أيام عصيبة مقبلة

د.محمد المومني
نيسان ـ نشر في 2023/10/21 الساعة 00:00
كل المؤشرات توضح أننا مقبلون على مرحلة عصيبة سياسيا وإنسانيا وعسكريا في الحرب الدائرة في غزة. إسرائيل وحكومة اليمين يتملكهما الغضب الشديد وتبدو العملية البرية مقبلة ومستمرة لا محالة. لا أحد يعلم مآلات هذه العملية، ولكن لا شك ستكون تكلفتها الإنسانية والبشرية هائلة، وسنرى سيلا من الضحايا والشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ. لا أحد يعلم الى متى ستستمر الحرب البرية، ولكن الثابت أن أهدافها بعيدة المنال، خاصة القضاء على السلاح في غزة، لأن هذا سيعني حرفيا دخول كل بيت غزي، وهو ضرب من الخيال العسكري والأمني. العملية البرية لن يكتب لها النجاح بالمعنى العسكري، لذا ستجد إسرائيل تسعى لنجاح صوري لحفظ ماء الوجه، والأرجح لن تقتلع السلاح والمقاتلين من غزة لأنهم ليسوا جيشا نظاميا بالمعنى الاصطلاحي والميداني يمكن تدمير قواعده ومعداته. مع مرور الوقت، سيعود العالم ويبدأ بفقدان صبره ويطلب من إسرائيل إنهاء الأعمال العسكرية، وهنا سيبدأ البحث عن حلول تفاوضية وسياسية كانت دائما لا تعيرها إسرائيل أي أهمية، بل تستفز وتقتحم وتهين المسلمين والعرب، وعندما يحدث العنف تعود مرة أخرى للقول بالحق بالدفاع عن النفس، متناسية أن الابتعاد عن المسار السياسي وإهانة وعدم احترام حقوق الفلسطينيين أمر المنطق يقول إن له تكلفته.
علينا الصبر والاستمرار بالتصرف بحكمة، والقول للعالم إن التعامل الأمني والعسكري لن يحقق الأهداف، ووحده الاشتباك السياسي سوف يؤدي الى وقف التصعيد وتحقيق الاستقرار. هذه لغة لا يريد أن يسمعها العالم الآن وإسرائيل في حالة غليان لا تقبل مجرد الحديث عن هذا الأمر. الأردن ومصر والسلطة وكل دولة حكيمة سوف تدرك مع مرور الوقت أن الغضب وما تفعله إسرائيل الآن للانتقام ليس حلا وإنما تفريغ للغضب، وأن الحكمة تقتضي التعامل المسؤول الذي يجلب السلام والاستقرار، وهذا لن يتم إلا من خلال استيعاب أن الحل للنزاع الدائر سياسي وليس عسكريا أو أمنيا.
ما يحدث في غزة سيكون له وقعه العميق سياسيا وأمنيا على إسرائيل، وقد خسر بالفعل اليمين الإسرائيلي كثيرا من الدعم، وأصوات إسرائيلية كثيرة تتعالى لتقول هذا ما نجنيه عندما نمعن باستفزاز الفلسطينيين وتجاهل حقوقهم وكرامتهم الوطنية. في ظل الغضب العارم وسيل التكلفة البشرية الآن، لا أحد يريد أن يسمع لغة العقل، ولكنها ستسود بالنهاية لأنها تمتلك قوة الحق والمنطق. نرى هذا الخطاب العقلاني يتصاعد شيئا فشيئا، وقد نجح الأردن بالفعل بفتح جبهات سياسية ودبلوماسية وإنسانية، وأصبح العالم يتحدث عن ذلك بعد أيام عصيبة كان الحديث فيها عن لغة الانتقام العسكرية التي تنشدها إسرائيل. علينا الاستمرار بالحديث بعقلانية وحكمة وندعم منطق ضرورات الحل السياسي لأن بغيره سوف تستمر دوامة العنف. والأهم، أن نتكاتف ونبقي الانتباه على دعم الفلسطينيين وألا نسمح لأي كان بالعبث بالجبهة الداخلية.
الغد
    نيسان ـ نشر في 2023/10/21 الساعة 00:00