العمل.. أعمال رثة تاتي بالنقود واعمال مهمة وإنتاجية بلا مردود نقدي

إبراهيم غرايبة
نيسان ـ نشر في 2023/09/09 الساعة 00:00
الأصل في العمل أنه جزء من الذات بمعنى أنه لا يؤجر ولا يقدم الا للمصالح والأعمال التي تقيمها الأمم والجماعات مثل العدل والأمن والدفاع والتعليم والصحة، وأن الإنسان يعمل بنفسه ولنفسه، وعندما بدأ الإنسان يقدم عمله ومهاراته ومعارفه في السوق كان ذلك يجري وفق مصالح وخدمات متبادلة وعلى أساس التكافؤ التام بين اطراف تبادل المنفعة ، ولم يكن أحد يعمل أجيرا عند أحد آخر. وقد نشأ نظام العبودية لأنه لم يكن لدى البشر تصور للعمل بأجر لدى آخر سوى العبودية. وربما تكون أنظمة العمل السائدة اليوم في مؤسسات القطاع الخاص تطويرا وتحسينا لأنظمة العبودية. والواقع ان شعور أصحاب العمل والمؤسسات بامتلاكهم للعاملين لديهم شعور قوي ومتأصل يتعدى تبادل المنفعة الى الامتلاك والعبودية
يكون العمل مفيدًا وليس رثا اذا كان مفيدًا بذاته (وليس بمردوده المالي) في تحسين حياة الشخص و او الناس و او الكائنات الحية و أو البيئة والطبيعة ولا يلحق ضررا باي مما او من سبق ، واذا كان غيابه أو نقصه يلحق ضررا بحياة الناس . او لا يستطيع الانسان ان يعمله بنفسه، ولذلك فإننا نقدم الهدية أو الإكرامية الى فئات من الأعمال والعاملين اضافة الى ما يتقاضاه من أجر من أصحاب العمل مثل الخدمة في المطاعم والمحلات التجارية وتوفير الخدمات والسلع المنزلية والنقل والمواصلات لأنها أعمال يجب أن يؤديها الإنسان بنفسه، وتكون الإكرامية شعورًا بالامتنان لأولئك الذين عملوا لنا ما يحب ان نعمله بأنفسنا ، وتحاول بعض الأمم والثقافات الاستغناء عن هذه الأعمال أو التقليل منها وزيادة اجورها أو ان تكون استثناء وليس أصلا او نظام عمل وحياة سائد
وعلى اي حال فإن أجل الأعمال وأهمها هي الفلاحة أو الزراعة وما امتد منها او تشكل حولها من غذاء الناس وصحتهم . وأنشأت الأمم أعمالًا ووظائف عامة؛ أشرفها العدل والقضاء والدفاع والأمن والخدمة العامة. لقد تشكلت قيم الأمم ومثالها السامي حول الفلاح والقاضي والجندي. ثم نشأت أعمال نبيلة تحتاجها الأمم مثل التعليم والصحة والبناء والأثاث والأدوات. يمكن الملاحظة على سبيل المثال أن الأمة الأردنية الحديثة أنشأها الفلاحون والجنود والمعلمون .
كان الحداودون والنجارون وصانعو الأدوات أساس التقدم العلمي والتكنولوجي ثم نشوء الصناعات
وتشكل حول الاعمال والمهن طبقات ونقابات وجامعات ومعاهد أسست للديمقراطية والدولة المركزية بدلا من الامبراطوريات او الاقطاعيات والممالك الصغيرة المحلية، وأنشأت الايديولوجيات السياسية الليبرالية والاشتراكية لتكون اطارا عاما للأمم والتنافس على السلطة وتداولها سلميا؛ منهية الخوف والامتيازات الطبقية والحق الالهي الذي ادعته او انتحلته فئات من البشر، وتسلطت به على مصائر الأمم واقواتها
هكذا فإن الأعمال الجليلة والنافعة هي ما يمنح الناس من أفراد وأمم ومجتمعات العدل والكرامة والحريات والتقدم الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة حتى لو كانت بلا مردود مالي مثل الاسرة والعمل التطوعي والهوايات. وأمًا الاعمال الرثة؛ فهي ما يلحق الضرر بكرامة الناس وحياتهم مهما كان مردودها المالي ومهما علا شأنها في نظر اصحابها أو الناس.
    نيسان ـ نشر في 2023/09/09 الساعة 00:00