إيران وفوز أردوغان

د. نبيل العتوم
نيسان ـ نشر في 2015/11/10 الساعة 00:00
دقت ساعة المواجهة والمجابهة في دولة ولي الفقيه ؛ بعد أن صعقت من هذا الفوز المدوي لحزب العدالة والتنمية التركي بزعامة أردوغان . تعتقد طهران أن فوز أردوغان سيُسهم في إحداث مواجهة أكبر مع المشروع الإيراني في المنطقة ، لهذا تحضرت وأعدت العدة لمواجهة الاستراتيجيات والمخططات , التي إصطلحت على تسميته بالمشروع العثماني الجديد في المنطقة . تعتبر إيران أن النتيجة الطبيعية لفوز أردوغان ستنعكس سلباً على العلاقات البينية بين إيران وتركيا ، وسيُسهم في رفع وتيرة الصراع على المستوى الإقليمي ؛ لكن الحسم سيكون طبعاً لصالح دولة ولي الفقيه حسب ما بشرتنا به أبواق الإعلام الإيراني كذلك ترى طهران أن أردوغان بات ينافسهم بشدة على الملف الفلسطيني بعد أن دفعت الأنظمة العربية حركات المقاومة الفلسطينية رغمًا عن إرادتها إلى الحضن الإيراني، وهذا الأمر سيقلل من استثمار دولة ولي الفقيه للمتاجرة بهذا الملف ، بعد أن ضمنت تثبيت نفسها وصياً على حركات المقاومة الفلسطينية في السابق ،لكن أردوغان نجح إلى حد كبير في سحب هذا الملف من تحت أقدام ولي الفقيه ، وهو ما يعتبر تهديداً كبيراً لنفوذ إيران في المنطقة ، ومحاولة لإضعاف دور طهران من خلال تجريدها لأحد الأدوات المهمة التي تستخدمها لتصفية حساباتها ، ولإدارة حروب الوكالة مع الخصوم . تعتبر دولة ولي الفقيه أن أردوغان مدین بفوزه الإنتخابي لـتنظيم داعش ، حيث وظف بحنكة وذكاء هذا المتغير لتحقيق هذه النتیجة في الانتخابات التشریعیة الترکیة، فعلى ضوء السیاسة التي انتهجها اردوغان، حیث وضع الشعب الترکي البسيط بین خیارین لا ثالث لهما، اما انتخاب حزبه الذي يمتلك السطوة على تحقيق الاستقرار ، او الدفع بهم نحو الفوضى عن طريق إنتخاب الآخريين اللذين يمتازوا بالوهن والضعف ، وهذا ما يفسر رفض اردوغان الدخول مع أي حزب لتشکیل حکومة، على أمل التفرد بالسلطة وتغییر الدستور والعملیة السیاسیة برمتها. الأمر الذي بات واضحاً من خلال حالة التوتر الأمني التي سادت ترکیا ، والذي برز جلياً من خلال التفجيرات التي حدثت ، وحصدت أرواح عدد كبير من الأبرياء الأتراك ،
وتعتقد طهران أن تهدید أردوغان للشعب الترکي لم یتوقف عند هذا المستوى ، بل تم تجنید «داعش» والمجموعات التکفیریة الأخرى، التي یعود الفضل لها بفوز حزب اردوغان، عندما قامت بخلق حالة من الهلع والخوف بین الاتراك من المستقبل، عبر سلسلة الاغتیالات التي شهدتها تركيا أيضاً ، وخلق رأي عام مزيف بين الاتراك الذین خافوا ان یواجهوا ذات المصیر الذي يواجهه السوريين والعراقيين والليبين … بالمقابل إنشغلت دولة ولي الفقيه بالترويج إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا سيواجه بعد فوزه في هذه الانتخابات تحديات كبرى، من أبرزها التحديات الداخلية التي ركزت عليها بشكل كبير، والتي لخصتها على النحو التالي : 1- المعارضة الكبيرة من جانب التيارات السياسية والأحزاب التركية المعارضة التي تعتقد بأن اردوغان يمهد الأرضية لفرض سلطته المطلقة على الدولة التركية ، ومحاولة تعزيز الدكتاتورية الأردوغانية . خصوصاً في هذه المرحلة التي يُعارض الشعب التركي سياسات الحكومة وحزب العدالة والتنمية التي تدعم العصابات الارهابيةعلى إمتداد الإقليم 2- الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي سوف تعصف بالمجتمع التركي ، نتيجة إرتباطها بالمتغير الأمني . 3- الانقلاب الدستوري ,من خلال سعي أردوغان إلى إجراء تعديلات دستورية واسعة ، وهو ما لم يتحقق بسبب فشل أردوغان في الحصول على أغلبية الثلثين ، وفي حال تنفيذ هذا المشروع الانقلابي الذي وعد فيه بادخال تعديلات على الدستور التركي ، سيكون الهدف من ذلك هو تغيير النظام السياسي في تركيا من نظام برلماني تعددي الى نظام رئاسي كما هو في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لايوجد رئيس وزراء ,او كما هو في فرنسا حيث يوجد رئيس وزراء ولكن كافة الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية ، من هنا ترى طهران أن أردوغان يريد أن يصبح زعيماً مطلقاً لتركيا ويريد أن يكون إن صح التعبير سلطاناً للدولة التركية الجديدة ذات منطلق اخواني، ولكن بالمنطق والعقلية التركية العثمانية؛ مما يشكل خطراً كبيراً على إيران , التي أطلقت على الرئيس التركي ( السلطان العثماني) الذي بدأ يعود مجدداً ، وألبست ذلك ثوباً مذهبياً ، معتبرة أن عودته معناه أن آلام الشيعة وآل البيت سوف تتواصل ، لهذا طرحت طهران عدة سيناريوهات للحد من قدرة أردوغان على الحركة ضمن المجال الخارجي ؛ممثلة ب 1.انشغال أنقره بمحاربة الارهاب على الصعيد الداخلي نتيجة النفوذ المتعاظم لحركة داعش والحركة الكردية وقدرتها على الضرب والاستهداف في أي مكان في تركيا ،2.السيناريو الثاني إنشغال أردوغان وحكومته في تصفية الحسابات مع الفرقاء السياسيين، ومع المؤسسة العسكرية والأمنية التي قد تطيح به لسبب ما ، مما يشغله عن التعاطي مع الملفات الاقليمية .3.أما السيناريو الثالث فهو الانجرار بشكل أكبر في الأزمات الاقليمية ؛ لاسيما السوريه ، مما يستنزف المشروع العثماني ، ويجعله ينكفئ للداخل تحت وطأة العامل الاقتصادي والهزيمة العسكرية . النتيجة حسب الرؤية الإيرانية إن الخاسر الوحيد هو اردوغان الذي اعتبر هذه الانتخابات نقطة انطلاق لبلوغ السلطة المطلقة التي تقوده لتحقيق احلامه باحياء الامبراطورية العثمانية. وبصورة عامة ان الحكومة التركية تورطت في سياساتها الخاطئة على الصعيد الداخلي والخارجي والتي ادخلت تركيا في منعطفات سياسية خطيرة ،وستزيد من عزلتها الاقليمية والدولية ، وسيسهم في إضعاف دورها كونها طرفاً في تأجيج مداخل الأزمات الإقليمية . بالمقابل إن انتصار حزب العدالة والتنمية سيوفر لتركيا دفعة قوية من الإرادة من أجل المضي نحو مزيد من الحزم في مواجهة حزمة من التحديات المحيطة بتركيا، والتي تحاول طهران توظيفها لإضعاف تركيا ، وإشغالها داخلياً وخارجياً .فتركيا تدرك بشكل واضح أن مواجهة الحركات الإرهابية المتطرفة التي تسعى إلى زعزعة أمن واستقرار تركيا ترعاها إيران وإسرائيل بشكل خاص. بالمقابل تتوجس إيران من العلاقات المتنامية والمتصاعدة والتي أصطلحت طهران على تسميته بالحلف المؤقت بين المملكة العربية السعودية وقطر من ناحية وتركيا في عهد أردوغان من ناحية أخرى ، وتتحسب من تبلور هذه العلاقات وتتويجها من خلال بناء تحالف استراتيجي بعد فوز حزب العدالة والتنمية التركي، وإعتبار طهران أن هناك تطابق في المنطلقات التآمرية ضد إيران .وأن الدول الثلاث ممثلة بتركيا والسعودية وقطر التي باتت تعمل بمجموعها ضمن سياق سلبي صراعي لمواجهة المشروع الايراني المتنامي ، وتهدده ضمن المجال الحيوي الذي يتحرك فيه ، لهذا يجب وضع خطة إستراتيجية قابلة للتنفيذ للتعامل مع مستجدات ما جرى مؤخراً على صعيد الساحة الانتخابية التركية .واعتبار هذا الحلف الثلاثي المؤقت يسعى إلى إستراتيجية خطيرة هدفها تطويق المشروع الإيراني الإسلامي ومحاصرته بوصفه مشروعاً روحياً وسياسياً مؤثراً في المنطقة.
    نيسان ـ نشر في 2015/11/10 الساعة 00:00