جبروت الطبيعة وهشاشة الإنسان

رمزي الغزوي
نيسان ـ نشر في 2023/09/17 الساعة 00:00
بعض الشعوب البدائية كانت تفسّر حدوث الزلازل بطريقة فنتازية مضحكة. فالأرض باعتقادهم محمولة على قرن ثور قوي يجري ماخرا عباب الفضاء لاهثا نافثا زفيره الساخن، وكأنه في ميدان سباق لا خط نهاية له لكنه حين يشعر بالوهن والتعب ويريد إراحة قرنه يقذف كرة الأرض إلى أعلى؛ لتسقط مستقرة على رأس قرنه؛ فيشعر سكان الكوكب المسكين بالاهتزاز والرجرجة المخيفة التي نسميها زلزالا.
تذكرت الأسطورة العجيبة هذه بعد شيوع ظلال عديدة في تفسير حدوث الزلزال اللعين الذي وسط المغرب وفيضانات مدينة درنة الليبية الأسبوع الماضي وقتل وتشريد الآلاف. فيبدو أن البعض لا يتقن إلا العزف على وتر هذه الربابة متحديا نفسه بتغييب عقله وتفكيره حين يرضى بترديد أفكار أكثر غرابة وعجبا من حكاية الثور وقرنه المتعب، مع أن باستطاعة الجميع أن ينالوا المعلومة العلمية الصحيحة بكل سهولة.
بعيدا عن هذا ما زال يحزنني الإنسان حين يتولاه جبروت الطبيعة ويحيله إلى عدد أصم في قوائم الموتى في الجوائح والنوائح مرة، وفي النكبات والكوارث الطبيعية مرات ومرات. الإنسان رغم عنفوانه وغروره ضعيف كورقة في مهب الخريف، وقد تبدو الحياة بهشاشة بيت متهالك لحظة الزلزال.
ويحزنني أكثر أن يجد الواحد نفسه عاجزا عن فعل أي شيء لهؤلاء البشر المكلومين بعد إذ صارت بيوتهم أكفانا وقبورا في رمشة عين أو أدني. مما يجعلنا نرجع البصر كرتين وأكثر؛ لنفكر في حياتنا ومعناها وجدواها.
مع كل هذا الألم والفقد والبؤس يبهجني شيء صغير. فأن يخرج ناجون من تحت الأنقاض بعد أسبوع من الكارثة يجعلنا نؤمن أن الحياة مثابرة صامدة تستحق أن تعاش وتحيا، وتستحق أن نرنو إليها بكل أمل وتفاؤل. الحياة قوية.
يبقى أن العالم لم يسع لمساعدة المنكوبين سعيه للحروب والتعبئة والتجييش. وهذا يجعلني أتساءل لماذا لا يكون ثمة جيش عالمي مجهز في قارات العالم للمساعدة في مثل هذه النكبات والويلات متخطيا كل الاعتبارات الطبقية والسياسية.
لماذ لا تغيب في الكوارث كل الفروقات والخلافات السياسية وتحضر حقيقة واحدة فقط، هي الحياة وصراعها المرير مع الموت.الدستور
    نيسان ـ نشر في 2023/09/17 الساعة 00:00