سرد ٌ يشبه الحكايات ! بقلم / ماجد شاهين

نيسان ـ نشر في 2015/11/04 الساعة 00:00
( 1 ) شارع ! الرجل ، الذي يقود " عربة ً / مركبة " باذخة فارهة ، والذي قلّل من سرعة المركبة و توقّف لكي يمنحني فرصة عبور الشارع ، شكرته باستهجان حين لمحت فتية ً في المركبة يتضاحكون ! الرجل إيّاه ، السائق الغامض ، لم يكن يعتني بالرفق بمن هم مثلي أو يعتني باحترام حقوق المارّين في الشارع ، بل كان يريد الامتثال لرغبات الأطفال المتضاحكين في المركبة والذين لمحوني من بعيد و أرادوا أن يستمتعوا بشكلي الذي لم يعتادوا رؤيته أو بثيابي التي لا يرونها إلاّ في البرامج التلفزيونيّة التي تتحدث عن القهر ، هذا إن هم شاهدوا مثلها . ... كنت ُ أحسن ُ الظنّ بالسائق والمركبة ، لكن أصوات الأولاد والبنات التي علت متضاحكة و منادية بأسماء عجيبة من وراء الزجاح ، جعلتني أحترم الشارع أكثر من المركبات الفارهة كلّها ! ( 2 ) صفعة ! كان يَعُد ّ مع كلّ صفعة .. و حين اقترب العد ّ من الصفعة الأخيرة ، تعب الجلاّد وارتخى جسده و مال إلى الأرض كمن خارت قواه ! .. الفتى الذي ينتظر الصفعة الأخيرة تحامل على وجعه و نهض إلى جوار قريب ٍ و قطف وردة ، وجاء يناولها إلى الجلاّد لكي ينهض ويصحو من تعبه ! .. الفتى أراد أن ينتعش الجلاّد قليلاً و يكمل الصفعة الأخيرة لكي يكتمل الذنب . ... الفتى أراد للجلاّد أن يستعيد عافيته و يشعل جسد الفتى تبريحاً و ألما ً ، والفتى هنا كان يريد للعتمة أن تأكل روح الجلاد .. الفتى كانت تنقصه صفعة واحدة لكي يذهب الجلاد إلى الجحيم . ... الفتى كان يرى أنه لا ينبغي ردّ الصفعة إلى الجلاّد ، بل ينبغي أن نتركه تقرص الأشواك روحه . ( 3 ) حجر ! المزق ُ ظاهر في الوجه والحجر كشطت جزءاً من جلد الوجه قريباً من الأنف ، و جُـدِع َ جزء من المنخر الأيمن من الأنف ، ولا زالت آثار الحكاية واضحة ! .. الرجل ، ربّما يكون أزعجه صوت العصفور في أعلى الشجرة المجاورة لبيته أو أنه حاول أن يتمرّن ويتسلّى بصيد ٍ يعنقد أنه سانحاً ! .. العصفور يتراقص مثل عادته و يزقزق . .. الرجل المتجهم حمل حجراً غليظة و طوح بها في الأعلى ليُـسقِط العصفور ويتخلّص من صوته أو لكي يراه طريحَ التراب . .. بـــ ِ خفّة و رشاقة الطائر و بزقزقة تليق ، أفلت العصفور من ضربة الحجر و نجا من مكيدة الرجل و طار إلى غصن ٍ آخر . .. الرجل ظلّ يرفع وجهه وينظر إلى العصفور مؤملاً أن يرى شكل سقوطه . .. ظنّ الرجل أن الحجر أصابت العصفور . .. العصفور في الجوار على غصن طريّ ينتشي بإفلاته من سطوة الحجر ، و الرجل تصدمه ضربة الحجر المرتد إلى وجهه ، يُنزف منه دم ٌ و يتضرر الأنف والوجه و يسقط الحجر إلى الأرض . .. والعصفور هناك حط ّ على غصن ٍ رقيق على الشجرة . ( 4 ) ركوة ! سعى أصدقاء ٌ ، تخلّصا ً من " أعباء " الارتباك اليوميّ و التوتّر ،إلى خروج من النمطيّة السائدة و الاتجاه إلى العراء ، هناك حيث الانكشاف ، قرّروا إعداد ما يلزم لصنع القهوة في مكان لم تلوّثه الفوضى ولم يربكه الضجيج . .. اتفقوا أن يذهبوا في رحلة " ما بعد العصر " بمتاع قليل ، فاعدوا الركوة والفناجين و ما يلزم لإشعال النار و ما يلزم من ماء و ما تيسّر من فاكهة و حملوا أمتعتهم الخفيفة و ما يلزم لكي يفترشوا الأرض .. واستقلّوا مركبة لأحدهم وراحوا ياتجاه الهواء والفضاء المفتوح و أصوات الطيور والنباتات البريّة . قرروا أن يشربوا قهوتهم في " الهواء الطلق " بعيداً عن اليوميّ والمكرور والعاديّ و بعيداً عن المقاعد الملتبسة في المقاهي أو البيوت . حملوا الامتعة و ما يلزم في الرحلة . اختاروا مكانا ً يبعد عن المدينة نحو ساعة من السفر في المركبة ، المساء يرخي بألوانه وظلاله و الشمس تغادر لكي ترتدي ثياب نومها و تتناول عشاءها و تنام . .. حين اقتربوا من مكان يلائم ما يسعون إليه أو يشبهه ، ترجّلوا وافترشوا الأرض و وضعوا " حاجياتهم " في الجوار ، و أخذوا يستنشقون هواء ً طيّبا ً . .. أحدهم الآن يشعل النار لكي يعمر المكان بالقهوة ! .. آخر يعدّ الركوة و يصب ّ الماء فيها و يضع قليلاً من السكّر ، بما يلائم الأذواق ! .. يضع الركوة فوق النار ! .. والرفاق يبتهجون بالليل والهواء والعتمة النبيلة المحيطة بالمكان ! .. وارتُبك صانع القهوة ! يبحث عن شيء مفقود ، يبحث عن زوّادة الركوة ، عن نسغ القهوة .. عن " البن ّ " ! نسوا " كيس البن " عند البائع ! .. هل تنفع القهوة بلا روحها ، هل تنفع القهوة بلا بُنـّها ؟ .. يحدث أن ننسى ، لكن القهوة لا تنفع بالماء وحده ! ( 5 ) و ينفع ! .. و ينفع ُ أن نجد َ لنا مَقعدين حول طاولة ٍ في درب ٍ هنا أو هناك ، ينفع ُ أن تكون الطاولة عند خائط ملابس أو راتق أردية يسعى الناس ُ إليه لكي يستر عورات القماش ! أو ، هكذا ، في الدرب تكون الطاولة ُ والمَقعدان و ولد قليل ٌ يبيع الميرميّة أو الزعتر الأخضر ، عند أوّل الدرب ، و بائع العصائر ينادي في الناس أن تعالوا إلى الفاكهة ! ... ينفع ُ أن تكون المواعيد في أوقاتها من دون أن يؤجّلها عطب ٌ في صوت الناي أو نقص ٌ في ماء البائع أو عفن أصاب ورق الزعتر فأطاح الرائحة . ... ينفع ُ أن نملأ صحن النافذة بالماء ، و لا ننهر العصافير ! ينفع ُ أن لا نسرق أصابع العازف ! ينفع ُ أن نترك للشمس فرصتها كيما تخلع قميص نومها على مهلها وترتدي حلّة النهار ! ينفع ُ إن ْ أردنا الحياة : أن ْ لا تجف ّ ماء المرحبا بيننا و أن ْ لا نطفيء الضوء حول الفراشات . ... ينفع ُ !
    نيسان ـ نشر في 2015/11/04 الساعة 00:00