الرواية الرسمية في موضع الشك والتخوين
نيسان ـ نشر في 2023/12/26 الساعة 00:00
المجتمعات في طبيعة تكوينها تبحث عن المصادر الرئيسية للأخبار، ودائمًا ما كانت تصدق الأخبار الصحية والرسمية التي تذاع، لكن هذه الطبيعة التكوينية بدأت تتغير وأصبحت المجتمعات تنجر وراء الشائعات والأخبار المظللة أو الكاذبة وهذا على حساب الرواية الرسمية.
فالإنجرار وراء الشائعات وتكذيب كل ما هو رسمي جعل الرواية الرسمية تدخل في أزمة الشك والتخوين وهذه الأزمة معقدة جدًا وتعاني الرواية الرسمية بها.
في بعض الأحيان لا ألوم الشارع على تكذيبه لجل ما هو رسمي، ولكن بنفس الوقت يجب أن نضع أسباب لعدم اللوم، أو بمعنى أدق أسباب لعدم تصديق الشارع لجل ما هو رسمي، من هذه الأسباب :
أولًا : ضعف الإتصال الحكومي.
غياب الحكومات عن المشهد في المحافل المهمة وإن لم تغب تصل متأخرة، ذلك جعل الشارع يضعها في موضع الشك والتخوين.
فمثلًا لو قمنا بعمل مقاربة تاريخية، لماذا الجميع يحب فترة رئاسة وصفي التل للحكومة؟ ولماذا لاقى قبول واسع عند الجميع حتى عند من لم يعاصره؟
وصفي كان لديه عدة سياسات ترضي الشارع، منها سياسة الإتصال الحكومي، في فترة من فترات رئاسته للحكومة كان عدنان أبو عودة وزير الإعلام لديه، في كل يوم كانا يجتمعان مع بعضهما ويرتبان ما سوف يتم إذاعته للشارع بكل صدق ويحضران الرد على الشائعات المشككة بالأردن، ويخرج ابو عودة لسرد الرد، فشكل حينها حالة من الصدق في إتصاله مع الشارع وجعل للدولة رواية رسمية.
حتى في فترة "كورونا" كانت أنظار الشارع تنصب على المؤتمر الذي يعقد لعرض حالات الإصابة بالفايروس.
وكانت الرواية حينها مصدقة؛ لأن المصدر واحد والتوقيت مناسب والشارع متعطش لسماع الرواية الرسمية، لكن ما قبل وبعد ذلك هنالك تذبذبات في الرواية جعلتها تدخل في دائرة الشك والتخوين.
ثانيًا : الأزمة الإقتصادية والسياسية التي تعصف بنا.
الوضع الإقتصادي المتردي عند الأفراد جعل لديهم حالة من الإحتقان الساخط والغاضب على الحكومات، فحسب نتائج إستطلاعات الرأي التي أجراها "مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية" خلال العام الحالي والماضي ،كانت النتائج صادمة، حيث أشارت إلى إنخفاض ثقة المواطنين بالحكومة والأحزاب السياسية ومجلس النواب والأوضاع الإقتصادية ومستوى المعيشة والخدمات الصحية.
فعلى سبيل المثال تبين أن اقل من نصف الأردنيين (46%) راضون عن مستوى الخدمات الصحية المقدمة لهم. و(39%) فقط راضون عن مستواهم المعيشي الحالي، علاوة على أن غالبية الأردنيين (60%) غير متفائلين بالاقتصاد الأردني خلال العامين القادمين، لذلك عند خروج أي شخص يذيع رواية رسمية للدولة، مباشرة يتم تكذيبه وتخوينه وعدم الإستماع له حتى وإن كان صادقًا، لأن الشارع يتردى في وضعه الإقتصادي وحالة الإحتقان جعلت منه شخص يكره الحكومة ولا يحب الإستماع لها، حتى الوضع السياسي الذي مرت به البلاد في العقد الأخير، من الربيع العربي وحتى قضية نقابة المعلمين عقبها قضية الفتنة تلاها قضية أسامة العجارمة وبعدها خروج قصة تهريب السلاح من قبل النائب وفصل بعض من النواب وكل هذا في ظل تكتيم إعلامي جعل من الرواية الرسمية محل شك وتخوين.
ثالثًا : أحداث غزة التي تجري حاليًا وضعف الموقف العربي.
أزمة تكذيب الرواية ليست مقتصرة فقط على الأردن، بل على جل البدان العربية، الشعب العربي متعطش للنصر ويبحث عن شيء يفرغ به إنتقامه من أفعل إسرائيل، لكنه لم يجد شيء يصب به هذا الغضب فأصبح يتجه نحو جلد الحكومات، ولم يلتفت لأي تصيرح حكومي ولكن بنفس الوقت كانت الأنظار منصبة تجاه الناطق الإعلامي بإسم كتائب القسام "ابو عبيدة" الذي كان يشبع رغباتهم ويشعرهم بالنصر.
وعلى الرغم من أن الموقف الأردني عظيم بنظري إلا أن الشارع لا زال يكذبه، فمثلًا تخرج شائعة تقول أن الأردن ترسل شاحنات المساعدة لإسرائيل وبنفس الوقت الأردن تقوم بإنزال جوي للمساعدات على غزة، ذهب الشارع لتصديق الشائعة والتشكيك بموقف الأردن على الرغم من أنه ينزل المساعدات لغزة!
ومثال آخر زيارة ماكرون لقاعدة جوية فرنسية بالأردن، خرجت حينها الأصوات المشككة لتقول أن الجنود الفرنسيين يشاركون بالحرب من خلال عبورهم من الأردن علمًا أن القاعدة أساسًا أسست لقصف داعش في سوريا والعراق.
الناظر لموقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية يسهل عليه أن يكذب هذه الشائعات ولكن الشارع كان ينجر خلفها ويشكك بموقفنا.
هذا يعود لعدة أسباب منها التي ذكرتها سابقًا ومنها سوف أفندها الآن :
1- أداء الدولة قوي جدًا في تصريحاته ومواقفه الخارجية، لكن على الصعيد الداخلي لم ينعكس هذا على أداء الحكومة ولم نرى الحكومة سوى مرة أو مرتين خلال هذه الأحداث وهذا ضعف واضح أن تغيب عن المشهد في ظل هذه الظروف الصعبة.
2- تكرار نفس النسخ من الأشخاص الذين يتولون دور وزارت الإعلام أو الإتصال الحكومي، وكأننا أوكلنا مهمة هذه الوزارات لمصنع ينتج نفس النسخ من نفس المنتج، وهذا يعود لعدم إنتاج نخبة قادرة على التحكم بالمشهد والسيطرة عليه.
كل هذا جعل الرواية الرسمية تتلقى سهام الشك والتخوين، والطابور السادس الذي يؤذي الأردن بتشكيكة وتخوينة يلاقي أريحية بالحركة بسبب غياب الرواية الرسمية وضعف السردية الأردنية، على الحكومة أن تعيد النظر في حساباتها وأن تغير السياسات المتبعة حتى لا نصل لمربع يصعب الخروج منه.
فالإنجرار وراء الشائعات وتكذيب كل ما هو رسمي جعل الرواية الرسمية تدخل في أزمة الشك والتخوين وهذه الأزمة معقدة جدًا وتعاني الرواية الرسمية بها.
في بعض الأحيان لا ألوم الشارع على تكذيبه لجل ما هو رسمي، ولكن بنفس الوقت يجب أن نضع أسباب لعدم اللوم، أو بمعنى أدق أسباب لعدم تصديق الشارع لجل ما هو رسمي، من هذه الأسباب :
أولًا : ضعف الإتصال الحكومي.
غياب الحكومات عن المشهد في المحافل المهمة وإن لم تغب تصل متأخرة، ذلك جعل الشارع يضعها في موضع الشك والتخوين.
فمثلًا لو قمنا بعمل مقاربة تاريخية، لماذا الجميع يحب فترة رئاسة وصفي التل للحكومة؟ ولماذا لاقى قبول واسع عند الجميع حتى عند من لم يعاصره؟
وصفي كان لديه عدة سياسات ترضي الشارع، منها سياسة الإتصال الحكومي، في فترة من فترات رئاسته للحكومة كان عدنان أبو عودة وزير الإعلام لديه، في كل يوم كانا يجتمعان مع بعضهما ويرتبان ما سوف يتم إذاعته للشارع بكل صدق ويحضران الرد على الشائعات المشككة بالأردن، ويخرج ابو عودة لسرد الرد، فشكل حينها حالة من الصدق في إتصاله مع الشارع وجعل للدولة رواية رسمية.
حتى في فترة "كورونا" كانت أنظار الشارع تنصب على المؤتمر الذي يعقد لعرض حالات الإصابة بالفايروس.
وكانت الرواية حينها مصدقة؛ لأن المصدر واحد والتوقيت مناسب والشارع متعطش لسماع الرواية الرسمية، لكن ما قبل وبعد ذلك هنالك تذبذبات في الرواية جعلتها تدخل في دائرة الشك والتخوين.
ثانيًا : الأزمة الإقتصادية والسياسية التي تعصف بنا.
الوضع الإقتصادي المتردي عند الأفراد جعل لديهم حالة من الإحتقان الساخط والغاضب على الحكومات، فحسب نتائج إستطلاعات الرأي التي أجراها "مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية" خلال العام الحالي والماضي ،كانت النتائج صادمة، حيث أشارت إلى إنخفاض ثقة المواطنين بالحكومة والأحزاب السياسية ومجلس النواب والأوضاع الإقتصادية ومستوى المعيشة والخدمات الصحية.
فعلى سبيل المثال تبين أن اقل من نصف الأردنيين (46%) راضون عن مستوى الخدمات الصحية المقدمة لهم. و(39%) فقط راضون عن مستواهم المعيشي الحالي، علاوة على أن غالبية الأردنيين (60%) غير متفائلين بالاقتصاد الأردني خلال العامين القادمين، لذلك عند خروج أي شخص يذيع رواية رسمية للدولة، مباشرة يتم تكذيبه وتخوينه وعدم الإستماع له حتى وإن كان صادقًا، لأن الشارع يتردى في وضعه الإقتصادي وحالة الإحتقان جعلت منه شخص يكره الحكومة ولا يحب الإستماع لها، حتى الوضع السياسي الذي مرت به البلاد في العقد الأخير، من الربيع العربي وحتى قضية نقابة المعلمين عقبها قضية الفتنة تلاها قضية أسامة العجارمة وبعدها خروج قصة تهريب السلاح من قبل النائب وفصل بعض من النواب وكل هذا في ظل تكتيم إعلامي جعل من الرواية الرسمية محل شك وتخوين.
ثالثًا : أحداث غزة التي تجري حاليًا وضعف الموقف العربي.
أزمة تكذيب الرواية ليست مقتصرة فقط على الأردن، بل على جل البدان العربية، الشعب العربي متعطش للنصر ويبحث عن شيء يفرغ به إنتقامه من أفعل إسرائيل، لكنه لم يجد شيء يصب به هذا الغضب فأصبح يتجه نحو جلد الحكومات، ولم يلتفت لأي تصيرح حكومي ولكن بنفس الوقت كانت الأنظار منصبة تجاه الناطق الإعلامي بإسم كتائب القسام "ابو عبيدة" الذي كان يشبع رغباتهم ويشعرهم بالنصر.
وعلى الرغم من أن الموقف الأردني عظيم بنظري إلا أن الشارع لا زال يكذبه، فمثلًا تخرج شائعة تقول أن الأردن ترسل شاحنات المساعدة لإسرائيل وبنفس الوقت الأردن تقوم بإنزال جوي للمساعدات على غزة، ذهب الشارع لتصديق الشائعة والتشكيك بموقف الأردن على الرغم من أنه ينزل المساعدات لغزة!
ومثال آخر زيارة ماكرون لقاعدة جوية فرنسية بالأردن، خرجت حينها الأصوات المشككة لتقول أن الجنود الفرنسيين يشاركون بالحرب من خلال عبورهم من الأردن علمًا أن القاعدة أساسًا أسست لقصف داعش في سوريا والعراق.
الناظر لموقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية يسهل عليه أن يكذب هذه الشائعات ولكن الشارع كان ينجر خلفها ويشكك بموقفنا.
هذا يعود لعدة أسباب منها التي ذكرتها سابقًا ومنها سوف أفندها الآن :
1- أداء الدولة قوي جدًا في تصريحاته ومواقفه الخارجية، لكن على الصعيد الداخلي لم ينعكس هذا على أداء الحكومة ولم نرى الحكومة سوى مرة أو مرتين خلال هذه الأحداث وهذا ضعف واضح أن تغيب عن المشهد في ظل هذه الظروف الصعبة.
2- تكرار نفس النسخ من الأشخاص الذين يتولون دور وزارت الإعلام أو الإتصال الحكومي، وكأننا أوكلنا مهمة هذه الوزارات لمصنع ينتج نفس النسخ من نفس المنتج، وهذا يعود لعدم إنتاج نخبة قادرة على التحكم بالمشهد والسيطرة عليه.
كل هذا جعل الرواية الرسمية تتلقى سهام الشك والتخوين، والطابور السادس الذي يؤذي الأردن بتشكيكة وتخوينة يلاقي أريحية بالحركة بسبب غياب الرواية الرسمية وضعف السردية الأردنية، على الحكومة أن تعيد النظر في حساباتها وأن تغير السياسات المتبعة حتى لا نصل لمربع يصعب الخروج منه.
نيسان ـ نشر في 2023/12/26 الساعة 00:00