموع البطولة والوفاء للثرى والهوية والقائد، بك وكل الذين تمثلوا سجاياك بقي الوطن شامخاً كما أنت ورفاقك الأبّاة تتلون بخشوع مخضّب بالدم "أن ادخلوها بسلام آمنين"، أيها التقي النقي ما بال فقد الكبار يوجعنا إلى هذا الحد، وما بال أسياد النبل والبطولة الأباة يستعجلون الرحيل " استغفر الله".
أيها الشهيد الحرّ؛ أبيت إلا أن تكون شهيد محراب الأمة المقدّس، بعد أن قهرت الطغاة والغلاة وتجّار الظلام، ترجلت أيها الفارس عن صهوة الدنيا مكللاً بالشرف والغار، أبيت إلا أن ترحل واقفاً كما أنت بجبهتك السمراء الشامخة شموخ البلقاء التي أنبتت رجال المهمات الصعبة وأنت سنان الرمح منهم، وقدمت قوافل الشهداء قرابين الوطن وأنت شهيد الواجب الوطني المقدّس بتفانيك وعطائك الذي تمثل سجايا الهاشميين الأطهار.
أيها الوطني الأبيّ؛ عندما زرتني في مكتبي قبل أيام أقبلت الدنيا فرحاً بقدومك؛ لأنك ملح الأرض وطهر الموقف، وما ظننت أن هذا سيكون الوداع الأخير، وأن رحيلك سيلازم أوجاعنا ما حيينا لوعة وحسرة، وما خرج حديثك الرزين وبوحك الرصين عن أبجديات العمل الوطني البرلماني والشعبي، ومقتضيات المرحلة التي تتطلب يقظة الأردنيين، ثوابت الوفاء للجيش والإخلاص للعرش؛ كي يبقى التراب مصاناً والدولة قوية.
يا سيد الصبر المرّ؛ أثقل عليك رحيل الغالي ماهر، فلذّة كبدك وفرحتك الأولى، فصبرت، واحتسبت، ولكنه بقي يلازم أيامك، وذكراه تقضّ مضجعك، حتى أرهق المصاب قلبك الرقيق الذي لا يحتمل رحيل الأحبة، فغصّت الدمعة، وكان رحيلك الذي أوجعنا، وأتلف الفرحة من قادمات الأيام من أعمارنا، ولعل طيب سجاياك ونبل أفعالك الشريفة ستكون زادك في الآخرة، وأنت في ضيافة الرحمن الكريم الرحيم.
ايها الكبير الكبير؛ ما زلنا نعشق طيبتك، ونبلك، وروائح الصفح، ولون القمح في محيّاك، وما زلت أتمثل ابتسامتك البريئة يوم قلت لي مداعباً "أتذكرُ إذ لحافك جلد شاةٍ، وإذ نعلاكَ من جلد البعيرِ"؛ كنت سعيداً وغابطاً لجلوسي على منصة المجلس في جلسة يتيمة، وتلك هي أخلاق الفرسان الكبار التي تجسّدت في كل أفعالك، وسجاياك الأصيلة، ونواياك الشريفة، وذلك هو حال الدنيا الذي يفجعنا في احبتنا، ويترك الحرقة تغزو قلوبنا والدموع تقيم في مآقينا المتعبة.
رحل الفارس المغوار جمال باشا الشوابكة، رفيق القائد الذي كان يخيط الجرح الأردني بالرصاص، ورحل الوفي المخلص الذي جسّد كل المعاني الشريفة في الولاء لقائده الأعلى، والانتماء لثرى الوطن الحبيب، رحل الرجل الشريف أبا ماهر، وغادر الدنيا مؤمناً صابراً راضياً بلقاء ربه "رحمه الله"، وجعل الجنة مأواه، اللهم إني أشهد أن هذا الرجل كان صائماً قائماً باراً بأهله ووالديه ووطنه، وفياً لرفاقه صادقاً في قوله وفعله، نبيلاً في سجاياه، اللهم ارحمه وأنزله مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً،
    نيسان ـ نشر في 2023/08/29 الساعة 00:00