الدين دين.. والدولة دولة
نيسان ـ نشر في 2023/08/31 الساعة 00:00
بداية لا بد من الاعتراف بحقيقة مهمة، ربما هي غائبة عند أكثر المسلمين خاصتهم وعامتهم، وهي أن القرآن الكريم لم يأت على موضوع الدولة أو النظام السياسي لتلك الدولة، ولم يأمر بإقامة دولة أو سلطة سياسية، سواء أكان بالمفهوم القديم للدولة (الإمبراطورية)، أم بالمفهوم الحديث للدولة، التي تعني في أبسط تعاريفها بأنها مجموعة من الأفراد يُمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد، ويخضعون لنظام سياسي معين مُتفق عليه فيما بينهم ليتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
ويخلط كثير من الناس بين الدولة بوصفها مجموعة من المؤسسات التي تحكم وترعى شؤون الناس لتحقيق المنفعة العامة لهم، والنظام السياسي الذي يحكم هذه المجموعة من المؤسسات، بدءًا بآليات اختيار الحاكم بوصفه أعلى سلطة لها، وانتهاء باختيار أدنى مسؤول فيها، هذا من جهة، ويخلطون، من جهة أخرى، بين التشريعات والأحكام والقوانين التي تحكم تلك الدولة ونظامها السياسي، وهذا الخلط بين المكونات الثلاثة هو السبب الرئيس للمشكل الواقع بين رجالات الإسلام السياسي، ورجالات القوى السياسية الأخرى.
فكما أن الزراعة زراعة بوصفها علما بشريا، والاقتصاد اقتصاد، والسياسية سياسة، والاجتماع اجتماع، فإن الدولة دولة أيضا؛ أي أنها نتاج بشري صرف، أي هو علم بشري، ونتاج خبرات بشرية، تكونت عبر التاريخ البشري للبشر، وهكذا، فلا علاقة للدين بتلك العلوم والمعارف والتجارب، بآليات البحث فيها، والأسس التي تقوم عليها من مصطلحات ومناهج ومنطلقات؛ ولكنه -أي الدين- ذو علاقة ضرورية إذا كان لهذا النتاج ارتباط بالعلاقات الإنسانية بعضها ببعض، من منطلق قيمي وأخلاقي ومعاملاتي، ساعتئذ، فإن الدين هو المحرك الأساسي له، وهو المرجع الرئيس لتلك العلاقات والمبادئ الإنسانية العليا، كالعدل، والإخاء، والحرية، والكرامة، والرحمة، والمنفعة، والتشاور، والصدق، والأمانة، والقوة، والإثار، والمحبة، ودفع العدوان.
وفي ذلك السياق، ندرك، حينها، السبب من أنّ النبي الكريم عندما كان قائدا وحاكما في المدينة فَصَل بين الدين والدولة، وذلك كما في القصة المشهورة في يوم بدر عندما سُئِل النبي حين اختار موضعًا لمعسكره عن سبب الاختيار، فقال: "يا رسول الله، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟"، فقال النبي: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فأشار على النبي بتغيير موضع معسكره ليحولوا بين جيش قريش وماء بدر.
ولكنه لم يفصل بين الدين والدولة عندما تعلَّق الأمر بالجانب الأخلاقي والإنساني، وذلك عندما أوصى المسلمين قبيل كل معركة لدفع عدوان ما، بألا يقطعوا شجرة، ولا يقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا، لا يمثلوا بالجثث، ولا يسرفوا فى القتل، ولا يهدموا معبدا ولا يخربوا بناء عامرا، حتى البعير والبقر لا تذبح إلا للأكل. وكان يوصي دائما بالإحسان إلى الأسير بإكرامه وإطعامه، والوفاء بالعهد، وعدم إجبار أحد على الإسلام. وكذلك فعل عمر الفاروق من بعده، عندما فتح القدس، بألا تُسكن كنائس المسيحيين ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم.
وعليه، فإن موضوعة الدولة ونظامها السياسي من حيث هو، أمر خاضع للزمان والمكان، وهو متغير ومتطور بتغير الظروف والأحوال، كمفهوم الدولة وحدودها وواجباتها وحقوقها، وعلاقة الدولة بغيرها من الدول، في الحرب والسلم، والمعاهدات والمواثيق، وكذلك، نظامها السياسي وآليات اختيار الحاكم، وآليات عمل مراكز صنع القرار السياسي، وهي المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فهذا كله شأن بشري، فلا يوجد في القرآن الكريم بوصفه نصا دينيا، ولا حتى في ما وصلنا من أحاديث وسيرة وأخبار عن مفهوم الدولة وحدودها وعلاقتها بغيرها، ولا يوجد ذكر لمكونات الدولة وأركانها ومؤسساتها ولا عن آلية اختيار الحاكم ومؤسسات صنع القرار السياسي، لا من حيث النظرية ولا من حيث التطبيق. فدولة المسلمين في عهد الرسول الكريم تختلف عنها في عهد أبي بكر، وهذه تختلف عنها في عهد عمر، وكذلك تختلف عنها في عهد عثمان وعلي، ثم جاءت دولة بني أمية المختلفة عن سلفها اختلافا كليا بوصفها دولة ومؤسسات ونظام سياسي.
وإذا جئنا إلى حكم شرعي منصوص عليه في القرآن، كحد السرقة مثلا، فإن نص القرآن بقطع يد السارق هو نص ثابت، أي دستور لا يتغير، وتطبيقه يقع على عاتق المختصين بالقضاء والاجتماع والطب واللغة، لتعريف السارق عن غيره، ونصاب المسروق الذي يوجب قطع اليد، وبيان حدود هذه اليد والمنطقة التي يجب أن تقطع بما لا يسبب له ضررا خطيرا يودي بحياته. فالنص الديني يجب أن يخضع لمؤسسات الدولة المعنية، وذات الخبرة في شؤون الحياة والدنيا، أي لأهل الاختصاص من علماء نفس واجتماع وقضاة وأطباء ولغويين وغيرهم؛ للنظر إليه من منظور واقعي وعملي ومنفعي، في إطار مقاصد القرآن، وليس للمؤسسة الدينية ذات الأبعاد المذهبية والطائفية من جهة، وأنها، غالبا، تتناول الموضوعات بشيء من التنظير المبني على مقولات الأقدمين من الفقهاء والمفسرين وغيرهم، المختلفين عنا زمانا ومكانا، وحالا وظروفا، من جهة أخرى. أضف إلى ذلك، نجد أن المؤسسات الدينية تاريخيا نشأت مع نشأة دولة المسلمين في العهد العباسي تقريبا، بوصفها مؤسسة من مؤسسات الدولة يناط بها القيام بأعمال السلطة التشريعية والقضائية، وأحيانا السلطة التنفيذية؛ لأنه لم يكن، وقتئذ، ما يعرف بالاختصاص، فالفقيه كان قاضيا وطبيبا ولغويا وفلكيا وأديبا وعالما في السياسة والاجتماع والنفس.
إن تشريع القوانين عملية لا تنتهي، فهي مرتبطة بالتطور والتوسع البشري في شؤون الحياة والناس، من أجل ذلك، أسست مجالس التشريع في الدول، إلا أن هذا لا يعني أن التشريع مفتوح على مصراعيه في الدولة، ففي كل دولة تشريعات فوق القانون وتشريعات تحت القانون، فما كان فوق القانون فهو ثابت لا يناقش ولا يتداول ولا يطرأ عليه تغير أو تبديل في مفهومه أو في نصه، وهو معمول به في أكثر الدول ديمقراطية وتحررا، كأمريكا وفرنسا، فإذا كان لكل دولة ما هو فوق القانون، فإنه بإمكاننا، نحن المسلمين، أن يكون في دولنا تشريعات أساسية فوق القانون، كتشريعات النص القرآني في الأحكام والحدود؛ لأن القرآن هو النص الوحيد في هذا الوجود القطعي الثبوت من حيث المصدر، فما دون ذلك من تشريعات فهو من عمل المجالس التشريعية، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون تنظيم الجامعات، وقانون الاستثمار، وقانون الشركات...
فمرجعية الدولة في الإسلام، تقتصر فقط على كليات ومقاصد الإسلام، كالعدل والرحمة والشورى والوقوف على مصالح الناس وتحقيق أمنهم وغير ذلك، كما هو جلي في القرآن، وباعتبار ذلك دينا لا شأنا من شؤون البشر، وهذا ما يتوافق توافقا تاما مع مفهوم "الدولة المدنية" الحديثة. أما أن تكون مرجعيتها بُنيت على أحاديث ظنية أو وقائع تاريخية أو نظريات تُنسب للخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم لم تثبت قطعا، كفكرة الفتوحات والتوسع، أو آليات عمل النظام السياسي واختيار الخليفة، بالبيعة أو بالملك أو بغيرهما، فهذا مرتبط بما يتوافق عليه الناس حسب زمانهم ومكانهم وظروفهم في ما تقتضيه مصلحتهم ومنافعهم؛ إذ لا علاقة له بالدين بوصفه نصا ملزم لنا، وبوصفنا مكلفين باتباع أوامره ونواهيه، لننال الثواب ونتجنب الهلاك والعذاب.
وفي ظل ذلك، لا يهم، نظريا، إن كانت الدولة بمفهوم "الدولة المدنية"، أم "الدولة العسكرية"، أم "الدولة الدينية"، أو غير ذلك من مفاهيم للدولة وأنظمتها، إذا كانت تحكم بالعدل والصلاح، وتقوم على تحقيق المنفعة العامة للناس، إلا أنّ مطالب الشعوب والقوى السياسية، غالبا، تنحو نحو تطبيق الدولة المدنية رافضة لنظام الدولة العسكرية والدينية، تطبيقيا، من منطلق التجارب الواقعية الفاشلة، غالبا، لتينك الدولتين في الحكم.
ويخلط كثير من الناس بين الدولة بوصفها مجموعة من المؤسسات التي تحكم وترعى شؤون الناس لتحقيق المنفعة العامة لهم، والنظام السياسي الذي يحكم هذه المجموعة من المؤسسات، بدءًا بآليات اختيار الحاكم بوصفه أعلى سلطة لها، وانتهاء باختيار أدنى مسؤول فيها، هذا من جهة، ويخلطون، من جهة أخرى، بين التشريعات والأحكام والقوانين التي تحكم تلك الدولة ونظامها السياسي، وهذا الخلط بين المكونات الثلاثة هو السبب الرئيس للمشكل الواقع بين رجالات الإسلام السياسي، ورجالات القوى السياسية الأخرى.
فكما أن الزراعة زراعة بوصفها علما بشريا، والاقتصاد اقتصاد، والسياسية سياسة، والاجتماع اجتماع، فإن الدولة دولة أيضا؛ أي أنها نتاج بشري صرف، أي هو علم بشري، ونتاج خبرات بشرية، تكونت عبر التاريخ البشري للبشر، وهكذا، فلا علاقة للدين بتلك العلوم والمعارف والتجارب، بآليات البحث فيها، والأسس التي تقوم عليها من مصطلحات ومناهج ومنطلقات؛ ولكنه -أي الدين- ذو علاقة ضرورية إذا كان لهذا النتاج ارتباط بالعلاقات الإنسانية بعضها ببعض، من منطلق قيمي وأخلاقي ومعاملاتي، ساعتئذ، فإن الدين هو المحرك الأساسي له، وهو المرجع الرئيس لتلك العلاقات والمبادئ الإنسانية العليا، كالعدل، والإخاء، والحرية، والكرامة، والرحمة، والمنفعة، والتشاور، والصدق، والأمانة، والقوة، والإثار، والمحبة، ودفع العدوان.
وفي ذلك السياق، ندرك، حينها، السبب من أنّ النبي الكريم عندما كان قائدا وحاكما في المدينة فَصَل بين الدين والدولة، وذلك كما في القصة المشهورة في يوم بدر عندما سُئِل النبي حين اختار موضعًا لمعسكره عن سبب الاختيار، فقال: "يا رسول الله، أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتعداه، ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟"، فقال النبي: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة"، فأشار على النبي بتغيير موضع معسكره ليحولوا بين جيش قريش وماء بدر.
ولكنه لم يفصل بين الدين والدولة عندما تعلَّق الأمر بالجانب الأخلاقي والإنساني، وذلك عندما أوصى المسلمين قبيل كل معركة لدفع عدوان ما، بألا يقطعوا شجرة، ولا يقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا، لا يمثلوا بالجثث، ولا يسرفوا فى القتل، ولا يهدموا معبدا ولا يخربوا بناء عامرا، حتى البعير والبقر لا تذبح إلا للأكل. وكان يوصي دائما بالإحسان إلى الأسير بإكرامه وإطعامه، والوفاء بالعهد، وعدم إجبار أحد على الإسلام. وكذلك فعل عمر الفاروق من بعده، عندما فتح القدس، بألا تُسكن كنائس المسيحيين ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم.
وعليه، فإن موضوعة الدولة ونظامها السياسي من حيث هو، أمر خاضع للزمان والمكان، وهو متغير ومتطور بتغير الظروف والأحوال، كمفهوم الدولة وحدودها وواجباتها وحقوقها، وعلاقة الدولة بغيرها من الدول، في الحرب والسلم، والمعاهدات والمواثيق، وكذلك، نظامها السياسي وآليات اختيار الحاكم، وآليات عمل مراكز صنع القرار السياسي، وهي المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية. فهذا كله شأن بشري، فلا يوجد في القرآن الكريم بوصفه نصا دينيا، ولا حتى في ما وصلنا من أحاديث وسيرة وأخبار عن مفهوم الدولة وحدودها وعلاقتها بغيرها، ولا يوجد ذكر لمكونات الدولة وأركانها ومؤسساتها ولا عن آلية اختيار الحاكم ومؤسسات صنع القرار السياسي، لا من حيث النظرية ولا من حيث التطبيق. فدولة المسلمين في عهد الرسول الكريم تختلف عنها في عهد أبي بكر، وهذه تختلف عنها في عهد عمر، وكذلك تختلف عنها في عهد عثمان وعلي، ثم جاءت دولة بني أمية المختلفة عن سلفها اختلافا كليا بوصفها دولة ومؤسسات ونظام سياسي.
وإذا جئنا إلى حكم شرعي منصوص عليه في القرآن، كحد السرقة مثلا، فإن نص القرآن بقطع يد السارق هو نص ثابت، أي دستور لا يتغير، وتطبيقه يقع على عاتق المختصين بالقضاء والاجتماع والطب واللغة، لتعريف السارق عن غيره، ونصاب المسروق الذي يوجب قطع اليد، وبيان حدود هذه اليد والمنطقة التي يجب أن تقطع بما لا يسبب له ضررا خطيرا يودي بحياته. فالنص الديني يجب أن يخضع لمؤسسات الدولة المعنية، وذات الخبرة في شؤون الحياة والدنيا، أي لأهل الاختصاص من علماء نفس واجتماع وقضاة وأطباء ولغويين وغيرهم؛ للنظر إليه من منظور واقعي وعملي ومنفعي، في إطار مقاصد القرآن، وليس للمؤسسة الدينية ذات الأبعاد المذهبية والطائفية من جهة، وأنها، غالبا، تتناول الموضوعات بشيء من التنظير المبني على مقولات الأقدمين من الفقهاء والمفسرين وغيرهم، المختلفين عنا زمانا ومكانا، وحالا وظروفا، من جهة أخرى. أضف إلى ذلك، نجد أن المؤسسات الدينية تاريخيا نشأت مع نشأة دولة المسلمين في العهد العباسي تقريبا، بوصفها مؤسسة من مؤسسات الدولة يناط بها القيام بأعمال السلطة التشريعية والقضائية، وأحيانا السلطة التنفيذية؛ لأنه لم يكن، وقتئذ، ما يعرف بالاختصاص، فالفقيه كان قاضيا وطبيبا ولغويا وفلكيا وأديبا وعالما في السياسة والاجتماع والنفس.
إن تشريع القوانين عملية لا تنتهي، فهي مرتبطة بالتطور والتوسع البشري في شؤون الحياة والناس، من أجل ذلك، أسست مجالس التشريع في الدول، إلا أن هذا لا يعني أن التشريع مفتوح على مصراعيه في الدولة، ففي كل دولة تشريعات فوق القانون وتشريعات تحت القانون، فما كان فوق القانون فهو ثابت لا يناقش ولا يتداول ولا يطرأ عليه تغير أو تبديل في مفهومه أو في نصه، وهو معمول به في أكثر الدول ديمقراطية وتحررا، كأمريكا وفرنسا، فإذا كان لكل دولة ما هو فوق القانون، فإنه بإمكاننا، نحن المسلمين، أن يكون في دولنا تشريعات أساسية فوق القانون، كتشريعات النص القرآني في الأحكام والحدود؛ لأن القرآن هو النص الوحيد في هذا الوجود القطعي الثبوت من حيث المصدر، فما دون ذلك من تشريعات فهو من عمل المجالس التشريعية، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون تنظيم الجامعات، وقانون الاستثمار، وقانون الشركات...
فمرجعية الدولة في الإسلام، تقتصر فقط على كليات ومقاصد الإسلام، كالعدل والرحمة والشورى والوقوف على مصالح الناس وتحقيق أمنهم وغير ذلك، كما هو جلي في القرآن، وباعتبار ذلك دينا لا شأنا من شؤون البشر، وهذا ما يتوافق توافقا تاما مع مفهوم "الدولة المدنية" الحديثة. أما أن تكون مرجعيتها بُنيت على أحاديث ظنية أو وقائع تاريخية أو نظريات تُنسب للخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم لم تثبت قطعا، كفكرة الفتوحات والتوسع، أو آليات عمل النظام السياسي واختيار الخليفة، بالبيعة أو بالملك أو بغيرهما، فهذا مرتبط بما يتوافق عليه الناس حسب زمانهم ومكانهم وظروفهم في ما تقتضيه مصلحتهم ومنافعهم؛ إذ لا علاقة له بالدين بوصفه نصا ملزم لنا، وبوصفنا مكلفين باتباع أوامره ونواهيه، لننال الثواب ونتجنب الهلاك والعذاب.
وفي ظل ذلك، لا يهم، نظريا، إن كانت الدولة بمفهوم "الدولة المدنية"، أم "الدولة العسكرية"، أم "الدولة الدينية"، أو غير ذلك من مفاهيم للدولة وأنظمتها، إذا كانت تحكم بالعدل والصلاح، وتقوم على تحقيق المنفعة العامة للناس، إلا أنّ مطالب الشعوب والقوى السياسية، غالبا، تنحو نحو تطبيق الدولة المدنية رافضة لنظام الدولة العسكرية والدينية، تطبيقيا، من منطلق التجارب الواقعية الفاشلة، غالبا، لتينك الدولتين في الحكم.
نيسان ـ نشر في 2023/08/31 الساعة 00:00