عن أي قمة يتحدثون؟
نيسان ـ نشر في 2023/11/11 الساعة 00:00
لن أوجّه حديثي هنا إلى أولئك المؤتمرين في الرياض، ولن أدعوهم أو أستعطفهم ليهبوا لنجدة غزة وفلسطين وأهلهما، أو أستنهض هممهم ليتخذوا قرارات تُلزِم العالم بوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها أهلنا في فلسطين على أيدي أعداء الأمة أميركا ورهطها.
وهذا ليس من عدمية أو يأس أو إحباط، وإنما عن معرفة وتجربة، وبعد أن لُدِغنا من جُحرنا مرات ومرات.
فإذا كان هناك من يعتقد أو يأمل أو يتمنى أن تخرج علينا القمة بأمر فيه خير لفلسطين وأهلها وللأمة، أو حتى بقرارات "الحد الأدنى" فهو واهم، وعليه أن يراجع نفسه، وأن يشحذ ذاكرته، ويُحكِّم عقله، وأن ينفض عنه ركام الغسيل الإعلامي التعبوي، الرسمي وغير الرسمي، الذي يجمِّل القبيح ويقبّح الجميل.. ويحرّف الآيات عن مواضعها.
ستنعقد هذه القمة، كما سبقها قمم كثيرة، وسنسمع خطابات رنانة، وسيقولون بأفواههم ما لا يفعلون، وسينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور، ثم سيأتي طبّالو الأنظمة والحكام وزمّاروهم، ليمجّدوا الزعيم الأوحد والقائد المُلهَم، كل في بلده، ويتبعهم "المحللون" الذين يشرحون للناس حجم ما أنجزه القادة وأهميته ومبلغ قدرتهم وحنكتهم السياسية؟
ثم يخرج علينا "فقهاء السلطان" ليدعونا لأن نحمد الله ونشكره على ما أنعم علينا من قيادات فذة حكيمة بصيرة مؤثرة، وليقولوا "أُعلُ هُبَل"، وليأمرونا باسم الإله أن نترك الأمر لوليّ الأمر.
أوَ ليس هذا ما اعتدناه منذ مؤتمر أنشاص (أول قمة عربية 1946)؟ ألم نتعظ بعد مؤتمر الخرطوم و"لاءاته الثلاث" التي انقلبت "نعم"؟
لن آتي بجديد إن قلت إنّ مصيبتنا هي في أنظمتنا، ولن أضيف شيئا إن استخدمت أي مصطلح يصف هذه الأنظمة، فقد استنفدنا على مدار عقود جميع المصطلحات والتوصيفات الحاضرة في لغتنا العتيدة.
لكن، لمَ يتصرفون هكذا؟ ولماذا لا يتجرأون على اتخاذ مواقف تحفظ ما تبقى من كرامة، إن كان هناك بقية؟
ببساطة متناهية؛ لأن الكثير من هذه الأنظمة والقيادات لا يمتلك الشرعية التي تتيح له أن يخرج عن القطيع. هذه هي المسألة ببساطة.
هم يعتقدون جازمين أن بقاءهم على كراسيهم رهن برضا السيد الأميركي وحاشيته من الدول الاستعمارية، وأنه هو الذي بيده الأمر والنهي والقادر على إدامتهم رغم أنوف أحرار شعوبهم المقهورة، وحتى توريث كراسيهم لأبنائهم. وأنهم إذا أغضبوه أو خرجوا عن أمره فستكون نهايتهم، وسيأتون بغيرهم ممن لا يعصون له أمراً.
ومن لم يتخذ أميركا سيدة له، فسيَدينُ بالولاء لروسيا.. لا فرق.. المهم أن تجد من يحميك ويدعم بقاءك في السلطة ويباركك.
ولذلك، فلا بأس من قهر الشعوب والدوس عليها وتركيعها، بالقوة الغاشمة أو القوة الناعمة، لا فرق. ولا ضير في الإمساك ببعض المظاهر وتمثيل المسرحيات حيال ما يسمى "الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات" تماما كما يحدث بين الدول وما يسمى المجتمع الدولي، فيما لا يحكم العلاقات بينها إلا علاقة القوة ومنطق شريعة الغاب والبقاء والسيادة للأقوى.
ولا مانع من إجراء "انتخابات" نعلم جميعا كيف يجري ترتيبها وضبطها والتسحيج لها بوصفها منجزاً، كل هذا حتى تبرر حكومات الغرب الاستعماري لشعوبها دعمها لهذه الأنظمة "السائرة نحو الديمقراطية".
ولأنهم يعلمون أن قمة الرضا الأميركي وبوابته تكون في تطبيع العلاقات مع ربيبتها "إسرائيل" تجدهم يهرعون لنيل رضا الذي هو أدنى غير عابئين بأي تداعيات أو حسابات أخرى أيّاً كانت.
وقد يسأل سائل: ما دام الأمر هكذا، فلِمَ يُتعبون أنفسهم بعقد قمة؟
الإجابة بمنتهى البساطة، لأنهم رغم القوة الغاشمة أو الخشنة، والقوة الناعمة، يعلمون أن هناك حدوداً لا يجوز تخطيها أو اللعب حولها، وأن شعوبهم المقهورة والمغلوبة على أمرها قد ينفد صبرها وتُكسّر القيود غَضبةً لفلسطين والأقصى وغزة.
ولذلك تسمع اسطوانات شرخها الزمان، ولم يملّوا من تردادها، لتنفيس الغضب والكبت والقهر الذي يعتمل في الصدور وحتى لا ينفجر البركان في وجوههم.. ولذرّ الرماد في العيون.
ستعقد القمة، وسيتباكون على أهل فلسطين، وسيزمجرون بأعلى الصوت، ويصدرون بيانا ختاميا مجمله "أوسعتُهًم شتماً وأودوا بالإبل"، ولربما يحمّلون (كما فعل بعضهم علنا) المقاومةَ جريرةَ ما حلّ بأهل غزة الحرة والضفة الغربية المحتلة. ثم يبدون استعدادهم لتقديم "المساعدات" للتخفيف من معاناة المستضعفين في الأرض.
سنجدهم جميعا "قلوبهم مع علي وسيوفهم مع بني أمية" وأموالهم كذلك، لأنّ لا أحد منهم يؤيد المقاومة.. أتدرون لماذا؟ لأنّ المقاومة ترفض الظلم، ولأنها إن نجحت وانتصرت فستصبح أيقونة ونموذجا لسائر الشعوب المستضعفة التي لا يضمن أحد أن تقتدي بها وتحطم الأصنام..
أما غزة.. وسائر فلسطين.. فللبيت ربٌّ يحميه
وهذا ليس من عدمية أو يأس أو إحباط، وإنما عن معرفة وتجربة، وبعد أن لُدِغنا من جُحرنا مرات ومرات.
فإذا كان هناك من يعتقد أو يأمل أو يتمنى أن تخرج علينا القمة بأمر فيه خير لفلسطين وأهلها وللأمة، أو حتى بقرارات "الحد الأدنى" فهو واهم، وعليه أن يراجع نفسه، وأن يشحذ ذاكرته، ويُحكِّم عقله، وأن ينفض عنه ركام الغسيل الإعلامي التعبوي، الرسمي وغير الرسمي، الذي يجمِّل القبيح ويقبّح الجميل.. ويحرّف الآيات عن مواضعها.
ستنعقد هذه القمة، كما سبقها قمم كثيرة، وسنسمع خطابات رنانة، وسيقولون بأفواههم ما لا يفعلون، وسينادون بالويل والثبور وعظائم الأمور، ثم سيأتي طبّالو الأنظمة والحكام وزمّاروهم، ليمجّدوا الزعيم الأوحد والقائد المُلهَم، كل في بلده، ويتبعهم "المحللون" الذين يشرحون للناس حجم ما أنجزه القادة وأهميته ومبلغ قدرتهم وحنكتهم السياسية؟
ثم يخرج علينا "فقهاء السلطان" ليدعونا لأن نحمد الله ونشكره على ما أنعم علينا من قيادات فذة حكيمة بصيرة مؤثرة، وليقولوا "أُعلُ هُبَل"، وليأمرونا باسم الإله أن نترك الأمر لوليّ الأمر.
أوَ ليس هذا ما اعتدناه منذ مؤتمر أنشاص (أول قمة عربية 1946)؟ ألم نتعظ بعد مؤتمر الخرطوم و"لاءاته الثلاث" التي انقلبت "نعم"؟
لن آتي بجديد إن قلت إنّ مصيبتنا هي في أنظمتنا، ولن أضيف شيئا إن استخدمت أي مصطلح يصف هذه الأنظمة، فقد استنفدنا على مدار عقود جميع المصطلحات والتوصيفات الحاضرة في لغتنا العتيدة.
لكن، لمَ يتصرفون هكذا؟ ولماذا لا يتجرأون على اتخاذ مواقف تحفظ ما تبقى من كرامة، إن كان هناك بقية؟
ببساطة متناهية؛ لأن الكثير من هذه الأنظمة والقيادات لا يمتلك الشرعية التي تتيح له أن يخرج عن القطيع. هذه هي المسألة ببساطة.
هم يعتقدون جازمين أن بقاءهم على كراسيهم رهن برضا السيد الأميركي وحاشيته من الدول الاستعمارية، وأنه هو الذي بيده الأمر والنهي والقادر على إدامتهم رغم أنوف أحرار شعوبهم المقهورة، وحتى توريث كراسيهم لأبنائهم. وأنهم إذا أغضبوه أو خرجوا عن أمره فستكون نهايتهم، وسيأتون بغيرهم ممن لا يعصون له أمراً.
ومن لم يتخذ أميركا سيدة له، فسيَدينُ بالولاء لروسيا.. لا فرق.. المهم أن تجد من يحميك ويدعم بقاءك في السلطة ويباركك.
ولذلك، فلا بأس من قهر الشعوب والدوس عليها وتركيعها، بالقوة الغاشمة أو القوة الناعمة، لا فرق. ولا ضير في الإمساك ببعض المظاهر وتمثيل المسرحيات حيال ما يسمى "الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات" تماما كما يحدث بين الدول وما يسمى المجتمع الدولي، فيما لا يحكم العلاقات بينها إلا علاقة القوة ومنطق شريعة الغاب والبقاء والسيادة للأقوى.
ولا مانع من إجراء "انتخابات" نعلم جميعا كيف يجري ترتيبها وضبطها والتسحيج لها بوصفها منجزاً، كل هذا حتى تبرر حكومات الغرب الاستعماري لشعوبها دعمها لهذه الأنظمة "السائرة نحو الديمقراطية".
ولأنهم يعلمون أن قمة الرضا الأميركي وبوابته تكون في تطبيع العلاقات مع ربيبتها "إسرائيل" تجدهم يهرعون لنيل رضا الذي هو أدنى غير عابئين بأي تداعيات أو حسابات أخرى أيّاً كانت.
وقد يسأل سائل: ما دام الأمر هكذا، فلِمَ يُتعبون أنفسهم بعقد قمة؟
الإجابة بمنتهى البساطة، لأنهم رغم القوة الغاشمة أو الخشنة، والقوة الناعمة، يعلمون أن هناك حدوداً لا يجوز تخطيها أو اللعب حولها، وأن شعوبهم المقهورة والمغلوبة على أمرها قد ينفد صبرها وتُكسّر القيود غَضبةً لفلسطين والأقصى وغزة.
ولذلك تسمع اسطوانات شرخها الزمان، ولم يملّوا من تردادها، لتنفيس الغضب والكبت والقهر الذي يعتمل في الصدور وحتى لا ينفجر البركان في وجوههم.. ولذرّ الرماد في العيون.
ستعقد القمة، وسيتباكون على أهل فلسطين، وسيزمجرون بأعلى الصوت، ويصدرون بيانا ختاميا مجمله "أوسعتُهًم شتماً وأودوا بالإبل"، ولربما يحمّلون (كما فعل بعضهم علنا) المقاومةَ جريرةَ ما حلّ بأهل غزة الحرة والضفة الغربية المحتلة. ثم يبدون استعدادهم لتقديم "المساعدات" للتخفيف من معاناة المستضعفين في الأرض.
سنجدهم جميعا "قلوبهم مع علي وسيوفهم مع بني أمية" وأموالهم كذلك، لأنّ لا أحد منهم يؤيد المقاومة.. أتدرون لماذا؟ لأنّ المقاومة ترفض الظلم، ولأنها إن نجحت وانتصرت فستصبح أيقونة ونموذجا لسائر الشعوب المستضعفة التي لا يضمن أحد أن تقتدي بها وتحطم الأصنام..
أما غزة.. وسائر فلسطين.. فللبيت ربٌّ يحميه
نيسان ـ نشر في 2023/11/11 الساعة 00:00